الحرب اليمنية بلا أفق للحل: عام جديد بملفات مفتوحة

30 ديسمبر 2019
جاءت حصيلة 2019 ثقيلة على الشرعية (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
تقترب الحرب في اليمن من بلوغ عامها الخامس، هي التي بدأت في مارس/آذار 2015 عندما أطلقت السعودية حملةً وتحالفاً عسكرياً لاستهداف الحوثيين في هذا البلد. ومع دخول اليمن عاماً جديداً، لا تلوح في الأفق أي تحوّلات حاسمة يمكن أن تدفع باتجاه إنهاء الصراع فيه قريباً، على الرغم من أحداثٍ مهمة طبعت مشهده في العام 2019، كانت الشرعية اليمنية الخاسر الأكبر فيها. ويدخل اليمن عام 2020 وسط تحديين أساسيين، يُرتقب أن ينجلي مصيرهما خلال الشهور المقبلة، الأول يتعلق باتفاق الرياض الذي وُقّع بين الحكومة اليمنية والانفصاليين جنوبي البلاد، بعد الانقلاب الذي نفذوه في أغسطس/آب الماضي، وبإمكانية المضي فيه لتشكيل حكومة والانسحابات الأمنية والعسكرية المنصوص عليها ضمن بنوده، أما التحدي الآخر فيتمثّل بالتهدئة السعودية مع الحوثيين، وإمكانية صمودها أو تطورها إلى هدنة طويلة الأمد، من عدمها، لتبقى التسوية السياسية الشاملة بعيدة، على الأقل في المدى المنظور.

وبمرورٍ سريع على أبرز الأحداث والتحوّلات التي شهدها العام الماضي، يبدو جلياً كيف أن الحوثيين حققوا مكاسب على الصعيدين العسكري والسياسي، إذ إن جماعة "أنصار الله" ظلّت على مدى شهور طويلة، في موقف المهاجم لا المدافع، مثلما أنها أنهت التصعيد غير المسبوق ضد السعودية بانتزاع تهدئة، لاقت ترحيباً من الأخيرة، بعد هجوم منشآت "أرامكو" النفطية في سبتمبر/أيلول الماضي على وجه التحديد. كما حقق الحوثيون مكاسب سياسية داخلية، عبر اعتراف الأمم المتحدة بالخطوات الأحادية التي قاموا بها في الحديدة، والتي اعتبرتها الحكومة "مسرحية"، أي تسليم الحوثيين الموانئ لأنفسهم.

جنوباً، فإن الحصيلة الإجمالية كانت ثقيلة على الشرعية. فبعد فقدانها السيطرة على العاصمة صنعاء، حاضنة البلاد المركزية، باتت الشرعية اليمنية في نهاية العام 2019 فاقدة للسيطرة على مدينة عدن، التي تصفها بـ"العاصمة المؤقتة"، في حين حقق الانفصاليون الجنوبيون مكاسب ميدانية باستكمال السيطرة على المدينة، وسياسية بانتزاع اعتراف حكومي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي كشريكٍ في حكومة مقبلة.

تحوّلات محورية
شهد اليمن خلال العام 2019 جملة من الأحداث والتحوّلات المحورية، على مدى 12 شهراً، بدأت بتصعيد غير مسبوق لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، باستخدام الطائرات المسيّرة، وصولاً إلى الهجوم على منشأتي "أرامكو" شرقي السعودية، وما أعقبه من تهدئة نسبية. أما جنوباً، فكان انقلاب عدن المدعوم من الإمارات وصولاً إلى اتفاق الرياض، أبرز المحطات، في حين تركزت جهود التسوية التي تقودها الأمم المتحدة على منع انهيار اتفاق الحديدة.

