أصدرت ست منظمات حقوقية مصرية، بيانًا مشتركًا أكدت فيه أن إجراءات تعديل الدستور المصري التي بدأت منذ فبراير/شباط الماضي تتم في مناخ قمعي سلطوي، قائم على مصادرة الرأي الآخر وتشويه وترهيب المعارضين بما في ذلك بعض أعضاء البرلمان.
وشددت المنظمات على أن مساعي تمرير التعديلات الدستورية عصفت بكافة الضمانات لعملية استفتاء تتسم بالحد الأدنى من النزاهة والحرية، مستنكرة كافة الإجراءات القمعية وغير النزيهة التي اتخذت بحق الرافضين للتعديلات أو الداعين لمقاطعة الاستفتاء عليها.
وطالبت المنظمات الموقعة، المنظمات الدولية المستقلة، ذات الخبرة في هذا المجال بمراقبة عملية الاستفتاء، بما في ذلك تقييم المناخ الذي طُرحت فيه التعديلات الدستورية للنقاش، وما يشهده من مصادرة للحق في نقاش أوجه التعديل وحجج معارضيه، وحملات التخوين والتشهير بأصحاب الأصوات المعارضة.
وقالت المنظمات إن السرعة والسرية اللتين تمت بهما التعديلات من أول طرحها في 2 فبراير/شباط من هذا العام حتى الموافقة عليها أمس وطرحها للاستفتاء بعد غدٍ، تؤكدان مساعي مسؤولين رفيعي المستوى بالدولة "على عدم خلق حالة حوار حول تأثير تلك التعديلات على مستقبل المصريين، وأن الإسراع من تلك التعديلات يجنب خلق رأي ضد تلك التعديلات، خصوصاً بعد الانتفاضات التي شهدتها السودان بسبب مساعي الرئيس المعزول عمر البشير تعديل الدستور للبقاء في السلطة للأبد". وأضاف البيان "خلال السنوات الست الماضية نجحت الدولة في السيطرة على كافة منافذ التعبير عن الرأي، وأحكمت قبضتها على المجال العام في مصر".
وحسب المنظمات الست "فقد صادرت الدولة المصرية الحق في التظاهر السلمي بالتشريع رقم 107 لسنة 2013، وأسرفت في استخدام قانون التجمهر الباطل رقم 10 لسنة 1914، مما أسفر عن موجة اعتقالات غير مبررة، بتهم الدعوة أو المشاركة في تجمهر غير قانوني وارتكاب جريمة التظاهر دون تصريح".
إحكام السيطرة على الإعلام بالترهيب
وأضافت في هذا السياق أن الدولة أحكمت سيطرتها على كافة وسائل الإعلام المحلية بالترهيب والتهديد للعاملين فيها، وإزاحة أصحاب الآراء المستقلة أو المعارضة، وذلك قبل أن تستحوذ الأجهزة الأمنية على معظم القنوات والصحف، تارة بشرائها وأخرى بالتحكم في هيكلها الإداري والمالي، هذا بالإضافة إلى سياسة الحجب والمصادرة، التي طاولت أكثر من 500 موقع إلكتروني حتى الآن، والمناخ الترهيبي الذي تعمل فيه منظمات المجتمع المدني، لاسيما الحقوقية ومنع قيادتها من السفر أو التصرف في أموالهم لشل حركتها".
وأضاف البيان أن الدولة المصرية "شلت كذلك حركة الأحزاب والحركات السياسية، وذلك بالقبض على القيادات (العليا أو الوسطى) في أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والدستور والكرامة والحركة الوطنية ومصر القوية وحزب العيش والحرية تحت التأسيس، على خلفية قائمة اتهامات واسعة، بداية من تأسيس جماعة على خلاف القانون مثل حزب العيش والحرية، وحتى وضع أعضائها على قوائم الإرهاب كما هو متبع مع رئيس ونائب رئيس حزب مصر القوية".
كما "أزاحت الدولة أي منافس محتمل للرئيس من خلال القبض على أغلب المرشحين المحتملين أمام الرئيس في الانتخابات الرئاسية السابقة 2018، والتي بسببها يقضي حالياً الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش السابق حكماً بالسجن 10 سنوات، و5 سنوات للمستشار هشام جنينة" حسب البيان.
