في هذا السياق، أفادت مصادر محلية بأن عناصر التنظيم في شرق الفرات يرفضون عروض الاستسلام، ويطلبون الحصول على ممر آمن باتجاه البادية السورية، الأمر الذي ترفضه قيادة التحالف. مع العلم أن نحو ألف منهم سلّموا أنفسهم لقوات قسد، بينما ما زال عدد غير محدد يرفضون الاستسلام. ويقدّر أن هناك بين 250 و300 عنصر محاصرون في المنطقة، لكن من المعتقد أن الآلاف نجحوا في الفرار إلى منطقة البادية غرب نهر الفرات، وتحصّنوا في منطقة جبل أبو رجمين الوعرة، في بادية تدمر، والتي يطلق عليها اسم "تورا بورا سورية".
وأفادت شبكات محلية بأن "عناصر التنظيم، فضلاً عن المدنيين، يدفعون مبالغ كبيرة تراوحت بين 1500 و3000 دولار أميركي للشخص الواحد لإخراجهم من الجيب الذي يسيطر عليه التنظيم، وفي بعض الأحيان تصل المبالغ إلى أكثر من 10 آلاف دولار للأجانب الراغبين في الخروج من الجيب، لإيصالهم عبر طرق التهريب إلى منطقة البصيرة بريف دير الزور، عبر طرق البادية".
وينطلق عناصر التنظيم من جنوب شرقي دير الزور قرب الحدود الإدارية مع محافظة حمص، لشنّ هجمات بين الحين والآخر على قوات النظام والمليشيات الإيرانية، في الطرق البرية التي تسلكها، بين تدمر والسخنة، وكذلك بين مدن دير الزور والميادين والبوكمال. وإضافة إلى هذا الوجود "القديم" للتنظيم في البادية السورية، بمعنى غير المتصل بالخروج من مناطق شرق الفرات، فقد ذكرت شبكات محلية أن "البادية الشامية في ريف دير الزور شهدت ظهوراً جديداً لعناصر داعش، مستهدفين في أولى عملياتهم مواقع قوات النظام على أطراف مدينة البوكمال وفي بادية الميادين".
ونقلت شبكة "فرات بوست" عن مصادر قولها إن "داعش شنّ هجمات عدة خلال الأيام الثلاثة الماضية، استهدفت مواقع متفرقة في بادية الشامية تتبع لسيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية"، مشيرة إلى أن "الهجمات تركّزت على حي الكتف ومنطقة البساتين في المحيط الشرقي من مدينة البوكمال، عقب تسلل داعش من منطقة الباغوز الفوقاني عبر نهر الفرات، إلا أن المليشيات الإيرانية أفشلت الهجوم. كما شاركت طائرات روسية في استهداف الضفة الشرقية من نهر الفرات أثناء هجوم التنظيم".
وأضافت المصادر أن "مجهولين، يرجّح أنهم خلايا تتبع لتنظيم داعش، شنّوا هجوماً على مواقع ونقاط حراسة تابعة لقوات النظام والقوات الإيرانية في باديتي بقرص والميادين بريف دير الزور يوم الأربعاء الماضي. ونتج عن الهجوم مقتل مجموعة عناصر من الإيرانيين".
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن "تسلل تلك المجموعات من مناطق سيطرتها في الباغوز الفوقاني نحو مناطق قوات النظام في مدينة البوكمال، استهدف محاولة اجتياز مناطق النظام والعبور إلى جيوبهم المنتشرة في البادية السورية، لكنهم أخفقوا في ذلك بعد معركة مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية بمساندة من الطيران الروسي، وإن كانت معلومات ذكرت أن مجموعات قليلة تمكنت من العبور نحو البادية، حيث شهدت المنطقة استنفاراً كبيراً وانتشاراً لعدد من الحواجز بحثاً عن هؤلاء العناصر".
