واستبق زيلينسكي مراسم تنصيبه بتصريحات شديدة اللهجة في ملف القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، واعداً أول من أمس السبت، في يوم ذكرى الإبادة الجماعية بحق شعب تتار القرم في 18 مايو/ أيار عام 1944، بتحرير التتار من "الاحتلال"، قائلاً إنه "حتى الليلة الأكثر ظلاماً تنتهي بالفجر".
أمّا الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته بترو بوروشنكو، فوجّه عشية تسليمه مهماته الرئاسة مجموعة من النصائح إلى خليفته، بما فيها مواصلة التوجه نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي والترويج لتشديد العقوبات الغربية على موسكو. وفي هذا السياق، استبعد المحلّل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني ألكسندر تشالينكو، احتمال حصول أي تغييرات جوهرية في العلاقات الروسية الأوكرانية في عهد زيلينسكي، مرجحاً أن يقتصر التطبيع على بعض الملفات، مثل استئناف حركة الطيران والإفراج عن الأسرى.
وقال تشالينكو في حديث مع "العربي الجديد": "يجب أن نتذكّر أنّ زيلينسكي ليس سياسياً محترفاً، بل ممثل ساخر انتخب على سبيل المزحة، بعد أن استعان به الملياردير إيغور كولومويسكي كمرشح تقني، لتوجيه انتقادات إلى خصمه بوروشنكو، ومساعدة رئيسة حزب "باتكيفشينا" (الوطن)، رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشنكو، في الفوز. لكن مع تشبع السكان من النخب السياسية، صوّت الناخبون لصالح زيلينسكي أو بالأحرى للبطل الشعبي في مسلسل "خادم الشعب".
وحول احتمال حدوث أي تغييرات جذرية في السياستين الداخلية والخارجية لأوكرانيا بعد تنصيب زيلينسكي، رأى تشالينكو أنه "لن تحدث أي تغييرات هامّة، لأن كولومويسكي غير معني بالإصلاحات، وإنما باسترداد مصرفه (بريفات بنك)، الذي سبق تأميمه في عهد بوروشنكو". أما الغرب وفق المحلل نفسه، "فلن يسمح بالتوصل إلى حلول وسطى مع روسيا، كما أنّ الاتحاد الأوروبي لم يعد مهتماً بأوكرانيا كبلد لترانزيت الغاز الروسي، في ظلّ التقدّم في إحراز مشروع السيل الشمالي-2، لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا مباشرة".
ومع ذلك، لا يستبعد تشالينكو احتمال التطبيع الروسي الأوكراني المحدود، قائلاً: "قد يشهد حكم زيلينسكي استئنافاً لحركة الطيران المباشر بين البلدين، وتحقيق بعض البنود لاتفاقات مينسك للتسوية في دونباس، والسماح للفنانين الروس بدخول أوكرانيا، والإفراج عن الأسرى...".
إلى جانب العلاقات مع روسيا، سيواجه زيلينسكي مجموعة من التحديات الداخلية، وفي مقدمتها إنجاح حزبه "خادم الشعب" في الانتخابات التشريعية المقرّر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وذلك حتى يكون حاكماً فعلياً للبلاد، في ظلّ نظام الحكم المختلط (برلماني - رئاسي) في أوكرانيا.
وعلى الرغم من أنّ زيلينسكي وجّه انتقادات متكررة إلى الرادا العليا، وألمح إلى إمكانية حلّ هذه المؤسسة، إلا أنّ انقسام الائتلاف الحاكم الذي كان يضم "كتلة بترو بوروشنكو" و"الجبهة الشعبية" عشية تنصيبه، يحول دون ذلك في ظلّ منح الدستور الأوكراني مهلة 30 يوماً لتشكيل ائتلاف جديد. وبعد انقضاء تلك المدة، لن يتمكن زيلينسكي من حلّ البرلمان، نظراً لبقاء أقل من ستة أشهر على انتهاء صلاحياته بحلول ذلك الوقت.
وفي هذا الإطار، اعتبر تشالينكو أنّ حلّ الرادا العليا وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة كان سيزيد من فرص نجاح حزب زيلينسكي، موضحاً أنه "في الوقت الحالي، كان بإمكان كتلة خادم الشعب الحصول على نحو 40 في المائة من المقاعد في الرادا، لكن مع بدء موسم التدفئة في الخريف المقبل، ستؤدي زيادة تعريفات الصيانة المنزلية إلى استياء السكان". ولفت إلى أنه "لن يتمكن زيلينسكي من اختيار رئيس الوزراء بنفسه ما لم يحقق حزبه نجاحاً في الانتخابات البرلمانية".
ومع اقتراب موعد تنصيب زيلينسكي، توالت الاستقالات بين كبار المسؤولين الأوكرانيين، بمن فيهم وزير الخارجية بافيل كليمكين، الذي أعلن عزمه هو وفريقه، خوض سباق الانتخابات التشريعية، ما ينذر بمزيد من المنافسة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.
يذكر أنّ زيلينسكي البالغ من العمر 41 عاماً، حقّق فوزاً كاسحاً بجولة الإعادة بانتخابات الرئاسة الأوكرانية في 21 إبريل/ نيسان الماضي، وذلك بحصوله على 73 في المائة من أصوات الناخبين، مقابل 25 في المائة فقط لبوروشنكو، فيما يعدّ أكبر فوز باستحقاق رئاسي في تاريخ أوكرانيا ما بعد السوفييتية.