شهد محيط مجلس النواب المصري، وعدد من الوزارات والسفارات الأجنبية، يوم الأربعاء، تشديدات أمنية واسعة النطاق، وانتشارا لقوات الأمن بالزي المدني في شوارع وسط القاهرة، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر "الحركة المدنية الديمقراطية" في مقر "الحزب المصري الديمقراطي"، بالقرب من ميدان التحرير، لإعلان موقف الحركة من تنظيم أول تظاهرة رسمية معارضة للتعديلات الدستورية المطروحة أمام البرلمان.
ورفعت الأجهزة الأمنية في العاصمة المصرية الاستعداد الأمني إلى الدرجة القصوى على مختلف القطاعات، خصوصاً في المناطق الحيوية، إلى جانب توسيع دائرة الاشتباه السياسي بعدد من المحافظات، واعتقال مجموعة من الناشطين الرافضين لتعديل الدستور بمحافظات الوجه البحري، على ضوء تضامنهم مع دعوات بعض القوى السياسية المطالبة برفض تعديل الدستور.
وأعلنت "الحركة المدنية الديمقراطية"، التي تضم ثمانية أحزاب معارضة، والعشرات من الشخصيات السياسية والعامة البارزة، إلغاء التظاهرة التي كانت مقررة أمام مجلس النواب، من الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الثانية ظهراً، غدا الخميس، بحجة عدم رد السلطات المختصة على الطلب المقدم من الحركة بتنظيمها -قبولاً أو رفضاً- إلى الآن.
وحسب مصادر أمنية، فإن وزارة الداخلية المصرية رفضت طلب القوى السياسية والحزبية، الذي تقدمت به رسمياً إلى قسم شرطة السيدة زينب بتنظيم الوقفة الاحتجاجية، والتي كانت ستنظم تحت شعار "لا لتعديل الدستور"، للمطالبة بإتاحة المناخ المناسب بتجميد مجلس النواب لحالة الطوارئ في غير حالات الإرهاب، وإصدار قانون بالعفو العام عن سجناء الرأي.
وشهد المؤتمر الصحافي للحركة حضور كل من المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، ورئيس حزب "التحالف الشعبي" مدحت الزاهد، ورئيس حزب "الإصلاح والتنمية" محمد أنور السادات، ورئيس "الحزب المصري الديمقراطي" فريد زهران، ورئيس حزب "تيار الكرامة" محمد سامي، والقيادي بحزب "الوفد" محمد عبد العليم داوود.
وقالت "الحركة المدنية الديمقراطية" إنه "منذ اللحظة الأولى للطرح الرسمي لمشروع تعديل الدستور، أعلنت رفضها الواضح والصريح لتلك التعديلات، انطلاقاً من أنها تعديلات غير دستورية، وستؤدي إلى تكريس الديكتاتورية وحكم الفرد الواحد، فضلاً عن أنها ستقضي على أي إمكانية لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة".
وأضافت الحركة، في بيان لها بشأن البيئة السياسية المحيطة بتعديل الدستور، أن "اقتراح تعديل الفقرة الأولى من المادة 140 من الدستور، والذي يسمح بزيادة المدة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنوات، هو اقتراح محظور دستورياً، وفق ما جاء بنص الفقرة الأخيرة من المادة 226 من الدستور القائم"، مؤكدة أن استحداث مادة في الدستور تحت اسم "مادة انتقالية" هو أمر لا يملك البرلمان صلاحية اقتراحه، حتى ولو بالإجماع.
وشددت الحركة على أن القواعد الدستورية أو حتى القانونية يجب أن تكون عامة ومجردة، وليست من أجل شخص معين، معتبرة أن تعديل النص الخاص باستقلال السلطة القضائية، يستهدف تمكين رئيس البلاد من السيطرة عليها بتعيين رؤسائها بشكل مباشر، وبعيداً عن جمعياتهم العمومية، والهيمنة الكاملة على تلك السلطة، وضرب مبدأ الفصل بين السلطات، وحماية استقلاها.
إقحام الجيش
واستطردت: "تعديل وضع القوات المسلحة في الدستور، بما يمكنها من التدخل في الحياة السياسية والمدنية، تحت عنوان حماية مدنية الدولة، هو إقحام للجيش في شؤون السياسة، وتشويش على أدائه لدوره الوطني في حماية البلاد من أي اعتداء خارجي".