وقالت المنظمات "يأتي المناخ الذي تتم فيه التعديلات الدستورية امتدادًا لهذا المناخ الترهيبي، فبعد يومين فقط من استلام علي عبد العال رئيس مجلس النواب مقترح التعديلات الدستورية بتوقيع من خُمس أعضاء البرلمان؛ وبمجرد أن أعلن عدد من الشخصيات العامة والأحزاب تأسيس اتحاد الدفاع عن الدستور كإطار شعبي ديمقراطي مفتوح لحماية الدستور والدفاع عنه بالطرق الديمقراطية السلمية، وجهت الأجهزة الأمنية ضرباتها لتشتيت التحالف وترهيب أعضائه، فألقت القبض على البرلماني السابق محمد محيي الدين، أحد مؤسسي اتحاد الدفاع عن الدستور وعضو الجمعية التأسيسية لوضع دستور 2012. إذ اقتحمت قوات الأمن منزله بالإسكندرية في 22 فبراير/شباط 2019، وما زال رهن الاحتجاز على خلفية القضية رقم 277 لسنة 2019 والمعروفة بـ (اللهم ثورة)".
وبحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثُل محيي الدين أمام النيابة دون حضور محاميه، ووجهت له النيابة تهمة تأسيس جماعة على خلاف القانون تعمل على منع مؤسسات الدولة من مباشرة عملها وتعطيل العمل بالدستور والقانون.
وفي اليوم نفسه ألقت قوات الأمن القبض على أربعة من حزب الدستور -الممثل في اتحاد الدفاع عن الدستور- من منازلهم على خلفية القضية نفسها. كما ألقت قوات الأمن القبض على أحمد محيي الدين الذي لجأ للاحتجاج السلمي منفردًا في ميدان التحرير رافعًا لافتة "ارحل يا سيسي،" معربًا عن رغبته في عدم استمرار الرئيس الحالي في الحكم عقب حادث قطار رمسيس الذي راح ضحيته 20 مواطنًا. وبعدما اختفى محيي الدين لعدة أيام، ظهر أمام النيابة متهمًا بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، ونشر أخبار كاذبة، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تكدير السلم العام، في القضية 1739 لسنة 2018 حصر أمن دولة.
وتابعت المنظمات "على الجانب الآخر، لجأت الحركة المدنية الديمقراطية إلى السبل المكفولة قانونًا لتسجيل اعتراضها على تلك التعديلات، فتقدمت بإخطار للجهات الأمنية للسماح لها بتنظيم مظاهرة سلمية نهاية مارس الماضي اعتراضًا على التعديلات الدستورية، عملاً بالشروط المفروضة على ممارسة حق التظاهر في القانون رقم 107 لسنة 2013، إلا أن- ورغم أن مظاهرات ومؤتمرات التأييد تنطلق دون تصاريح وبترحيب واسع- المحكمة المختصة رفضت الطلب بحجة عدم ملاءمة الظرف الأمني، وذلك بعدما تلقى بعض الداعين للتظاهرة -بينهم المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والإعلامي إبراهيم عيسى، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، تهديدات أمنية مباشرة بالحبس -حسب موقع "العربي الجديد"– مفادها "التعديلات الدستورية ستمُر مهما حدث، ولا فائدة من التعويل على الخارج، لأنهم غير رافضين لتلك التعديلات ومن الأصلح لكم ألا تعلنوا عن تظاهرات أو أي فعاليات تجعل من الصعب الإبقاء عليكم خارج السجن".
وصم المعارضين بالخيانة
وتابعت "هذا بالإضافة إلى وصْم المعارضين للتعديلات الدستورية بالخيانة، وتحريك بلاغات ضد بعضهم واتهامهم بنشر أخبار كاذبة والخيانة العظمى، والتحريض ضد الدولة المصرية والإساءة لها، الأمر الذي حدث مثلاً مع الفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا، إذ أوقفت نقابة المهن التمثيلية عضويتهما على خلفية مشاركتهما في اجتماعات مع أعضاء الكونغرس الأميركي للتعريف بوضعية حقوق الإنسان ومستقبل الديمقراطية في مصر".
وطالبت المنظمات الموقعة على البيان، المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية برصد وتقييم عملية الاستفتاء، الأمر الذي يتجاوز بالطبع إجراءات التصويت في أيام الاستفتاء، إلى تقييم المناخ العام الذي تتم في إطاره عملية التعديل ككل، من حرمان للأشخاص من أبسط حقوقهم في التعبير عن رفضهم للتعديلات دون أن يزج بهم في السجون، وتكبيل تام للإعلام الذي يغرد منفردًا يوميًا في قضايا لا تمت للاستفتاء بصلة، مرورًا بتقييد عمل المنظمات الحقوقية المصرية المستقلة ومن ثم عرقلة دورها كرقيب على عملية الاستفتاء.
المنظمات الموقعة هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وكومتي فور ﭼستس، ومبادرة الحرية، ومركز النديم، مركز بلادي للحقوق والحريات.