وقالت مصادر قضائية مطلعة في وزارة العدل إن رضوخ مجلس الدولة للتعليمات بعد محاولة التملص منها لأشهر عدة، جاء بعد لقاءات عقدها رئيس المجلس الجديد الذي عيّنه السيسي بالمخالفة للأقدمية، المستشار محمد حسام الدين، مع عدد من مستشاري السيسي ووزير العدل الشهرين الماضيين، حيث تلقى تأكيدات بأن "من المستحيل التصديق على تعيين قضاة جدد في المجلس دون إخضاعهم للدورات التدريبية"،
ما يعني تقليص سلطة إدارة مجلس الدولة في الاختيار، وأن الآلية التي فرضت على المجلس هي أن يتم إبلاغ أسماء المقبولين الذين اجتازوا الاختبارات والمقابلات الشخصية، ثم يتم ترشيحهم من قبل الجهات الأمنية والسيادية والرقابية، ثم يتم إلحاق المرشحين المجازين أمنيا بالأكاديمية، وفي النهاية لا يتم تعيين إلا من اجتازوا هذه الدورة.
ومقابل هذا التقزيم الواضح لسلطة الهيئة في اختيار أعضائها الجدد، حصل رئيس مجلس الدولة على مكسب وحيد وضئيل، هو إلحاق المرشحين المقبولين من دفعتين وليس دفعة واحدة، وذلك لسدّ حاجة المجلس للقضاة الشباب لمواجهة الزيادة الكبيرة في أعداد القضايا.
أما النيابة الإدارية فقد استطاع رئيسها الجديد المعين بالمخالفة للأقدمية، المستشار عصام الدين المنشاوي، فرض الرؤية الرسمية على أعضاء المجلس الأعلى للهيئة، وإرسال أسماء المقبولين من دفعة 2012 للتدريب في الأكاديمية تمهيداً لتعيينهم.
ووفقاً للمصادر، فإن مدة الدورة الواحدة 4 أشهر ونصف، تُجرى بعدها الاختبارات النهائية في 4 أيام، ومدة الدراسة يومياً 8 ساعات، وتدرّس المواد في صورة "كورسات تدريبية متلاحقة" في مجالات الإدارة والأمن القومي وحروب الجيلين الرابع والخامس ومواجهة الشائعات والتطرف وتنظيم الدولة والنظم السياسية. وتم تخصيص مجموعة محاضرات استثنائية في المجال القانوني للمرشحين للهيئات القضائية.
وذكرت المصادر أن العديد من المرشحين الذين خضعوا لهذه الدورة للتعيين في وظائف رسمية وحتى في هيئة قضايا الدولة، قد استبعدوا في النهاية بسبب آرائهم وتوجهاتهم الشخصية التي ظهرت في أدائهم خلال الدورة، وهو ما يؤكد أنها ليست مجرد محاضرات علمية، بل وسيلة للتصفية عن قرب بإخضاع المرشح لظروف دراسية ونقاشية مختلفة.
وسبق أن أشارت المصادر نفسها إلى أن مجلس القضاء الأعلى طلب من السيسي، عبر مخاطبات رسمية، أن يعفي وكلاء النيابة من الالتحاق بالأكاديمية، مقابل إضافة بعض المواد والمناهج الخاصة بحروب الجيل الخامس والعلاقات الدبلوماسية واستراتيجية السياسة المصرية، وغيرها من المواضيع التي تركز عليها الدراسة في الأكاديمية، إلى ما يدرسه القضاة الشباب فور التحاقهم بالعمل القضائي في معهد الدراسات القضائية التابع لوزارة العدل، خصوصاً أن هناك سوابق، بعد عام 2013، بتدريس مواد ذات طبيعة أمنية واستراتيجية في هذا المعهد.
ورفض السيسي هذا المقترح تماماً، لأنه يقضي على الهدف الرئيس من التحاق المرشحين بالأكاديمية، وهو اختبارهم عملياً والتعرف إلى توجهاتهم الفكرية والسياسية عن قرب، لاستبعاد ذوي التفكير النقدي والآراء المعارضة لتوجهات السلطة، حتى وإن كان أصحابها مؤيدين للنظام بمعناه الواسع، فضلاً عن صقلهم بمهارات وأفكار يرى السيسي ضرورة تمتع جميع العاملين بالدولة بها.
وكان أحد أسباب الاعتراض الرسمي على أن يكون القرار النهائي في القبول أو الرفض لإدارة الأكاديمية، هو خشية أن تصدر القائمة النهائية للتعيينات خالية من عشرات الأسماء التي كان قد تم اختيارها بمعيار الكفاءة والتفوق الدراسي، نظراً لورود تحريات جديدة زعمت انتماء بعض أقاربهم من الدرجة الثالثة أو الرابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، كما حدث في دفعة النيابة العامة الأخيرة، أو بسبب ملاحظات على أدائهم خلال الدراسة بالأكاديمية.
وسبق أن تم توجيه كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى جميع الوزارات، بسرعة التواصل مع الأكاديمية لحجز مواعيد لإلحاق الموظفين الجدد والشباب بها لتلقي دورات دراسية مكثفة.
وكانت "العربي الجديد" قد انفردت، قبل عام، بنشر معلومات عن تنظيم دورات تدريبية للخريجين الجدد، المختارين للالتحاق بهيئة قضايا الدولة، في الأكاديمية الوطنية التي أنشأها السيسي لتفريخ جيل جديد من العناصر الإدارية الموالية له، تمهيداً للدفع بها في الجهاز الإداري للدولة والأجهزة السيادية والرقابية. وعندما عرضت المسألة على مجلسي الدولة والقضاء الأعلى، اعترض عدد من كبار القضاة عليها، مبدين تخوّفهم من الآثار السلبية لما قد يُخلفه هذا الاتجاه الجديد، ليس فقط على المحصلة القانونية للقضاة الجدد ومدى قدرتهم على استيعاب القضايا المعروضة أمامهم وإدراك مفاهيم العدالة، بل أيضاً على علاقتهم بزملائهم الأقدم والأكثر خبرة، وانضمامهم إلى الحقل القضائي محملين بأفكار وانتماءات تتناقض مع السمات المفترض تمتع القضاة بها، كالحياد والنزاهة والابتعاد عن السلطة التنفيذية.
ووافق السيسي، بعد إلحاح ووساطات، على تعيين دفعة استثنائية واحدة للنيابة العامة، من دون المرور على الأكاديمية نظراً للنقص الحاد في عدد وكلاء النيابة. ويدرس المرشحون في الأكاديمية نصف المواد ذات الطبيعة القانونية، التي يدرسها قضاة سابقون وحاليون، والنصف الآخر منها ذات طابع أمني وعسكري وسياسي ودبلوماسي، حيث يلقنون محاضرات عن حروب المعلومات والأمن الاستراتيجي، شبيهة بالمواد التي يدرسها طلاب أكاديمية ناصر العسكرية.