وكان للطائرات المسيّرة دورٌ مهم في المعادلة السعودية – الحوثية. ونفذت جماعة "أنصار الله"، اعتباراً من مطلع يناير/كانون الثاني 2019، ضربات نوعية ضد أهداف للشرعية وللسعودية باستخدام هذه الطائرات، إذ هاجموا حفلاً كان يحضره كبار قادة الجيش في قاعدة العند الاستراتيجية (محافظة لحج)، كبرى القواعد الاستراتيجية، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، بينهم رئيس الاستخبارات العسكرية في القوات الموالية للشرعية محمد صالح طماح، ونائب رئيس الأركان صالح الزنداني. وكان الهجوم الذي استهدف قاعدة العند، بمثابة مؤشر على تطور نوعي بالنسبة لسلاح الجماعة، إذ وقع على الرغم من انتشار مفترض للدفاعات الجوية التابعة لـ"التحالف" السعودي - الإماراتي.

وعلى مدى أشهر طويلة، استمر الحوثيون بتنفيذ هجمات بالطائرات من دون طيار، على هيئة ما تصفه الجماعة بـ"العمليات النوعية"، في اتجاهين، محلياً، صوب مناطق سيطرة الشرعية، في مأرب والساحل الغربي، وحتى في عدن وحضرموت، وحدودياً، في اتجاه السعودية. ووفقاً لرصد "العربي الجديد"، فقد كانت العديد من الهجمات مزدوجة، باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية، بصورة متزامنة، أوقعت خسائر أكثر من مرة، مادية وبشرية، كما حصل في "العند"، وكذلك في الجانب السعودي.


في المقابل، دخل "التحالف" والقوات اليمنية الموالية للشرعية عام 2019، باستراتيجية "الرد"، أكثر منها عبر تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة، لتحقيق انتصارات ميدانية. وكرر المتحدث باسم "التحالف"، العقيد تركي المالكي، في بياناته، تبرير موجات من عمليات القصف الجوي، التي كان ينفذها في صنعاء أو في محافظات يمنية أخرى، بأنها تستهدف قواعد ومراكز تحكم بـ"الطائرات المسيّرة"، في تطور يعكس هو الآخر التحول الذي أحدثه تصعيد الجماعة باستخدام هذا النوع من الأسلحة.

هجوم نفطي في الرياض
استمر تصعيد الحوثيين بضربات الطائرات المسيرة المفخخة، والهجمات الصاروخية، بوتيرةٍ متصاعدة، ركزت على منشآت حيوية بما فيها النفط والمطارات، لكنها شهدت تطوراً لافتاً في 14 مايو/أيار الماضي، حين أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن تنفيذ هجوم باستخدام سبع طائرات مسيّرة، استهدف أنبوباً نفطياً يمتد من المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع. وأكدت السعودية للمرة الأولى، أن محطتي ضخ لخط الأنابيب تعرضتا لهجوم "درون مفخخة"، ووصفت الأضرار الناتجة عن الهجوم بأنها محدودة، كما أوقفت "أرامكو" الضخ في الأنبوب، لتقييم وإصلاح الأضرار الناتجة عن الاستهداف.

وفي أغسطس/آب، أعلن الحوثيون تنفيذ أكبر عملية عسكرية باتجاه السعودية، منذ بدء حرب "التحالف" مطلع 2015، إذ تبنّت هجوماً، قالت إنه جرى باستخدام 10 طائرات مسيّرة، استهدف حقل "الشيبة" النفطي، على الحدود مع الإمارات، وأطلقت عليه اسم "عملية توازن الردع الأولى". وشكلت العملية تطوراً نوعياً، سواءً لجهة طبيعة الهدف، كأحد أكبر الحقول النفطية السعودية، أو فيما يتصل بموقع الهجوم، بمنطقة بعيدة عن الحدود عن اليمن، بالإضافة إلى عدد الطائرات المسيّرة المستخدمة ونجاحها بالوصول إلى الهدف، إذ أقر الجانب السعودي، باندلاع حريق وُصف بـ"المحدود"، تمّت السيطرة عليه في وقتٍ لاحق.

في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، كانت السعودية على موعد مع أحد أكبر الهجمات التي تستهدف عمقها، والنفطي خصوصاً، عندما استهدفت منشآت نفطية لشركة "أرامكو" في كلٍ من منطقتي بقيق وخريص، ما خلّف حرائق هائلة، نتج عنها توقف لصادرات النفط السعودي، وأصداء عربية ودولية وتأثيرات اقتصادية، على مستويات متعددة.