وإضافة إلى بادية البوكمال، فقد شهدت منطقة تلول الصفا في بادية السويداء الشرقية، ظهوراً جديداً لخلايا تابعة لتنظيم "داعش" استهدفت نقاطاً تابعة لقوات النظام في المنطقة. وقد هاجم عناصر "داعش" في مطلع الشهر الحالي مواقع تابعة لقوات النظام في منطقة تلول الصفا بريف السويداء الشرقي، بعد أشهر من انسحابهم منها. ما خلّف قتلى وإصابات بين الطرفين. وهذا الهجوم هو الأول من نوعه منذ انسحاب "داعش" من المنطقة نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد حملة عسكرية لقوات النظام على المنطقة، ما أثار خوفاً كبيراً بين المدنيين في ريف السويداء الشرقي من تجدد هجمات التنظيم ضد بلداتهم.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن "خلايا التنظيم منتشرة في جروف عدة بتلول الصفا، إضافة إلى معلومات عن وجودها في مناطق وعرة من منطقة الكراع بريف السويداء الشمالي الشرقي"، مشيراً إلى أن "الحيرة ما زالت تعتري سكان محافظة السويداء إثر تبخر عناصر التنظيم من منطقة تلول الصفا الواقعة في بادية ريف دمشق على الحدود الإدارية مع بادية السويداء". وأضاف المرصد أن "إصرار مشايخ العقل على النأي بمحافظة السويداء عن الصراع العسكري للنظام والروس وحلفائهما، وضع المحافظة في مواجهة كاملة مع الروس والنظام بهدف إخضاعها لقرارات القوات الروسية، فالاجتماع الذي جرى بهدف إرسال نحو 30 ألف متخلف عن الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام التي كانت تتحضر لعملية إدلب العسكرية، تخلله رفض مشايخ العقل لهذه العروض. ما جعل المحافظة محل انتقام وتربّص من جانب قوات النظام التي تحاول ابتزازها بخطر تنظيم داعش".
وكان النظام قد نقل إلى أطراف المحافظة في نهاية شهر مايو/ أيار الماضي نحو ألف من مقاتلي "داعش" من جنوب دمشق، بعد صفقة لم يعلن عنها النظام، الذي قال وقتها إنه "تمكن من تحرير المنطقة من عناصر التنظيم". وتضمّنت الصفقة بحسب ما رشح آنذاك "عدم تفتيش حافلات عناصر التنظيم وتأمين شاحنات لنقل أمتعتهم برفقة الحافلات". وإثر ذلك، هاجم عناصر التنظيم بعض قرى المحافظة، فقُتل عشرات المدنيين والمسلحين واختُطف نحو 30 آخرين. كذلك أعدم التنظيم بعضهم وأفرج عن الباقين بعد أشهر من المفاوضات.
وفي إطار هذه الصفقات بين النظام و"داعش"، نُقل في سبتمبر/ أيلول الماضي، مئات من مقاتلي التنظيم من دير الزور إلى ريف محافظة إدلب شمال غربي سورية، بهدف إثارة القلاقل في المحافظة. وتُعتبر خلايا "داعش" في إدلب مسؤولة عن مقتل أكثر من 300 مدني ومقاتل في المحافظة. كما ظهر تعاون مكشوف بين الجانبين عام 2017 في ريف حماة الشرقي، بعد تمكين التنظيم من تشكيل جيب ضمن منطقة تحاصرها قوات النظام، بهدف مناوشة فصائل المعارضة في تلك المنطقة.
ومن تلك الصفقات أيضاً إجلاء عناصر التنظيم في عام 2016 من مدينة الضمير والقلمون الغربي إلى بادية دير الزور، وكذلك الصفقة بشأن تسليم "داعش" مدينة تدمر إلى قوات النظام، على الرغم من أن التنظيم سيطر عليها أكثر من مرة، بينما أثير جدل كبير بشأن الانسحابات المفاجئة منها لقوات النظام. وقال أحد المنشقين عن "داعش" إن "الاستلام والتسليم للمدينة بين الجانبين جاء في إطار سلسلة من صفقات التعاون تعود لأعوام خلت، وتتضمن صفقات لشراء النفط مقابل الأسمدة الزراعية وإخلاء بعض المناطق من قوات التنظيم قبل هجمات قوات النظام، وتهجير سكان المدينة، بهدف إحلال آخرين مكانهم".
كذلك تندرج في هذا الإطار موافقة النظام وحزب الله على نقل عناصر "داعش" في 26 أغسطس/ آب 2017 من جرود بلدة عرسال اللبنانية إلى دير الزور. كما اتهمت قوات "قسد" النظام السوري بإبرام صفقة مع تنظيم داعش في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تقضي بانسحاب عناصر التنظيم من مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، التي كانت تعد آخر معقل له، من دون مقاومة والتوجه إلى ريف دير الزور الشرقي، مع احتدام المعارك في حينها بين "قسد" و"داعش".