المنصف المرزوقي يعتزل السياسة

24 نوفمبر 2019
المرزوقي: سأظل ملتزماً بكل قضايا شعبي وأمتي (Getty)
+ الخط -
أعلن الرئيس التونسي الأسبق ورئيس حزب "حراك تونس الإرادة"، محمد المنصف المرزوقي، الأحد، في رسالة إلى الشعب التونسي، انسحابه من الحياة السياسية والحزبية واستقالته من حزب الحراك.
وتوجه المرزوقي بكلمة إلى التونسيين أكد فيها أنه "إثر نتائج الانتخابات الأخيرة التي أتحمل كامل المسؤولية فيها، قررت الانسحاب من رئاسة حزب الحراك وكذلك من الساحة السياسية الوطنية مع البقاء ملتزماً بكل قضايا شعبي وأمتي التي سأواصل خدمتها بما أستطيع بطرق وفي مجالات أخرى".

وأضاف المرزوقي "أعلم كل ما تعانون، وأتألم لكل ما تتألمون منه، وأقاسمكم نفس الآمال لأنني واحد منكم، وقد عاينت طوال الحملة الانتخابية حجم الصعاب التي تتخبطون فيها، ومع هذا أقول لا تحبطوا ولا تيأسوا ولنواصل جميعاً بكثير من الأمل والتفاؤل هذا الانتقال الصعب الخطير من شعب الرعايا إلى شعب المواطنين".


وشدد المرزوقي على ان "هذا الانتقال هو هدف ثورة 17 ديسمبر المجيدة والربيع العربي وهو يتحقق في تونس بسرعة أكبر من كل قطر عربي"، مضيفاً "نحن نتخلص من وضع دام قروناً هو وضع شعب الرعايا، أي الشعب المملوك لدولة عنيفة فاسدة، في خدمة الأقلية ومصالحها غير المشروعة ... شعب تخلى فيه أفراده عن حقوقهم خوفاً من البطش وينتقمون من وضعهم بالإضراب عن واجباتهم".


واستطرد قائلًا: "نحن ندخل من الباب الواسع للثورة وضع شعب المواطنين، وهو الشعب الذي يملك دولة قانون ومؤسسات في خدمة مصالحه الشرعية... شعب لا يفرط كل فرد فيه في أي من حقوقه ويضطلع بكل واجباته لأنه يعلم أنه لا يوجد حق دون واجب".
وحذر المرزوقي من "تصديق القائلين عن حسن أو سوء نية أن الدستور بحاجة للتعديل في اتجاه نظام رئاسي لضمان فعالية الدولة واستقرارها. فلو كان النظام الرئاسي هو أنجع الطرق لقيادة الشعوب لما أدى بنا للثورة ولخراب أغلب أقطار الوطن العربي".
ورأى أن "دور الاستبداد تاريخياً في تحطيم دولنا وشعوبنا واتضاح سخافة أسطورة المستبد العادل وسهولة انقلاب كل نظام رئاسي إلى نظام استبدادي، تجعل من دستورنا الذي وزّع السلطات بكيفية ذكية تمنع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة من التسلط، أحسن دستور لحماية شعبنا والأجيال القادمة من طفرة استبدادية جديدة تعيدنا للمربع الأول ولن تزيد إلا الطين بلّة".

ودعا إلى "استكمال مؤسسات الدستور، خاصة المحكمة الدستورية، وتفعيل البند السابع منها لإرساء دعامة إضافية للحكم المحلي تساهم في توسيع رقعة المشاركة الشعبية في ممارسة الحكم وتعطي دفعاً كبيراً للتنمية البشرية بأوسع معانيها".

واعتبر المرزوقي أن "ما يعيق الاستقرار الحكومي الذي نحن بأمس الحاجة إليه، وكذلك فعالية البلديات والمجالس الإقليمية، هو القانون الانتخابي المبني على النسبية والمانع لوجود أغلبية تحكم، لا يهم من تكون، شريطة أن تتحمل كامل المسؤولية؛ إن نجحت ففي مصلحة الشعب وإن فشلت تستبدل بأغلبية أخرى تُعطى نفس الحظوظ ونفس المسؤولية كما هو الحال في أكثر الديمقراطيات عراقة واستقراراً".

وأشار المرزوقي إلى أن "أكبر عامل يهدد مجتمعنا هو الوضع الاقتصادي المشين الذي يحكم على مئات الآلاف من التونسيين بالفقر والبطالة والبؤس واليأس، وأكبر سبب فيه الفساد الذي استشرى بكيفية رهيبة في الخمس سنين الأخيرة بعد أن وقع التصالح معه في الصيغة المشينة التي سُميت كذباً ونفاقاً مصالحة وطنية".

وأكد أن "تونس بأمس الحاجة لقوانين وسياسات تضرب بقوة حفنة من العائلات الاحتكارية الطفيلية ومالها الفاسد، وهو الضرع الحلوب الذي يتغذى منه إعلام العار وبعض العصابات السياسية التي تتغطى بقانون ضعيف وفضفاض للأحزاب، ومهمتها استغلال الديمقراطية التي حاربتها لتخدم مموليها وهم ألدّ أعداء المصلحة العليا لا تهمهم إلا مصالحهم الآنية ".

وختم المرزوقي رسالته بالتعبير عن "الفخر والاعتزاز بثورات أهلنا في السودان والعراق ولبنان والجزائر، وبتواصل المقاومة المواطنية في ليبيا ومصر واليمن وسورية وضد المحتل الإسرائيلي في فلسطين الحبيبة"، مردفًا أنه "كان لشعبنا شرف المبادرة في إطلاق ثورات شعوب المواطنين التي نراها اليوم تجاوزت حدود الوطن العربي نفسه، حيث نرى انهياراً متسارعاً لأنظمة الفساد والقمع بالضربات المتتالية لشعوب أفاقت أخيراً من طول سباتها"، مستدركًا بأن "ما نراه أيضاً تمسّك النخب الفاسدة بالنظام القديم والتنسيق بينها واستعدادها لحرق الأخضر واليابس لكي نبقى شعوباً من الرعايا، في المقابل لم نر إلى اليوم أي تنسيق بين ثورات شعوب المواطنين".

واعتبر المرزوقي أنه "على القيادات العربية الشابة إعداد فضاء عربي لا علاقة له ببعث ماض خيالي كاذب، وإنما بخلق كيان جديد مبني على التواصل والتنسيق والتكاتف في ظل التعددية واستقلال كل شعب والديمقراطية التشاركية وحقوق الإنسان، وهو ما سيسمح لكل الشعوب العربية وقد تحررت من الاستبداد بأن يكون لها مكان ومكانة في هذا العالم".

وقال المرزوقي "لقد شاءت الأقدار أن تنتهي مساهمتي في الملحمة الجماعية بمرارة هزيمة انتخابية. لكنني أغادر الساحة السياسية سعيداً برؤية تحقيق جل الأهداف التي ناضلت من أجلها على امتداد نصف قرن، وأيضاً مرفوع الرأس مرتاح الضمير لشعوري العميق بأنني أديت واجبي كطبيب، كحقوقي، كمثقف، وكرئيس للدولة التونسية في أصعب وأخطر مرحلة من تاريخها الحديث".

المساهمون