ركزت أعمال اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر "القدس: تحديات الواقع وإمكانات المواجهة"، والذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالشراكة مع الجامعة الأردنية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، في العاصمة الأردنية عمّان، في الجلسات الصباحية، على استهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي للمقدسيين.
وشدد المشاركون على أهمية دعم صمود سكان مدينة القدس، في مواجهة محاولات دولة الاحتلال المستمرة في تهويد المدينة، وتفريغها من سكانها العرب، والمحاولات الإسرائيلية المستمرة لخلق واقع ديمغرافي على الأرض يُشرعن وجود الاحتلال.
وتحت عنوان "الاستعمار الإحلالي وسياسته الديمغرافية والعمرانية"، تناول باحثون، على مدى جلستين، هذه القضية الشائكة المتعلقة بالإنسان الفلسطيني وصراع الديمغرافيا، الذي يعتبره أستاذ التخطيط الحضري في قسم الجغرافيا ودراسات البيئة في جامعة حيفا راسم خمايسي "لب الصراع الفلسطيني – الصهيوني"، على اعتبار أن "جدلية العلاقة بين الديموغرافيا والجغرافيا والديمقراطية تشكل جزءًا من مركبات قوة الدولة والمجتمع؛ متأثرة بها، ومؤثرة فيها".
وأوضح أن إمكانية التغلب الديموغرافي لطرف على آخر، أي تغلب مطلق فلسطيني أو إسرائيلي، غير واردةـ إلا في حالات حرب يمارس فيها تطهير عرقي أو حيزي. مشيراً إلى أن هذا التطهير الديموغرافي صعب حصوله في الواقع الفلسطيني والإسرائيلي والعالمي المشهود والمنظور، ما يدفع إلى زيادة احتمال تطوير قناعات وأفكار تسويات جيوسياسية من منطلقات ديموغرافية.
من جهته، أوضح الباحث أشرف بدر، عبر "سكايب"، بعد أن حالت دولة الاحتلال دون حضوره المؤتمر، أن التعداد السكاني يُعتبر أداة للتحكم والضبط والسيطرة، ووسيلة أساسية لـ"البيوسلطة"، وأنه يعتبر من الممارسات التي يتقاطع فيها "العلم" مع السلطة السياسية.
وأشار بدر إلى دور التعداد السكاني في تشظية المجتمع الفلسطيني وترسيخ التقسيمات الاستعمارية، مضيفًا أنه وسيلة لتمثيل سلطة الدولة وأداة لممارسة دورها، معتبرًا أن التعداد السكاني في القدس أداة مهمة لبسط السلطات الاستعمارية لسيطرتها، إضافة إلى استخدامه أداةً للتشظية وترسيخ التقسيمات الاستعمارية، علاوة على توظيفه في النزاع الديموغرافي القائم في فلسطين والقدس بصفة خاصة.
وقال مؤسس هيئة "أكاديميون في خدمة التنمية في فلسطين"، شاهر العالول: "يواجه المقدسيون صعوبات عديدة في حياتهم اليومية ناتجة من سياسة الاحتلال، ومن إجراءاته اليومية الهادفة إلى تضييق الخناق على المقدسيين؛ إذ تتبع سلطات الاحتلال على مر السنوات سياسات متقلبة ومتغيرة بصورة حادة في التعامل مع المقدسيين، وتغير إجراءاتها وسياساتها، من دون نقاش عام أو حتى نشر علني عن هذا التغيير في السياسة".
وبيّن أن "حياة المقدسيين أصبحت صعبة، وتواجهها مخاطر كثيرة عبر سحب حق الإقامة، مشيرًا إلى أن "الاحتلال يعمل على خلق واقع ديموغرافي وجغرافي يحبط أي محاولة مستقبلية لزعزعة سيادة سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس".
وفي الجلسة الثانية، وتحت العنوان ذاته، قال أستاذ التاريخ المساعد في جامعة إسطنبول عبد الله معروف عمر (عبر سكايب)، إن تطور النظرة الصهيونية لموضوع تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، مع التركيز على المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى، أصبحت في الفترة الأخيرة تمثل نقطةً مفصليةً في مشروع السيطرة وفرض السيادة على المدينة.
وأضاف "تدرس أصول نظرية السيطرة على المسجد من الناحية الدينية تحضيرًا لظهور المسيح المخلص (المشيح) بحسب الاعتقاد اليهودي، وتطور الرؤية اليهودية لموضوع الدخول إلى المسجد الأقصى من المنع المطلق إلى محاولة التقسيم عموديًا، أو أفقيًا، كمقدمة للسيطرة عليه".
وتطرق المحاضر في جامعة القدس المفتوحة علي موسى إلى دور جدار الفصل العنصري في تجيير الصراع الديموغرافي الفلسطيني - الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة لمصلحة الإسرائيليين، مشيرًا إلى مصادرة "حرية التنقل بين مواطني مدينة القدس ومواطني الضفة، ومراعاة تلك الحقوق التي تكفلها قوانين وأنظمة الهيئات الدولية التي لا تعيرها إسرائيل أي أهمية".
وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم جميع الوسائل والسبل لتبقى أعداد اليهود أكثر من أعداد العرب في مدينة القدس، وأن قوة التأثير السلبي لجدار الفصل العنصري تتمثل بمنع تواصل أبناء الأسرة المقدسية الواحدة، وفصل العائلات الفلسطينية بعضها عن بعض.
وفي الجلسة الثالثة لليوم الثاني من المؤتمر، وتحت عنوان "سياسات المحو الثقافي"، قال الأستاذ المحاضر في كلية الحقوق محمد سمصار إن "ثيولوجيا الإبادة التي يحملها الكيان الصهيوني للهوية المقدسية، والتي تجسدت في ممارسات شاذة بغطاء أخلاقي، استهدفت المكان والزمان والإنسان في مدنية القدس".
وأضاف أن "الإبادة الهوياتية في القدس مستدامة، أي أنها تحدث بصورة هادئة؛ كفعل واعٍ وليست ردة فعل مضطربة، هي علنية أمام المجتمع الدولي، ومستمرة؛ لا تحمل سقفًا زمنيًا، وتمارس بشكل منظم".
بدورها، تناولت الباحثة جاودة منصور في ورقتها قضية الغابات التي عملت إسرائيل على تشجيرها في القدس، لافتة إلى أن الحكومة الإسرائيلية "احتاجت إلى دليل مادي يربط المشهد التوراتي مع فلسطين، فكان لا بد من الغابات لربط مخيلة اليهود بأسطورتهم التوراتية".
وأضافت أنه بينما يحتدم النقاش في عصرنا الحالي على المنصات العلمية، وتتسابق الحكومات وعلماء البيئة والجيولوجيا لإثبات تقدمهم العلمي والتقني في تدخلات وسياسات الحد من تغيرات المناخ، تحاول دولة الكيان الصهيوني بدورها، مع علماء البيئة الصهيونيين، إثبات تقدمهم وتميزهم في هذا المجال؛ بحيث يُظهرون أنفسهم نموذجًا عالميًا لمن (جعل الصحراء تزهر)، لكن واقع الحال في المشاهد الطبيعية والثقافية في مدينة القدس ومحيطها، يظهر محاولات سلخ المدينة المقدسة عن واقعها الفلسطيني"، طارحة الآثار السلبية، مثلًا، لمشهد الجدار العازل الخراساني على الفلسطينيين الذي حجب المشهد الطبيعي للبلاد وغلّفة باللون الرمادي.