بذلك صار الرئيس الثالث خلال 243 سنة، الذي ينظم مجلس النواب لائحة ادعاء بحقه، لطخة مؤذية التصقت برئاسته وترْكتِهِ، بقطع النظر عن جدارة وقوة القضية وسواء تبناها مجلس الشيوخ أم لا. لقب لا يقوى ترامب على التخلص منه ولا بد من أن يجري توظيفه لصالح منافسه في الانتخابات المقبلة.
التصويت جرى بانضباط صارم وفقاً للانتماء الحزبي كما كان متوقعاً. فقط نائبة واحدة من الديمقراطيين، تولسي غابارد، كانت مرشحة للرئاسة، امتنعت عن التصويت على التهمتين و3 منهم وقفوا مع الجمهوريين في التهمة الثانية لاعتبارات انتخابية محض.
الجمهوري احتفظ بتماسكه التام ولم يقوَ خصومه على كسب صوت واحد من صفوفه، لكنه لم يفلح في الدفاع عن الرئيس. نأى عن تفنيد حيثيات الادعاء وصوّب على الخصم الديمقراطي لضرب صدقيته من خلال اتهامه بأنه تحرك ضد الرئيس بدافع "الكراهية" الشخصية، وحصر مرافعاته بالأصول والشكليات، مع التشديد على وضع ترامب في خانة المغدور الذي تعرض لعملية مدبرة "منذ فوزه بالرئاسة".
معزوفة رد عليها الديمقراطي بالعزف على وتر "حماية الدستور" كواجب أساسي على الكونغرس وتحصين العملية الانتخابية من "التدخل الأجنبي" وغير ذلك من بضاعة التراشق بين الطرفين والتي تكرر تردادها بصورة مملة طيلة الأيام الأخيرة والتي انتهت في آخر المطاف عند النتيجة المرسومة.
ماذا بعد دراما مجلس النواب؟
الإشارات الأولية أن العملية قد تكون مختلفة هذه المرة. في العادة يحيل مجلس النواب الملف إلى مجلس الشيوخ لمحاكمة الرئيس وإصدار القرار النهائي في قضيته. ما صدر عن قيادات الديمقرطيين بعد التصويت، يرجح أو على الأقل لا يستبعد احتمال أشرنا إليه في هذه الزاوية قبل أيام ويتمثل في خيار اكتفاء مجلس النواب بهذا الإجراء وعدم نقل الملف إلى مجلس الشيوخ ما لم يعط هذا الأخير ضمانات بإجراء محاكمة "عادلة" على ضوء التهمتين.
رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي تقرر في هذا الشأن، كانت واضحة في ردها على سؤال حول الخطوة التالية، قائلةً "لا نرسل الموضوع إلى الشيوخ ما لم نطلع على ما يعتزمه"، وهي بذلك تشير إلى تصريحات زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، والذي يعود له وضع قواعد إدارة جلسة المحاكمة، والتي قال فيها بأنه "ليس على الحياد" في هذا الخصوص وإنه ينسق مع الفريق القانوني في البيت الأبيض بشأن المحاكمة وكيفية إجرائها. كما تشير إلى شرط موافقة ماكونيل على طلب الديمقراطيين بوجوب استحضار الشهود الكبار مثل جون بولتون ومحامي الرئيس رودي جولياني وغيرهما، الذين منعهم البيت الأبيض من الإدلاء بإفاداتهم أمام لجنتي الاستخبارات والعدلية. طلب لمّح ماكونيل إلى استبعاد موافقته عليه. ووعد في وقت متأخر، أمس الأربعاء، بالتحدث حول هذا الموضوع غداً أمام مجلس الشيوخ.
لعبة مساومة من غير الواضح إلى أي مدى يزمع الطرفان المضي بها. المبادرة الآن بيد مجلس النواب الذي يمسك بورقة الاتهام. وعليه فإنه من مصلحة الطرف الجمهوري والبيت الأبيض أن يعقد الشيوخ جلسة المحاكمة للتخفيف من عبئها من خلال تبرئة الرئيس، لكن عقد هذه الجلسة بحضور هؤلاء الشهود العارفين بما لا يعرفه غيرهم، قد يفجر قنابل يصبح معها من الصعب تمرير قرار التبرئة.
في المقابل قد يؤخذ على مجلس النواب أنه امتنع عن إحالة الملف إلى الشيوخ بسبب ضعف قضيته وليحرم الرئيس من حكم لا بد أن يصدره الشيوخ لمصلحته. في الحالتين لا تخلو المناورة من المجازفة. ولذلك قد لا تتبلور الصورة قبل دخول العام الجديد. فاللعبة تغيرت قواعدها وصارت حسابات الربح والخسارة فيها دقيقة. صحيح أن ترامب هو الخاسر الأكبر الآن. لكن لا يوجد رابح أكبر حتى اللحظة.
"المحاكمة كانت لنا كلنا"، يقول المؤرخ جون ميتشل في تعليقه على ما حصل أمس.