وفي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، مساء الأربعاء، قدّمت خلالها تقريرها الـ17 حول الوضع في ليبيا، أكدت بنسودا أنّ مكتبها "مستمر في جمع المعلومات وتقييم الحالة في ما إذا كان قد تم ارتكاب جرائم حرب في ليبيا، وذلك بموجب سلطة المحكمة الجنائية الدولية".
وأكدت أنّ مكتبها يولي "أهمية قصوى" للتطورات الأخيرة المتعلّقة بالنزاع المسلح حول طرابلس وداخلها، المستمر منذ شهر تقريباً.
وأعلنت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في 4 إبريل/نيسان الماضي، إطلاق عملية عسكرية لاقتحام العاصمة طرابلس، بينما ردّت حكومة "الوفاق" المعترف بها دولياً، بإطلاق عملية "بركان الغضب"، لوقف أي اعتداء على العاصمة.
وأشارت بنسودا إلى التقارير التي تؤكد مقتل 432 شخصاً؛ من بينهم 23 مدنياً على الأقل، ونزوح أكثر من خمسين ألف شخص، نتيجة الاقتتال في العاصمة الليبية، معربة عن مخاوف كذلك في ما يتعلّق بسلامة اللاجئين والمهجرين المحتجزين في مناطق قريبة من النزاع.
وشددت بنسودا مجدداً على ضرورة "احترام والتزام كل أطراف النزاع المسلح في ليبيا بقواعد القانون الدولي"، داعية مختلف الأطراف إلى "اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين والبنية الأساسية بما فيها المدارس والمستشفيات ومراكز الاحتجاز".
وعن محاكمة وتسليم سيف الإسلام القذافي للجنائية الدولية، قالت بنسودا إنّ "المحكمة الدولية رفضت الطعن الذي تقدّم به سيف الإسلام القذافي، والذي قال إنّ قضيته لا قبول لها لأنّه تمت محاكمته في ليبيا بنفس الجرائم التي زُعم ارتكابه إياها".
وأوضحت مدعية المحكمة الجنائية الدولية أنّ "الدائرة التمهيدية وجدت أنّه لم تتم محاكمة القذافي في ليبيا بموجب المواد ذات الصلة من نظام روما الأساسي، وطبقاً للقانون الوطني الليبي، بما أنّه تمت إدانته غيابياً من قبل محكمة الجنايات في طرابلس، وبعد توقيفه يجب أن تبدأ محاكمته مرة أخرى، وعلى هذا لم يصدر حكم نهائي في المداولات المحلية ضده".
ولفتت بنسودا إلى أنّ "الحكم الذي صدر بحق القذافي لم يصل إلى درجة الحكم النهائي"، مؤكدة أنّ "ليبيا مسؤولة عن تسليمه للمحكمة الدولية، وهناك مذكرات توقيف بحق مشتبه بهم آخرين؛ من بينهم التهامي محمد خالد، ومحمود الورفلي".
وحذرت من أنّ "التقاعس عن تسليم الأشخاص الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف، يمكن أن يسبب ضرراً حقيقياً وهذا واضح بحالة الورفلي. بالرغم من مذكرة التوقيف التي صدرت بحقه عن جرائم الحرب المتعلقة بقتل 33 شخصاً يبقى الورفلي حراً طليقاً، ويزعم أنّه ارتكب جريمة أخرى بحق عشرة أشخاص آخرين، بعد خمسة أشهر من إصدار مذكرة التوقيف".
ولفتت إلى أنّ "الورفلي ما زال داخل ليبيا ولم يعتقل، ولا يوجد دليل على أنّه حوكم في ليبيا أو تمت ملاحقته من قادته في الجيش الوطني الليبي".
وأشار إلى أنّ "التهامي محمد خالد، الرئيس السابق لوكالة الأمن الداخلي الليبية، والمتهم بجرائم متعلقة بالاحتجاز غير الشرعي والاضطهاد والتعذيب للمعارضين السياسيين لمعمر القذافي، هو مطلوب منذ عام 2013.
وأعربت عن أسفها لأنّ "المشتبه بهم الثلاثة ما زالوا طلقاء"، منبّهة إلى أنّ "الفشل بتوقيفهم يرسل رسالة للضحايا مفادها بأنّه يمكن للمجرمين أن يفلتوا من العدالة، وأن يستمروا في ارتكاب الجرائم دون عقاب. وهذا يردع الشهود ويمنعهم من التقدم بشهادتهم كما يقوّض احترام سيادة القانون"، مشددة على أنّ "الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر".
ثم جددت نداءها لتعاون الدول في مسألة توقيف ونقل المتهمين أمام المحكمة الدولية، وطلبت من مجلس الأمن تأييد ذلك "بالتعبير الواضح والصريح عن موقفه".
وأضافت أنّ "المهاجرين يمثّلون كذلك مجموعة هشة في ليبيا، وهناك تقارير عن جرائم ترتكب ضدهم"، مؤكدة أنّ "هناك دلائل تشير إلى أنّه لا تزال هناك جرائم ترتكب ضد المهاجرين، بما فيها السجن غير القانوني والاغتصاب والاسترقاق والتعذيب، في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية"، كاشفة أنّ "الدلائل تشير إلى تورّط أشخاص ومليشيات وأطراف تابعين للدولة في تهريب المهاجرين والاتجار بهم، في أماكن كثيرة في ليبيا".
من جهته، أكد مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة المهدي صالح المجربي، في كلمة نيابة عن وزير خارجية ليبيا محمد سيالة، أنّ "حكومة الوفاق الوطني طلبت من مجلس الأمن برسالة موجهة له في 10 إبريل/ نيسان الماضي، ورسالة أخرى موجهة لبنسودا، التحقيق بشأن الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد المدنيين، والبنية التحتية لمدينة طرابلس وضواحيها، والتحقيق في تورّط عدد من الدول بمساعدة حفتر في هجومه على العاصمة".
وتساءل السفير الليبي "ما إذا كانت جميع الدول الحاضرة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملتزمة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن، فيما يتعلّق بالحالة الليبية التي تهدد السلم والأمن الدوليين".
وأكد المحربي أنّ "تحقيق العدالة على جميع الأراضي الليبية هو اختصاص سيادي وولاية قضائية وطنية، ومع ذلك فإنّ هذا لا يعني عدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بل تنظر السلطة القضائية الليبية إلى عمل المحكمة في هذا السياق على أنّه عمل مع شريك يكرس روح التعاون والتكامل بين القضاء الوطني والمحكمة الجنائية الدولية".
وعزا السفير الليبي حالة البطء في ملاحقة بعض المتهمين من قبل المحكمة، إلى الوضع الأمني الذي تعيشه ليبيا، مشيراً إلى أنّ "أشخاصاً من بين المطلوبين للقضاء الوطني والمحكمة الجنائية الدولية، غير موجودين في ليبيا ويعيشون في دول أخرى".
كما تحدّث في الجلسة، عدد من مندوبي الدول؛ تحديدا بريطانيا وألمانيا والكويت، معربين عن دعمهم لعمل المحكمة الجنائية الدولية.
وشدد عدد منهم على ضرورة وقف إطلاق النار في طرابلس، وبحث هدنة إنسانية لإنقاذ النازحين، داعين إلى الالتزام بقواعد القانون الإنساني الدولي، وضمان عودة النازحين إلى مناطق آمنة، وإيجاد حل للمهاجرين غير الاحتجاز، مشددين أيضاً على ضرورة استمرار المحكمة في جهودها لتقديم الأشخاص المطلوبين للعدالة.