ورغم توجيه تهم الفساد لعدد كبير من الساسة والمسؤولين، إلا أن القضاء لم يحاكم أياً منهم لغاية الآن، وانتقل الملف تدريجياً، إلى خانة التراشق الإعلامي واستعراض للشعارات بين القوى السياسية المختلفة.
والخميس الماضي، أصدر المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، وهو أحدث تشكيل تم إعلانه لمحاربة الفساد والخامس من نوعه في العراق ويترأسه عادل عبد المهدي، قراراً دعا فيه الجهات والأشخاص "بغض النظر عن مسمياتهم وصفاتهم الوظيفية بتقديم الأدلة على الاتهامات التي تُساق بحق المسؤولين الحكوميين في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي".
وشدد على تسليمها إلى "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد خلال مدة أسبوعين، وبخلافه يحتفظ المجلس باتخاذ الإجراءات القانونية بحق مُطلِقي الاتهامات".
وتقدر الجهات الرقابية كمية الأموال التي فقدها العراق جراء عمليات الفساد بأكثر من 450 مليار دولار، من أصل 900 مليار دولار حصل عليها العراق من عمليات بيع النفط خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، لكن هناك من يؤكد أن الرقم أعلى بكثير بسبب المنح الدولية التي سُلّمت للعراق بعد عام 2003 وتبلغ عشرات المليارات من الدولارات إضافة الى عوائد أخرى حصل عليها العراق غير تلك المتحصلة من النفط.
خطوة "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد" قوبلت بانتقادات شديدة بين الأوساط العراقية.
وعبّر النائب محمد شياع السوداني، عن استغرابه للقرار، مؤكداً في بيان صحافي، أنّ "المنهاج الوزاري للحكومة تضمن التصدي للاستعمال الخاطئ لحرية التعبير عن الرأي وكان يفترض أن يتقدم التزام الحكومة بضمان الحريات وعدم تقييدها".
وأضاف "واليوم يزداد استغرابي أكثر عندما يقرر المجلس الأعلى لمكافحة الفساد تحديد مهلة لكاشفي الفساد لتقديم الأدلة وبخلافه يتم محاسبتهم، في حين أنّ الأصل هو تشجيع كاشفي الفساد والمبلغين عنه ودعمهم".
الانتقادات لخطوة المجلس لم تقف عند هذا الحد، بل أنّها فتحت الباب أمام تقييم عمل المجلس نفسه وإنجازاته.
النائب ناجي إدريس، أكّد أنّ "عمل المجلس لم يسجل أي خطوة لردع وحسم ملفات الفساد"، مبيناً في تصريح صحافي، أنّ "الغرض من تأسيس المجلس هو تقليل ظاهرة الفساد المتفشية في مؤسسات الدولة ودوائرها، من خلال البحث والتحري وليس انتظار الملفات".
ودعا إلى "إيجاد حلول للقضاء على هذه الآفة عبر خطوات رادعة وحاسمة، وهذا الشيء لم نشاهده حتى الآن لا من المجلس ولا من غيره".
البرلمان من جهته، بدأ حراكاً لإعادة فتح قانون العفو العام، الذي أقرّ قبل ثلاث سنوات في البرلمان، على اعتبار أنّه أنقذ متورطين بالفساد".
وقال النائب عن تحالف البناء، حسن شاكر، إنّ "قانون العفو العام الذي أقرّه البرلمان السابق سمح للكثير من الفاسدين بالهروب خارج العراق، والتنصل عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق المال العام، وما ألحقوا من ضرر بالدولة نتيجة ذلك، دون محاسبتهم".
وأشار إلى أنّ "الكثير من فقرات هذا القانون تتطلب تعديلاً خاصة ما يتعلق بسارقي المال العام والفاسدين"، مؤكداً أنّ "لجنة النزاهة البرلمانية تعمل على إيجاد صيغة لتعديل القانون بالتعاون مع اللجنة القانونية".
وعدّ قرار المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، وحراك إعادة تعديل قانون العفو العام تخبطاً، وتهرباً من المسؤولية التي تقع على عاتقي السلطتين التنفيذية والتشريعية بمواجهة الفساد.
وقال الخبير في الشأن العراقي، عدنان عمران، إنّ "التوجهين يعبران عن فشل ذريع بمواجهة الفساد، حيث أنّ المجلس والبرلمان يحاولان اتخاذ إجراء معين على اعتبار أنهم يحاربون ويتابعون هذا الملف"، مبيناً أنّ "فتح الأوراق القديمة كقانون العفو العام هو كذر الرماد في العيون، حيث أنّ قانون العفو العام أقر في الدورة السابقة ولا يمكن فتحه في الدورة الحالية".
وأشار إلى أنّ "غالبية الجهات السياسية في الحكومة الحالية والبرلمان الحالي استفادوا من القانون في حينه، وحموا فاسدين يتبعون أحزابهم أو كتلهم السياسية أو مافيات تابعة لهم".
يشار إلى أن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، الذي يضمّ مسؤولين ومختصين برئاسة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، يعدّ الجهاز الرقابي التنفيذي الرابع المعني بمكافحة الفساد، بعد هيئة النزاهة، ديوان الرقابة المالية، ومكاتب المفتشين العموميين في الوزارات، يضاف إلى ذلك الرقابة التي يمارسها مجلس النواب كجهة تشريعية رقابية.