وأوضحت الحركة أنها "سعت طوال الوقت إلى اتباع سياسة النفس الطويل الهادئ، والالتزام بالأساليب الديمقراطية، والعمل السياسي السلمي، والقبول بفتح القنوات للحوار مع جميع الأطراف المعنية والمسؤولة في الدولة لشرح رؤية الحركة، وكشف المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تنجم عن تلك التعديلات، في حال إقرارها رغماً عن إرادة الشعب".
غياب الضمانات
وذكرت الحركة أنها طالبت مراراً وتكراراً بـ"توفير البيئة السياسية الملائمة، والشروط والضمانات المطلوب توافرها لإجراء حوار مجتمعي حقيقي حول تلك التعديلات التي ستغير مصير ومستقبل البلد بالكامل، مجددة دعوتها بتجميد حالة الطوارئ طوال فترة مناقشة التعديلات، وحتى إجراء الاستفتاء، وإعلان نتائجه النهائية، ووقف حملات القبض والاعتقال، والإفراج عن المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا تتعلق بالاعتراض على تعديل الدستور، وغيرهم من المعارضين السياسيين السلميين".
كذلك طالبت الحركة بـ"إتاحة الفرص والمساحات المتساوية في وسائل الإعلام المختلفة للمعترضين على تعديل الدستور، لعرض وجهات نظرهم، ومخاطبة الشعب بحرية مثلما هو متاح للمؤيدين لتلك التعديلات، إلى جانب السماح بإدارة حوار مجتمعي حقيقي حول تلك التعديلات تشارك فيه الأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني، ونواب البرلمان، بحرية مع جمهورهم، ومع جميع المواطنين المصريين".
حملات القمع
وأشارت الحركة إلى أهمية "تمكين القوى السياسية من الوصول إلى الشعب بكافة الطرق، والأساليب الديمقراطية والسلمية، لإقناعهم بوجهة نظرهم، وشرح أسباب رفضهم لتلك التعديلات. وكذلك ضمان نزاهة عملية الاستفتاء ذاتها بتوفير إشراف قضائي كامل على كافة مراحلها، ومنع أجهزة الدولة التنفيذية من التدخل في عملية التصويت، أو إرهاب المواطنين، أو إجبارهم على التصويت على غير إرادتهم".
وواصلت الحركة في بيانها، قائلة: "إن استجابة السلطات الحاكمة جاءت مخيبة للآمال، ومصرة على اتباع منهج واحد، وهو القمع والتوسع في حملات القبض والاعتقال للمعترضين على سياسات العبث بالدستور، والمحاصرة الإعلامية، والتشويه، وتلفيق التهم للشباب، وادعاء انتمائهم لجماعات محظورة، ومحاولة التكميم الكامل للأفواه المعارضة".
انتهاك الدستور
وتمسكت الحركة بموقفها الرافض بكل حسم للتعديلات الدستورية المقترحة، مؤكدة أن مجرد طرحها يعد "انتهاكاً صريحاً للدستور، وتحدياً لإرادة الشعب، وضرباً للحريات والديمقراطية في مقتل، وهدماً لكيان الدولة المدنية، والتأسيس الصريح للديكتاتورية والاستبداد، ولحكم الفرد المطلق".
وطالبت الحركة بـ"الوقف الفوري للملاحقات الأمنية، وحملات القبض والاعتقال للمعارضين السياسيين الذين يمارسون حقهم في الاعتراض على التعديلات الدستورية بالطرق الديمقراطية، وباستخدام الأساليب السلمية، بالإضافة إلى الإفراج الفوري عن من سبق اعتقالهم من المعارضين السياسي المحتجزين في السجون من دون وجه حق".
بطلان التعديلات
وأكدت الحركة أن عدم توافر المناخ السياسي الملائم، وعدم توافر الشروط والضمانات المطلوبة لمناقشة التعديلات المقترحة للدستور بحرية، وباحترام كامل للدستور الحالي وللقانون، ولحقوق المواطنين في المشاركة الديمقراطية "يعني بطلان تلك العملية من أساسها، وبالتالي عدم مشروعيتها، وعدم مشروعية ما يترتب عليها من نتائج".
وختمت الحركة المعارضة، بالقول: "إنها تميل لاستجابة للرأي السائد بالمشاركة الإيجابية، والذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت برفض التعديل المقترح على الدستور القائم. في حين تترقب ما إذا كان المناخ والظروف المحيطة بعملية الاستفتاء ستسمح للشعب بالتعبير عن إرادته، ثقة منها بأن الأغلبية الكاسحة ستنحاز إلى اختيار الحرية والديمقراطية، ودولة المؤسسات، وترفض الديكتاتورية، والاستبداد، وحكم الفرد المطلق الذي تدعو وتكرسه له التعديلات".