للمرة الأولى منذ حرب عام 1971، ترتفع وتيرة التصعيد بين الهند وباكستان بشكل مقلق. وما بدأ بشكل اعتداء من جماعة "جيش محمد" في 14 فبراير/شباط الحالي ضد القوات الهندية، في الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، تحوّل إلى صدام مباشر بين الجيشين الهندي والباكستاني، سواء على خطوط التماس في كشمير، أو جواً، عبر إسقاط طائرتين هنديتين، حسب ادّعاء باكستان، وطائرة حربية باكستانية وفق ادّعاء السلطات الهندية، بالإضافة إلى مقتل ستة مدنيين باكستانيين وإصابة 11 آخرين بنيران هندية. كما عُزّزت الحدود عسكرياً بين البلدين، مع استقطاب إسلام آباد قواتها من الحدود مع أفغانستان إلى الحدود مع الهند، بينما نقلت الهند من مدينة غواهاتي البعيدة، إلى مناطق قريبة من مراكز القتال. وتوقف العمل في المطارات المدنية في باكستان وفي الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه، كما ألغت شركات عدة، رحلاتها إلى باكستان "حتى إشعار آخر".
وعلى الرغم من التصعيد المتبادل، في ظلّ إيقاف الهند تدفق مياه نهر رافي أحد روافد نهر السند إلى باكستان، يوم الخميس الماضي، مؤكدة أنها ستبني سدّا عليه، إلا أن الطرفين تركا مجالاً للعودة إلى الحوار، وإن كان غير معلوماً بعد ماهيته وكيفية حصوله، فضلاً عن وقته، إلا أنه من المؤكد أنه سيتناول ملف الجماعات المسلّحة في كشمير، سواء أكانت "جيش محمد" أم "الجماعة الإسلامية"، المعاديتين للهند.
وأكد المتحدث باسم الجيش الباكستاني، آصف غفور، أن "إسلام أباد لا تريد المضي نحو حرب مع نيودلهي"، مضيفاً في مؤتمر صحافي في روالبيندي: "لا نريد التصعيد. لا نريد المضي نحو الحرب"، مشيراً إلى "توقيف طيارين هنديين واقتياد أحدهما إلى المستشفى". وأفاد بأن "الطائرتين أُسقطتا"، بعد أن قامت طائرات حربية باكستانية بخرق خط المراقبة، الفاصل بين شطري كشمير باتجاه الجانب الهندي في عرض قوة وقصفت أهدافاً غير عسكرية بينها مخازن مؤن. وأضاف غفور أن "الطائرتين الهنديتين خرقتا المجال الجوي لباكستان". وتواصل وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، موجّهاً رسالة يطلعه فيها على التطورات الميدانية، ومؤكداً أن "بلاده لا ترغب في التصعيد".
وسبق لكشمير أن شهدت اشتباكات متقطعة مساء الثلاثاء ـ الأربعاء، بعد أن بدأ تبادل إطلاق النار على الحدود بين الدولتين، واتهم كل طرف خصمه ببدء إطلاق النار، على وقع عمليات إجلاء للمدنيين من الطرفين، والاستنفار العسكري للدولتين.
في المقابل، ذكرت الهند أن "إحدى طائراتها المقاتلة من طراز ميغ -21 فُقدت، في اشتباك مع طائرات باكستانية في الشطر الهندي من كشمير وأن طيارها مفقود". وذكر المتحدث باسم الخارجية الهندية رافيش كومار، في مؤتمر صحافي مشترك مع المتحدث باسم سلاح الجو الهندي، أي جي كبور، أن "الطائرات الباكستانية دخلت إلى الأجواء الباكستانية لاستهداف مواقع هندية ولكن سلاح الجو الهندي تصدى لها". ولم يسمح المسؤولون الهنود خلال المؤتمر للإعلاميين أن يطرحوا أي سؤال، كما لم يتحدثوا حول موقف الحكومة والقوات المسلحة الهندية إزاء ما فعله سلاح الجو الباكستاني، غير أنهم شددوا أن ما فعلته الهند ضد الجماعات المسلحة المحظورة، وأن باكستان استهدفت منشآت عسكرية في الهند.
وكشفت تقارير إخبارية هندية أن "المطارات في الشطر الهندي من كشمير، في سريناغار وجامو وليه، أُغلقت أمام حركة المرور المدنية بعد وقت قصير من تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الهندية في المنطقة". وقالت الشرطة الهندية، إن "مسؤولين انتشلوا أربع جثث من حطام مروحية تابعة للقوات الجوية الهندية تحطمت في الشطر التابع لنيودلهي من كشمير". وذكر ضابط الشرطة، منير أحمد خان، أن "المروحية سقطت قرب أحد المطارات في منطقة بودغام على مشارف سريناغار".
بدورها، أكدت وزيرة الخارجية الهندية شوشما سواراج، خلال زيارتها إلى الصين، أمس الأربعاء، أنّ "بلادها لا تريد مزيداً من التصعيد مع باكستان بعد الغارات الجوية التي شنّتها مقاتلات هندية في الأراضي الباكستانية". وقالت الوزيرة إن "بلادها ضربت الثلاثاء هدفاً محدوداً هو معسكر تدريبي لجماعة جيش محمد. والهند لا تريد تصعيداً وستواصل التصرّف بمسؤولية وبضبط النفس". وحرصت سواراج على الإشارة إلى أنّ "الغارات التي شنّتها المقاتلات الهندية الثلاثاء في الأراضي الباكستانية لم تكن عملية عسكرية، لأنّها لم تستهدف منشآت عسكرية باكستانية". وأخذت الوزيرة الهندية على إسلام أباد "تجاهلها دعوات المجتمع الدولي لها للتحرك ضدّ جماعة جيش محمد".
بدورها، دافعت فرنسا عن "شرعية الهند في الدفاع عن نفسها"، بعد غارات نيودلهي الثلاثاء. وقالت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، إن "فرنسا تعترف بشرعية أنشطة الهند لضمان أمنها ضد الإرهاب العابر للحدود وتطالب باكستان بوقف أنشطة الجماعات الإرهابية الموجودة على أراضيها"، حسبما ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية. وأضافت المتحدثة: "ندين بأشدّ العبارات الهجوم المروّع الذي ارتُكب في 14 فبراير ضد قوات الأمن الهندية"، مؤكدة "التزام بلادها التي تقف إلى جانب الهند في الحرب ضد الإرهاب بجميع أشكاله". ودعات إلى "حشد المجتمع الدولي لمعاقبة الإرهابيين المسؤولين عن هذا الهجوم ومنع قنوات تمويلهم". كما طالبت فرنسا بمعية الاتحاد الأوروبي "الهند وباكستان رسمياً بضبط النفس لتجنب أي خطر من التصعيد العسكري والحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة".
بدوره، ركّز وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، حول التوتر بين باكستان والهند، على "أنّنا نشعر بقلق إزاء التوتر، وندعو الجهات كافّة إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة". وأكّد أنّ "تركيا ترغب دائماً في المساهمة بخفض التوتر بين باكستان والهند"، داعياً إلى "حلّ دبلوماسي للأزمة بين البلدين"، ومعلناً عن استعداد أنقرة "للوساطة من أجل التهدئة".