في إطار سعي نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لسرعة تشكيل برلمان جديد بغرفتي مجلس النواب ومجلس الشيوخ والتنظيمات (المجالس) المحلية والسيطرة عليها، بعد تمرير التعديلات الدستورية المتداولة حالياً، بدأ حزب "مستقبل وطن" المدعوم مباشرة من الاستخبارات العامة، في تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية للكوادر الجديدة المنضمة للحزب في الأشهر القليلة الماضية، لتدريبها على مهارات التواصل السياسي، والمشاركة في الحملات الانتخابية.
وقالت مصادر سياسية في الحزب إنّ تعليمات صدرت من اللواء عباس كامل، مدير الاستخبارات العامة والمدير السابق لمكتب السيسي، لقيادات الحزب، بسرعة تنظيم هذه الندوات والورش التي تتضمن محاضرات أولية في العديد من المواضيع السياسية والاقتصادية والقانونية، لتكون لدى الحزب قائمة كبيرة من المنتمين في كل محافظة، يمكن الدفع بمعظمهم في الانتخابات المقبلة بمختلف أنواعها، فضلاً عن تكوين كوادر دائمة على غرار كوادر "الحزب الوطني" المنحل الحاكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
لكن الفارق بين تدريب كوادر "الحزب الوطني" وكوادر الحزب السياسي لأجهزة السيسي يكمن في أن أمانات السياسات والتدريب والتنظيم التي كان يديرها بشكل مباشر جمال مبارك، كانت تعتمد في تدريب الكوادر على عدد كبير من قيادات الحزب ذات الباع الطويل في العمل السياسي والبرلماني وأساتذة الجامعات والأكاديميين والقضاة. في المقابل، تعتمد تدريبات "مستقبل وطن" الجارية حالياً في المحافظات على شخصيات غير معروفة وليس لها أي رصيد معرفي أو أكاديمي، بل إنّ معظمهم من خريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، الذي أطلقه السيسي عام 2015 والذين تلقوا تدريبهم في أكاديمية ناصر العسكرية وكلية إعداد القادة التابعة للجيش، ثمّ في الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب للقيادة، التي بات السيسي يعتمد عليها كـ"مفرخة" للقيادات الشابة والملتحقين الجدد بالوظائف المدنية والقضائية والرقابية.
وأوضحت المصادر أنّ كوادر حزب "مستقبل وطن" يدرسون في المحاضرات مناهج عن "حروب الجيلين الرابع والخامس" وطرق مكافحة الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة لمقدمات عن النظم السياسية والتشريع والعلاقات الخارجية والاستراتيجية، لافتةً إلى أنّ أفضل الكوادر التي سيتم اختيارها من ورش المحافظات ستحظى بفرصة الانضمام لأكاديمية الشباب في القاهرة، لينحصر الاختيار بين هؤلاء لاحقاً للترشّح للانتخابات المقبلة بمستوياتها المختلفة، على أن تكون الأولوية لمرشحي النواب ثم الشيوخ ثم المحليات.
اقــرأ أيضاً
وأشارت المصادر إلى أنّ السيدات يمثلن أكثر من 40 في المائة من إجمالي الذين يتلقون التدريبات، وذلك لمواكبة الزيادة الكبيرة في عدد المرشحات للانتخابات المقبلة، بعد التعديل الدستوري الذي يخصص ربع مقاعد مجلس النواب للمرأة.
وذكرت المصادر أنّ تمويل هذه الندوات يقع حتى الآن على عاتق رجال أعمال محليين يراهنون على إمكانية الاستفادة من الانتماء للحزب للترشّح في الانتخابات المقبلة، وبعضهم كانوا منتمين في وقت سابق لـ"الحزب الوطني". وقد تمّ تشكيل لجنة في الاستخبارات لتنسيق الأدوار بين رجال الأعمال المتبرعين للحزب، بحيث يتم تخصيص أموال بعضهم للإنفاق على التسويق للتعديلات الدستورية وتسيير قوافل الإمدادات الغذائية والطبية، فيما تخصص أموال البعض الآخر لتغطية نفقات الدورات والمعسكرات التدريبية.
وكانت "العربي الجديد" قد نشرت، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تقريراً عن حصول الحزب على الضوء الأخضر لقيادة عملية الحشد الجماهيري للتعديلات الدستورية لضمان استمرار السيسي رئيساً للجمهورية، وأداء دور أكبر في قيادة مجلس النواب المقبل، بعدما شهدت الأشهر الماضية تنافساً حزبياً على ثقة النظام، لا سيما بين "مستقبل وطن" و"الوفد" و"المؤتمر" وباقي أحزاب الأكثرية النيابية "دعم مصر". وقد عمد كل من هذه الأحزاب إلى تخصيص أكشاك لخدمة المواطنين في الأحياء الفقيرة، وتوظيف مئات الشباب المحليين لمساعدة النواب البرلمانيين، وإقامة دورات رياضية ومسابقات ثقافية وتحفيظ القرآن الكريم وغيرها من الفعاليات التي كادت تختفي في السنوات الأخيرة بسبب الضربات المتتالية التي تعرّضت لها الجمعيات الأهلية ذات الاتجاه الإسلامي بصفة عامة والتابعة أو المتعاونة مع جماعة "الإخوان المسلمين" بصفة خاصة، وذلك في إطار تعليمات حكومية بالعمل على ملء الفراغ الاجتماعي الذي خلفه البطش بتلك الجمعيات التي كانت الأقرب للمواطنين في المناطق المهمشة والريفية.
وكثّف النظام خطواته لتفعيل ظهير سياسي بدلاً من الاعتماد على الأجهزة وحدها بعد فشلها الذريع في حشد الجماهير وإقناعها بالمشاركة والتصويت لصالحه أو حتى إبطال أصواتها في الانتخابات الماضية التي أجريت في مارس/ آذار بنسبة مشاركة بلغت 41 في المائة، مقابل 47.5 في المائة في انتخابات 2014.
وسبق أن قال مصدر سياسي في حزب "مستقبل وطن" لـ"العربي الجديد"، إنّ انخفاض نسبة المشاركة في آخر انتخابات يرجع لعوامل عدة، أولها تعدد الحملات الشعبية وتنافسها على نيل ثقة إدارة الحملة الرئيسية، وثانيها تجاهل دور الأحزاب والاعتماد على مسؤوليها وعناصرها بصورة فردية وليست جماعية أو مؤسسية، والعامل الثالث هو تجاهل الشرطة تماماً في الإعداد للحملات رغم أنها الأكثر إدراكاً لطبيعة المناطق المختلفة اجتماعياً واقتصادياً والاعتماد عليها فقط من اليوم الثاني للاقتراع بعدما اتضح ضعف نسبة المشاركة في اليوم الأول.