سجلت تونس انطلاقة عسيرة لأعمال مجلس النواب الجديد، انعكست بوضوح في انقسام المشهد البرلماني، بسبب هشاشة التحالفات الجديدة لحركة "النهضة"، في مقابل شراسة معارضيها، ما يشي بعثرات وصعوبات قد تعترض تمرير القوانين والقرارات المقبلة.
وكشف التصويت على انتخاب رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان، عن خارطة سياسية جديدة، أظهرت حزام تحالفات الحركة البرلمانية، وأوضحت مستقبل التحالف الحكومي المرتقب. وحظي الغنوشي بأغلبية 123 صوتاً، ما أهله للفوز برئاسة البرلمان خلفاً لمحمد الناصر الذي فاز في العام 2014 بأغلبية أصوات معززة بلغت 176 صوتاً، متجاوزة الثلثين حينها، وحتى الأغلبية الحكومية التي بلغت 167 في أفضل الأحوال.
أما عملية التصويت فكشفت عن حزام برلماني جديد لـ"النهضة"، التي تصدرت الانتخابات التشريعية بـ52 مقعداً، إذ نجحت الحركة في التوافق مع غريمها الانتخابي "قلب تونس" الذي يتزعمه نبيل القروي، لتحشد إلى جانبها مجموعة 38 نائباً، بالإضافة إلى دعم "ائتلاف الكرامة" بـ21 مقعداً. وانحازت إلى الحركة كذلك مجموعةٌ من كتلة "الإصلاح الوطني"، وعددٌ من المستقلين.
وقال رئيس مجموعة "الإصلاح الوطني" حسونة الناصفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مجموعة من داخل الكتلة صوّتت لصالح الغنوشي، لكن ذلك لا يعني تحالفاً سياسياً ولا برلمانياً مع "النهضة"، مشيراً إلى أن كتلته "هي مجموعة تقنية تضم أحزاباً مختلفة ومستقلين، ولا يمنع نظامها الداخلي من الاختلاف في التصويتات والتوجهات".
من جهته، أكد النائب عن حزب "قلب تونس" عياض اللومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تصويت مجموعة "قلب تونس" البرلمانية لا يعني إعلاناً لتحالف بين الحزبين، لأن التحالفات تبنى على مستوى النقاش الحكومي حول برنامج عمل مشترك، مشيراً إلى أن "قلب تونس" صوت لمرشح "النهضة"، التي صوتت بدورها لمرشح حزب القروي في منصب نائب رئيس للبرلمان. واعتبر أن ما جرى يوم الافتتاح من اتفاق بين الحزبين، يعد خطوة في اتجاه تسهيل انطلاقة عمل البرلمان المنتخب.
وفي أول تصريح صحافي له بعد انتخابه، أكد رئيس البرلمان راشد الغنوشي أن "النهضة" ستتعامل مع جميع الأطراف من دون إقصاء كما تمّ سابقاً، مذكراً بأن هذا الأمر يفرضه النظام الانتخابي. ورد الغنوشي حول تبدل مواقف وتصريحات "النهضة"، بأن الأغبياء فقط مَن لا يتغيرون، لافتاً إلى أنه لولا التعامل مع "قلب تونس" وغيره من الأحزاب، لما حسمت مسألة رئاسة البرلمان.
أما النائب عن "ائتلاف الكرامة"، عبد اللطيف العلوي، فأكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تحالف الائتلاف مع "النهضة" لا يعني التحالف مع "قلب تونس" الذي يعد غير وارد، مشيراً إلى أن "ائتلاف الكرامة" صوّت لـ"النهضة" منتظراً منها التصويت في المقابل لمرشحه في منصب نائب الرئيس الثاني، ومشدداً على أن كتلتهم لم تصوت لمرشحة "قلب تونس". وشدد العلوي على أن التصويت على رئاسة البرلمان لا يعتبر تحالفاً جديداً، أخذاً بأن موقف الائتلاف من عدد من الأطراف واضح.
وكشفت انطلاقة البرلمان الجديد عن معارضة شرسة وقوية لـ"النهضة" ورئيسها، فعلاوة عن الحزب "الدستوري الحر" ورئيسته النائب عبير موسي، التي أعلنت موقفها القطعي بالبقاء في المعارضة منذ البداية لأسباب أيديولوجية وسياسية وتاريخية، فإن حركة "الشعب" و"التيار الديمقراطي" وجدا نفسَيها في دكّة المعارضة، بسبب التقارب بين "النهضة" و"قلب تونس".
وفي هذا الإطار، اعتبر الأمين العام لحركة "الشعب" زهير المغزاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف الثلاثي المشوه بين الترويكا الجديدة التي تضم النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، وهي الأطراف المتناحرة خلال الانتخابات، والتي تبادلت أقذر النعوت والاتهامات بالفساد والتخوين، يقترب نحو تحالف هش مبني على المصالح الضيقة". وأكد المغزاوي "موقع حركة الشعب في المعارضة"، وهي "لن تشارك في هذا التحالف الحكومي الجديد"، معرباً عن رأيه بأن "تحالفاً بهذه الهشاشة وبهذه الغايات والمقايضات، سيكون الأضعف منذ اندلاع الثورة".
وتنتظر البرلمانَ الجديد محطاتٌ صعبة وآجالٌ ضيقة، إلى جانب التصويت لمنح الثقة للحكومة الجديدة، وسيعترض البرلمان عقبة تمرير قانون المالية وموازنة الدولة للعام 2020، وذلك قبل تاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهي موازنة بحسب الخبراء تتضمن مطبات كبيرة وستفتح أبواب الجدل والاحتجاج والمعارضة من قبل المنظمات والمجتمع المدني بسبب الإجراءات المنتظرة.
كما تنتظر الغنوشي وتحالف "النهضة" البرلماني تحدياتٌ تشريعية وانتخابية مهمة، من بينها تركة ثقيلة من القوانين الهيكلية التي تحتاج انضباطاً وحزاماً برلمانياً قوياً، إلى جانب انتخاب المحكمة الدستورية والهيئات المستقلة، والتي تحتاج أغلبية الثلثين (145 صوتاً)، وهو ما يعجز عنه التحالف الجديد.
ورأى المحلل عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مهمة الغنوشي ستكون صعبة جداً في تقريب وجهات النظر وخلق مناخ من التوافق في الأيام المقبلة، أمام رفض أطراف عدة مجرد الجلوس إلى طاولة الحوار، إلى جانب أخرى ترفع فيتو أمامه، ما سيترجم بإقبال المجلس التشريعي على أزمات ووعكات بسبب لقاء الأضداد والخصوم تحت القبة ذاتها.
واعتبر المؤدب أن أمام البرلمان الجديد تحديات أصبحت مستحيلة إذا ما اتخذنا يوم الافتتاح مؤشراً على باقي التصويتات، بما يعكس تدافعاً برلمانياً وانقساماً وشيكاً، باصطفاف غالبية الطيف البرلماني في شقّ المعارضة، ما خلق ثلثاً معطلاً قوياً وشرساً سيتمدد سريعاً في اتجاه التضييق وخنق التحالف البرلماني الحاكم.