أول قمة عربية-أوروبية: شواغل متباينة وحضور بن سلمان ممنوع

24 فبراير 2019
يريد النظام المصري توظيف القمة لصالحه (الأناضول)
+ الخط -
تبدأ، اليوم الأحد، في مدينة شرم الشيخ المصرية فعاليات القمة العربية الأوروبية الأولى، تحت شعار "الاستثمار في الاستقرار"، بمشاركة ملوك ورؤساء ورؤساء وزراء من 27 دولة أوروبية و21 دولة عربية، بينما يمثل دولة قطر مندوبها الدائم في جامعة الدول العربية إبراهيم السهلاوي بناء على قرار بخفض التمثيل رداً على كسر قواعد البروتوكول في إجراءات دعوتها إلى الحضور، إذ وجهت الخارجية المصرية الدعوة إلى السفارة اليونانية في الدوحة، بما يخالف الأعراف الدبلوماسية والمهنية.
ولم تكن المشاركة الأوروبية رفيعة المستوى في القمة، التي تختتم أعمالها غداً الإثنين، لتتحقق لولا ضمان الأوروبيين عدم حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس السوداني عمر البشير، فضلاً عن فرملة الاندفاعة العربية باتجاه رئيس النظام السوري بشار الأسد.وكان دبلوماسيون أوروبيون قد ربطوا مطلع الشهر الحالي بين عدم تأكيد عدد من أبرز المسؤولين حضورهم القمة وبين احتمال حضور بن سلمان والبشير. وقال أحد هؤلاء صراحة إن حرج الأوروبيين من الجلوس إلى طاولة واحدة مع ولي العهد السعودي والرئيس السوداني قد يعرقل القمة العربية الأوروبية. وجاء الموقف الأوروبي في ظل القناعة الغربية بتورط الأول في مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول، فيما يلاحق الثاني بصفته مطلوباً في جرائم حرب لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.



ويفسر هذا "الفيتو" الأوروبي على حضور بن سلمان الذي اعتاد تمثيل المملكة في الفعاليات العربية والدولية الرئيسية، اضطرار العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى المشاركة في القمة العربية الأوروبية وقيامه بأول زيارة خارجية منذ زيارته إلى روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2017 والتي اختار بعدها البقاء في المملكة بالتزامن مع حملة القمع غير المسبوقة التي قادها نجله ولي العهد محمد بن سلمان والتي طاولت أمراء ووزراء وكبار المسؤولين في الدولة بذريعة مكافحة الفساد في الوقت الذي كان يهدف فيه إلى تعزيز قبضته على الحكم. كما يشارك في القمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الوقت الذي تتحضر فيه الولايات المتحدة لإطلاق المرحلة الأولى من خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن". كذلك يحضر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر، فيما يغيب الرئيس اللبناني ميشال عون عن القمة كرد فعل على عدم حضور السيسي القمة العربية الاقتصادية في بيروت.
أما أبرز المشاركين الأوروبيين في قمة اليوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
ويتيح برنامج اليوم الأول من القمة ثلاث ساعات للقاءات الثنائية بين رؤساء الوفود، والتي تبدو الهدف الرئيس من حضور بعض الزعماء العرب والأوروبيين لإيصال وجهات النظر الخاصة لأكبر عدد من الوفود، أو الحصول على معلومات بشأن الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في بعض الدول، خصوصاً في الشرق الأوسط، أو حتى لمد جسور التواصل الغائبة في بعض القضايا الإقليمية. مع العلم أن الاجتماع التحضيري للقمة بين الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية دول عربية، والذي عُقد مطلع الشهر الحالي في بروكسل بهدف وضع جدول أعمال للقمة، كان انتهى من دون التوصل إلى بيان مشترك لعرضه على الملوك والرؤساء خلال القمة.
كما ظهر يومها الخلاف بوضوح بين الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقد في ختام الاجتماع. وعندما كانت موغيريني تشرح سبب عدم التوصل إلى اتفاق، قاطعها أبو الغيط قائلاً إن ثمة تعقيدات على الجانب الأوروبي أكثر من الجانب العربي، لترد موغيريني "سوف أقول عكس ذلك".
وفي السياق، قالت مصادر دبلوماسية تحدثت مع "العربي الجديد" إن رئيسة الوزراء البريطانية مهتمة أكثر من أي شيء بعقد جلسات ثنائية مع الزعماء الأوروبيين لمواصلة المفاوضات حول ملف "بريكست".
أما اهتمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فيبدو منصباً على التعرف إلى أفكار عربية مختلفة حول التعاون الاقتصادي والأمني في سبيل تبني مقاربة مختلفة لقضية اللاجئين التي باتت أهم ما يثقل كاهل حكومتها والأحزاب المتحالفة معها على الصعيد المحلي، وهي اهتمامات متشابهة مع ما يسعى إليه المستشار النمساوي ورئيس الوزراء الإيطالي، والاثنان يدفعان في اتجاه اختيار بلد عربي أو أكثر لتوطين اللاجئين في مجتمعات صغيرة مؤقتة أو دائمة يمولها الاتحاد الأوروبي.
