وظهرت الوحدة الجزائرية عبر التنسيق بين رئيس حزب "طلائع الحريات" ذي التوجه الليبرالي، علي بن فليس، مع أحد وجوه التيار الإخواني، رئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبد الله جاب الله، الذي سبق له أن أسس حركة "النهضة" عام 1989 قبل أن يطيح به رفاقه عام 1997، ليعود ويؤسس "حركة الإصلاح الوطني" التي اضطر أيضاً إلى مغادرتها. وكشف هذا التنسيق عن وعي لدى جزء واسع من القادة السياسيين بضرورة تجاوز الخلافات الأيديولوجية بين العلمانيين والإسلاميين على الأقل في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة. إذ كلما تم تأجيج هذا الخلاف العقائدي في أي بلد عربي حاول أن ينتقل من الاستبداد إلى الديمقراطية، شكّل ذلك ضربة قوية لمبدأ الوحدة الوطنية، وعمّق الشعور بتجزئة الوعي الجماعي. لكن على الرغم من أهمية هذا التقارب بين العلمانيين والإسلاميين الجزائريين، فإن بعض العلمانيين في تونس غير مطمئنين لذلك، ويعتقدون بأنه سيزيد من قوة حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية وفي مقدمتها حركة "النهضة" التونسية.
هذا الخوف المهيمن على بعض العلمانيين التونسيين يتقاطع أيضاً مع مخاوف لدى عدد من العلمانيين الفرنسيين. وهو ما دفع أستاذ علم الاجتماع والتاريخ الفرنسي بنجامان ستورا، إلى دعوة المثقفين الفرنسيين إلى "الوقوف إلى جانب الذين يناضلون من أجل الديمقراطية في الجزائر". وذكّرهم "بأنهم إن لم يفعلوا ذلك اليوم فإن الديناميكية الحالية يمكن أن تجعل الإسلاميين الجزائريين يحسمون المعركة لصالحهم".
تسعى الجزائر إلى بناء نظام سياسي جديد يقوم على الحرية والعدل والعدالة. وتؤكد رموز التيار الغالب في الحراك على خصوصية التجربة القائمة. في هذا السياق، اعتبر بن فليس أن "الجزائر مختلفة عن تونس وليبيا وسورية واليمن"، وكأنه يحاول بذلك إقناع العرب والعالم بأن ما حصل في دول الربيع العربي لن يتكرر في الجزائر.
يبقى السؤال: هل تخلص الجزائريون من آثار العشرية السوداء وتداعياتها التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وتركت وراءها جبالاً من الأحقاد؟ الطابع السلمي المذهل للحراك يؤكد ذلك، لكن الأيام والأسابيع المقبلة ستقدم الجواب المقنع لهذا السؤال. فحتى التنظيمات الارهابية الفاعلة داخل الجزائر لم تحاول أن تستغل الوضع الراهن لتقوم بأي عملية من شأنها أن تفسد هذا المشهد السلمي، وتعطي فرصة للنظام ليتخذ من عملياتها الدموية مبرراً لوضع حد للمسيرات، والعودة من جديد إلى سياسة إعطاء الأولوية لحماية الأمن القومي.
في آخر تصريح له، نصح رئيس حركة "النهضة" التونسية راشد الغنوشي، الجزائريين بالاستفادة من التجربة التونسية. ويأتي هذا التصريح ضمن مظاهر القلق التي تنتاب التونسيين من احتمال انهيار الحراك الجزائري، وما قد يترتب عنه من تداعيات خطيرة على تونس. فتجربة حركة "النهضة" ما بعد الثورة تشكل مرجعاً قوياً لغالبية التيارات الإسلامية في الجزائر التي تعاني من التشرذم والانقسام والتذبذب في اختياراتها، وتشكو بالخصوص من العجز عن التوحّد بين مكوناتها وفقدانها لأي برنامج سياسي صالح لإدارة الحكم. وعلى الرغم من أن عدداً من فلول "جبهة الإنقاذ الإسلامية" يحاول الاستفادة من المناخ الجديد ليستعيد عافيته ودوره، إلا أن الحالة الجزائرية اليوم أصبحت مختلفة كلياً عما كانت عليه في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات.
لهذا تُعتبر دعوة الداعية الإسلامي المقيم في تركيا وجدي غنيم، لتطبيق الشريعة في الجزائر، خارجة تماماً عن السياق، وهي صادرة عن شخصية لا تعرف الجزائر اليوم ولم تدرك التحولات الكبرى التي حصلت فيها. وبدل أن يسعى غنيم نحو دعم الجزائريين في معركتهم التاريخية من أجل الديمقراطية والتعايش، وأن يحترم أولوياتهم ومطالبهم الوطنية، دعاهم إلى المناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية والتصدي للتيارات العلمانية " الكافرة" وهو ما دفع بكثير من الجزائريين إلى الرد عليه بقوة.
في ضوء هذه التجاذبات، التي يشق جزء منها المجال السياسي الجزائري، والجزء الأكبر آتٍ من وراء الحدود وتقف وراءه أطراف متعددة، يحاول قادة الأحزاب ونشطاء المجتمع المدني القدامى والجدد حماية الحراك الاحتجاجي، ويبحثون عن قواسم مشتركة يمكن أن تؤسس لخطة مرحلية تكون قابلة للتنفيذ، تحول دون الاصطدام العنيف بين الشعب والجيش، والذي لن يستفيد منه سوى ما يسميه الجزائريون "قوى الثورة المضادة "، سواء من داخل السلطة أو الرافعة للسلاح في وجه الدولة.