وفيما أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم تحت مسمى "عملية توازن الردع الثانية"، باستخدام 10 طائرات مسيّرة، وسعوا إلى سرد التفاصيل والمبررات التي تعزز وقوفهم وراءه، توجّهت أصابع الاتهام السعودية والدولية، نحو إيران، ليس بوصفها الداعم للحوثيين بتنفيذ الهجوم، بل المنفذ المباشر. ولتعزيز هذه الخلاصة، قدمت الرياض العديد من القرائن، بما فيها الإعلان عن أن الهجوم جرى باستخدام نحو 18 طائرة مسيّرة وسبعة صواريخ مجنحة، جرى اعتراض بعضها، كما أن مختلف التقارير الأميركية والتصريحات السعودية استبعدت أن تكون جماعة "إنصار الله" هي المنفذة للهجوم.

تهدئة بعد التصعيد
في الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه إلى رد الرياض المحتمل على التصعيد الإيراني، اتجه الحوثيون إلى خطوة ذكية، ساهمت بتهدئة وتيرة التصعيد على مستوى المنطقة، إذ أعلنت الجماعة، في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، وقف كافة أشكال الهجمات باتجاه السعودية، كمبادرة طالبت الرياض بإصدار إعلان مماثل بوقف العمليات في اليمن، وكخطوةٍ في طريق وقف الحرب في البلاد.

وعلى الرغم من عدم إعلان الرياض الموافقة نصاً على إعلان الحوثيين، إلا أنه بدا واضحاً، أنها كانت بحاجة إلى الإعلان الحوثي لترتيب أوراقها بعد هجوم "أرامكو"، إذ وصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خطوة "أنصار الله" بأنها إيجابية، لتتراجع عمليات "التحالف" إلى حد كبير في العديد من المحافظات اليمنية، في أعقابه.


وخلافاً للتصعيد الذي ساد حتى سبتمبر/أيلول الماضي، تراجعت وتيرة العمليات والمواجهات، على أكثر من صعيد، وانتقل الحديث إلى تسريبات عن حوار بين السعودية والحوثيين، كما صدرت تصريحات من نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، والذي يتصدر مسؤولية الملف اليمني في الرياض، تحمل مضامين إيجابية تجاه التهدئة. وعلى الرغم من أن الحوار لم يشهد أي لقاءات علنية بين الطرفين، حتى اليوم، إلا أن الشهرين الماضيين، شهدا إطلاقاً متبادلاً لأسرى ومعتقلين من الجانبين.

تصعيد الإمارات وانقلاب عدن
بالترافق مع التصعيد الحوثي غير المسبوق باتجاه السعودية، اتجهت الإمارات، العضو الثاني في "التحالف"، إلى استراتيجية أحادية بعيدة عن حليفتها الرياض. وبعدما كانت تتصدر دعم العملية العسكرية للقوات الحكومية صوب مدينة الحديدة، استدارت أبوظبي بعلاقاتها، لتحسينها مع إيران، معلنة في يونيو/حزيران الماضي عن خطة لخفض انتشار قواتها في اليمن، وأكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن الانسحاب الِإماراتي الجزئي شمل العديد من المحافظات، بما فيها مأرب وعدن.

بالتوازي، شرعت أبوظبي في وضع اللمسات الأخيرة لإكمال الانقلاب المسلح للتشكيلات المدعومة منها، لإسقاط ما تبقّى من وجود ضعيف، أصلاً، للحكومة الشرعية في عدن، الأمر الذي وصل أوجه مطلع أغسطس/آب الماضي، حين دشن حلفاء أبوظبي في ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وبمشاركة نحو 400 عربة عسكرية إماراتية، الهجوم على معسكرات قوات الحماية الرئاسية والتشكيلات الموالية للحكومة، وصولاً إلى القصر الرئاسي في المدينة الجنوبية. واستكملت خطوات الانقلاب في عدن في العاشر من الشهر ذاته، وبخطوات لا تبتعد كثيراً عن انقلاب الحوثيين في صنعاء في العام 2014.