وبحسب المصادر الدبلوماسية نفسها فإن "النقاشات في هذا السياق ستكون بمثابة مواصلة للمفاوضات الجارية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزعماء الاتحاد الأوروبي طوال الشهور الستة الماضية، والتي كان آخر حلقاتها أثناء حضوره مؤتمر ميونخ للأمن هذا الشهر". وأشارت إلى "اتفاق مساعي السيسي والزعماء الأوروبيين اليمينيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان (الذي يحضر القمة) على ضرورة تحمل الدول الكبرى كألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا والنمسا مسؤولية مساعدة الدول العربية على تجفيف منابع التشدد الديني وكذلك اللجوء، بضخ استثمارات في تلك الدول ومساعدة الأنظمة الحاكمة فيها على البقاء". واعتبرت المصادر أن تحديد عنوان القمة بـ"الاستثمار في الاستقرار" يصب في مصلحة التعبير عن رؤية السيسي وحلفائه العرب والأوروبيين للقضايا المختلفة.
ولم يتم تحديد موضوعات لجلسات المؤتمر حتى الآن، فيما رجحت المصادر المصرية أن تترك المساحة لكل رئيس وفد للحديث عن أهدافه من الحضور وشواغل حكومته حول قضايا الاستقرار الاقتصادي والأمني وتجديد الخطاب الديني واللاجئين والهجرة غير النظامية، وهي الموضوعات التي تحدث عنها معظم وزراء الخارجية في الاجتماع التحضيري للقمة ببروكسل من دون التمكن من التوصل إلى بيان مشترك بشأنها.
على الرغم من ذلك، أوضحت المصادر الدبلوماسية أن تنظيم المؤتمر بالنسبة إلى السيسي يحقق عدة أهداف؛ أولها إبراز نفسه كقائد له كلمته المسموعة في محيطه العربي بعد عدة سنوات من التحرك في فلك السعودية والإمارات، وثانيها تسويق رؤاه الشخصية لطريقة علاج القضايا الإقليمية والمحلية على الرأي العام العربي والعالمي. أما الهدف الثالث وهو الأهم أن يؤكد أمام الرأي العام المصري والعالمي أنه يحظى بدعم غربي وعربي غير محدود بغض النظر عن ممارسات نظامه السلطوية والمعادية للحريات الشخصية والعامة وحقوق الإنسان.
واستبعدت المصادر أن تشهد المحادثات نقاشاً حول قضايا حقوق الإنسان في مصر، خصوصاً ما يتعلق بظاهرة تزايد الإعدامات بعد محاكمات غير منصفة وتفتقر إلى معايير النزاهة والعدالة الدولية. في المقابل، رجحت المصادر أن يتحدث أكثر من زعيم أوروبي للصحافة الأجنبية خلال المؤتمر عن الآثار السلبية لتلك الممارسات على المدى الطويل، إذ حدد عدد من رؤساء الوفود مواعيد للحديث مع وسائل الإعلام غداً الإثنين أي خلال اليوم الثاني للمؤتمر
يذكر أن خلال شهر فبراير/ شباط الحالي نفذ النظام المصري حكم الإعدام في 15 سجيناً في قضايا جنائية ذات خلفية سياسية (اغتيال النائب العام، وقتل ضابط شرطة بكرداسة، وقتل نجل قاض في المنصورة) وينتمي معظمهم لجماعة الإخوان المسلمين المعارضة والتي نظم السيسي انقلاباً على حكمها للبلاد في يوليو/ تموز 2013. وتزامنت هذه الأحكام مع ثلاث مناسبات خارجية مهمة للسيسي هي على الترتيب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، ثم حضور الرئيس المصري فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن، وأخيراً استضافته القمة العربية الأوروبية. ويلاحظ أن النظام المصري تخلى عن الاستراتيجية القديمة التي كان يعتمدها بابتعاده عن إثارة الأزمات الحقوقية بالتزامن مع مثل تلك المناسبات المهمة، لتخفيف الضغوط الخارجية وتلافي الإحراج الدولي.
وسبق أن قال مصدر دبلوماسي في ديوان الخارجية المصرية إن السيسي بات يتعمد هذا التزامن لتأكيد أن سياساته "ماضية قدماً في طريق محدد وواضح لتكريس السلطة في يده فقط والقضاء على التنظيمات السياسية المعارضة والتقليل من أهمية الحديث عن حقوق الإنسان والحريات". وأشار المصدر نفسه إلى أن السيسي نجح بالفعل في الظهور بصورة "الديكتاتور الذي لا بديل له"، وأن الغرب يتعامل معه بهذه الطريقة، ويغض الطرف عن عشرات المشكلات مقابل الحفاظ على المصالح المشتركة اقتصادياً وأمنياً.