تواصل الفرق الأمنية في تونس بحثها في شأن الطرود البريدية التي تحوي مواد سامة، وتستهدف سياسيين ونوابا وشخصيات نقابية وإعلامية، بعد حجز 19 رسالة بريدية تمت إحالتها على المصالح الأمنية المختصة.
وشرح المتحدث باسم وزارة الداخلية سفيان الزعق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المواد السامة تنتقل عبر الاستنشاق واللمس وتناول الطعام دون غسل الأيدي، وهي قاتلة، مشدداً على وجوب الحذر، لأن الطرود قد تصل من قبل أصدقاء مقربين، ومن قبل أسماء قريبة جداً من الأشخاص المستهدفين، وهي الخطة التي اعتمدها الإرهابيون لإنجاح مخططهم.
ووصف الزعق العملية الأمنية بـ"الاستباقية والنوعية"، مؤكداً أن التحقيقات تتواصل للكشف عن مزيد من المعطيات حول هذا الملف، وأنه يجب إعلام مصالح وزارة الداخلية عن أي طرد مشبوه دون المبالغة في بعض المسائل، لأن الهدف ليس بث الذعر بل الانتباه.
بدوره، قال العقيد المتقاعد من الحرس الوطني والخبير الأمني، علي زرمدين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه بحسب المعطيات التي حصل عليها من مصادر وصفها بـ"الجديرة بالثقة"، فإن قائمة الشخصيات المستهدفة تضم الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، والأمين العام المساعد بوعلي المباركي، أما من بين الشخصيات الإعلامية، فنجد الإعلاميين محمد بوغلاب ونوفل الورتاني وميا القصوري وحمزة البلومي، مبيناً أن هؤلاء تمكنوا من صياغة مشهد إعلامي مميز، ولديهم مواقف مؤثرة في القطاع السمعي والبصري، وهو ربما ما يفسر عودة موجة التكفير التي طاولتهم أخيراً، واستهداف الإرهابيين شخصيات بعينها.
ورأى زرمدين أن أسلوب الطرود البريدية المسمومة يعتبر جديداً في تونس، حيث لم يسبق استخدامه سابقاً، رغم اعتماده من قبل الجماعات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة، حيث وجهت بعضها إلى رؤساء دول، وبالتالي فهو أسلوب مقتبس وليس مستحدثاً، معتبراً أن الإرهابيين في أي مكان من العالم لديهم العقيدة ذاتها، وتحركهم الأفكار ذاتها التي يحاولون تنفيذها في أي مكان.
ولفت العقيد المتقاعد إلى أن اكتشاف هذا الأمر من قبل السلطات الأمنية مهم جداً، مؤكداً أن عمليات البحث والتحقيق ستظهر معلومات هامة خلال الأيام المقبلة، خاصة في ما يتعلق بطريقة اكتشاف المخطط، داعياً إلى مساندة القوات الأمنية لتتمكن من أداء واجبها في حماية الوطن.
من جهته، أوضح الخبير العسكري والأمني، فيصل الشريف، أن الشكوك تحوم حول مجموعة إرهابية معينة تمّ حصر الشبهة فيها حالياً، وهي التي تولت تسميم الرسائل، في انتظار الكشف عن مزيد من المعطيات حولها ومن يقف وراءها، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الرسائل وردت من مناطق عدة، لكن الأهم ليس ذلك، بل الشخصيات المستهدفة، حيث يظهر وجود مخطط إرهابي لزعزعة الأمن والاستقرار.
وقال الشريف إن نوعية السموم القاتلة يمكن الحصول عليها من خلال مزج مواد سامة مختلفة، والتي تؤدي وظيفتها عبر اللمس والاستنشاق. وتابع أن هذه الرسائل ترد على شكل دعوة زواج أو لحضور مناسبة أو تهنئة، وهي عادة لا تثير الشكوك، لافتاً إلى أن تركيبة ومكونات المادة السامة لم تكشف بعد، لأنها تتطلب تحاليل خاصة.
وأفاد بأن استعمال الطرود المسمومة هو من الطرق الجديدة في تونس ولأول مرة تُستعمل من قبل المجموعات الإرهابية، ولكن في ظل اقتراب الاستحقاق الانتخابي تسعى المجموعات الإرهابية إلى زعزعة الأوضاع وابتكار طرق إرهابية في ظل تضييق الخناق حولها من جانب الشخصيات السياسية والنقابية والإعلامية، والتنوع في قائمة المستهدفين يدعو إلى الحذر واليقظة التامة.
يشار إلى أن وزارة الداخلية أكدت في بيان أنه "إثر توفر معلومات مفادها تخطيط مجموعة إرهابية لاستهداف بعض الشخصيات العامة عبر توجيه رسائل بريدية تحتوي على مواد سامة، تمكنت المصالح التابعة للإدارة العامة للأمن الوطني، من خلال عملية استباقية، وبعد التنسيق مع النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، من حجز 19 رسالة بريدية تمت إحالتها في الحين على المصالح الأمنية المختصة لإجراء الاختبارات الفنية اللازمة التي أكدت احتواءها على مواد سامة".
وتعهدت "الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظمة والماسة بسلامة التراب الوطني" التابعة للإدارة العامة للمصالح المختصة، بالبحث في هذه القضية للوقوف على ملابساتها والجهات التي تقف وراءها، واتخاذ كافة الإجراءات الأمنية والقضائية اللازمة في شأنها.