واصل حلفاء أبوظبي التصعيد لإكمال السيطرة على المحافظات الجنوبية، إلا أنهم كانوا على موعد مع انتكاسة عسكرية في محافظة شبوة النفطية الاستراتيجية، حيث تساقطت معسكرات "النخبة الشبوانية" المدعومة إماراتياً، لتنتهي الأحداث بسيطرة لقوات الشرعية على المحافظة، وانتقال الأخيرة صوب عدن. وبينما كادت القوات الحكومية أن تستعيد السيطرة على هذه المدينة، تدخلت الإمارات جواً، ونفذت 13 غارة ضد قوات الشرعية على أطراف عدن وفي محافظة أبين، نتج عنها نحو 50 قتيلاً وإصابة أعداد كبيرة من الجنود والمدنيين.

سعت الرياض التي أعلنت رفضها لمحاولة فرض "الأمر الواقع" في عدن، إلى احتواء التصعيد جنوباً، من خلال دعم الشرعية في شبوة، والدعوة إلى حوار جدة بين الحكومة اليمنية والانفصاليين، الأمر الذي استمر لما يقرب من شهرين، وانتهى بتوقيع "اتفاق الرياض" في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. الاتفاق تضمن جملةً من البنود العسكرية والأمنية والسياسية المزمنة، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى نزع فتيل الأزمة وإعادة ترتيب القوات الأمنية والعسكرية جنوباً، في مقابل إشراك "الانتقالي" بحكومة جديدة، يتم تشكيلها على ضوء الاتفاق.

وفي حين لا تزال أغلب بنود "اتفاق الرياض" خارج التنفيذ على أرض الواقع، تعد أبرز خطوة سبقته، هي انسحاب الإمارات بصورة رسمية من عدن، وتسليم قيادة التحالف فيها للقوات السعودية. ومن الواضح، بعد ما يقرب من شهرين على توقيع الاتفاق، أن العقبات أمامه لا تزال كبيرة، وتنتظر اختراقاً جديداً، على ضوء جهود المفاوضات المتواصلة بين اللجان المشكلة من الطرفين، أو إعلان فشل الاتفاق بصورة رسمية.

الأمم المتحدة واتفاق الحديدة
خلافاً للعام 2018 الذي شهد اختراقاً مهماً بتوقيع اتفاق استوكهولم بشأن مدينة الحديدة الساحلية الغربية، برعاية المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، فإن العام 2019 مضى من دون أن تحقق الجهود الدولية تقدماً يذكر، على صعيد جهود التسوية الشاملة في البلاد، فضلاً عن تعليق أبرز البنود المتصلة باتفاق الحديدة، مع تركز جهود المبعوث الأممي حول محاولات تمديد صمود وقف إطلاق العمليات العسكرية، الذي دخل حيز التنفيذ في 18 ديسمبر/كانون الأول 2018.

وشهدت الشهور الماضية أزمةً سياسية بين الحكومة اليمنية وبين غريفيث، على خلفية اعتراف الأخير بخطوات أحادية قام بها الحوثيون في إطار ما يُعرف بـ"إعادة الانتشار"، إذ اشتكت الحكومة، في مايو/أيار الماضي، المبعوث الأممي رسمياً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، واتهمته بتجاوز "المرجعيات" وتبني مواقف تتماهى مع رغبة الحوثيين. من جهتها، سعت الأمم المتحدة، إلى معالجة الأزمة وتقديم تطمينات للجانب الحكومي، سمحت بمواصلة غريفيث مهمته، إلا أن الأخير، مع ذلك، يواجه تحدياً محورياً، يتمثل في صعوبة الانتقال للإعداد لأي جولة محادثات جديدة، قبل تحقيق تقدم مهم في الحديدة، مع الإشارة إلى أن المؤشرات الإيجابية التي تمنح عملية السلام فرصةً جديدة، على ضوء التهدئة النسبية في الأشهر الأخيرة، بما فيها هجمات الحوثيين باتجاه الجانب السعودي، لا تزال غير صلبة.