دخلت موريتانيا، اليوم الجمعة، مرحلة الصمت الانتخابي، بعد أن رمى المرشحون الستة آخر أوراقهم الانتخابية في سباق محموم على كرسي الرئاسة خلفاً للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، الذي حكم البلاد لولايتين متواليتين، وسط اتهامات متبادلة بينهم، قبيل التصويت في الانتخابات، غداً السبت.
واختتم أربعة مرشحين حملاتهم من العاصمة نواكشوط، فيما اختار اثنان اختتامها من العاصمة الاقتصادية نواذيبو شمالي البلاد.
وشهدت نواكشوط ليل الخميس- الجمعة، أكبر تجمعين انتخابيين منذ انطلاق حملة الرئاسيات، فالموريتانيون مدعوون للاقتراع يوم غد السبت 22 يونيو/حزيران الجاري.
وتميزت مهرجانات المرشحين خلال ختام الحملات الدعائية بإلقاء خطابات أمام مناصريهم ركزت هذه المرة على تبادل الاتهامات لمحاولة كسب المزيد من النقاط أثناء الصمت الانتخابي، اليوم الجمعة، قبل يوم التصويت غداً السبت.
وتطايرت وعود المرشحين الأساسيين، بينما حجّ آلاف من سكان العاصمة نواكشوط إلى التجمعين الانتخابيين اللذين نظمهما كل من مرشح الأغلبية محمد ولد الغزواني، ومرشح المعارضة سيدي محمد ولد بوبكر.
ففيما اختار الأول، إقامة تجمعه الانتخابي في منطقة المطار القديم، على مساحة واسعة، عمد سيدي ولد بوبكر إلى مركزة تجمعه في قلب نواكشوط، في ملعب شيخا ولد بيديا. ورمى كل مرشح ما لديه من وعود انتخابية، بعد أن بدأ العد العكسي استعداداً لاقتراع السبت.
وواكب "العربي الجديد" التجمعين الاثنين، وبدا إصرار المواطنين الذين استطلع الموقع آراءهم على الانتصار لأحد المرشحين، مما يؤكد أنّ خط الرجعة لم يعد موضع نقاش بالنسبة لمن خرج في تجمعات نواكشوط ليلة أمس.
تجمع مرشح الأغلبية محمد ولد الغزواني
دافع محمد ولد الغزواني، المدعوم من نظام الرئيس المنتهية ولايته، في تجمعه في أرض المطار القديم، عن برنامجه الانتخابي، حاملاً في الوقت نفسه على منافسيه، الذين اعتبرهم "يروجون للأوهام"، داعياً في الوقت نفسه إلى العمل "من أجل أن تكون موريتانيا للجميع"، ومتحدثاً عن العدالة الاجتماعية التي يبشر بها برنامجه الانتخابي.
وحضر آلاف من مناصري ولد الغزواني إلى فضاء مفتوح في المطار القديم، وبرزت عينات لا تخطئها العين من صفوة المجتمع النواكشوطي الغني، وهو ما يعتبر إشارة واضحة إلى خيار الطبقة العليا في المجتمع لدعم مرشح الأغلبية الحكومية.
واتهم الغزواني منافسيه بأنّهم "لم يقدموا للشعب الموريتاني سوى خطابات جوفاء لا تعدو كونها كلاماً فارغاً ومليئاً بالمغالطات، وأن الشعب لن يستمع لتلك الخطابات التي لا تساهم في بناء البلد وتنميته"، عكس الخطط والبرامج التي تقدم بها للناخبين و"التي من شأنها أن تدفع بعجلة التنمية وتحافظ على الإنجازات التي تمت خلال عشر سنوات من النظام الحالي"، على حد قوله.
كما اتهم الغزواني منافسيه بـ"السعي لتصفية الحسابات، وانتهاج الكراهية والتلاعب بمستقبل البلد وأمنه واستقراره"، مضيفاً أنّ "هناك من بين المرشحين من سبق له أن عمل في الأنظمة السابقة ولم يأتِ بجديد ولم يعط أي أهمية لطموحات الشعب وآماله".
وتعهد الغزواني بالعمل على ضمان الأمن والاستقرار والعيش الكريم للشعب، مشدداً على أنه يقدّر كل الجهود التي بذلت في هذا المجال في خدمة البلاد خلال فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز.
تجمع مرشح المعارضة سيدي محمد ولد بوبكر
من جهته، حظي مرشح المعارضة سيدي محمد ولد بوبكر باستقبال حاشد من أنصاره، وقدّرهم مصدر من المنظمين، بأكثر من 20 ألفاً من المواطنات والمواطنين من سكان نواكشوط، مؤكداً أنّ هؤلاء قد جاؤوا إلى التجمّع طواعيةً وعن قناعة ببرنامج ولد بوبكر، معتبراً أنّ ذلك نقطة قوة مرشحه، التي ترفع أسهمه عالياً للظفر بالمنصب الرئاسي.
واتهم ولد بوبكر النظام الحاكم بـ"سوء التسيير والثراء غير المبرر الذي أثقل كاهل البلد، وأتى على اليابس والأخضر"، مشدداً على أنّ "أجواء الحملات الدعائية أشعرت النظام الحاكم ومرشحه بالهزيمة"، معتبراً أن ّ"شعور النظام ومرشحه بالهزيمة دفع الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز لخوض حملة دعائية لصالح مرشحه وصديقه المقرب (محمد ولد الغزواني)".
ووصف ولد بوبكر فترة حكم النظام الحالي بأنّها فترة "بيع عرفت المتاجرة بكل شيء"، مطالباً أنصاره بالوقوف صفاً واحداً "لمنع محاولات تزوير الانتخابات الرئاسية وشراء ذمم الناخبين التي يسعى النظام ومرشحه للعمل عليها منذ فترة"، بحسب قوله.
واعتبر ولد بوبكر دعوة الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز بشكل صريح للتصويت للمرشح محمد ولد الغزواني بأنّها "مؤسفة وتتنافى مع الديمقراطية"، مطالباً ولد عبد العزيز بالتوقف الفوري عن التدخل في مجريات العملية الانتخابية بموريتانيا.
كما ركّز في كلمته على عرض الخطوط العريضة لبرنامجه، الذي اعتبره تعاقداً بينه وبين ناخبيه، في المرحلة المقبلة، إذا ما حالفه الحظ في الوصول إلى القصر الرئاسي، ومن بينها "إبعاد الجيش عن السياسة وقصر مهمته على الدفاع عن الوطن، وجعل القضاء مستقلا ونزيها، والتأسيس لعقد اجتماعي مبني على القيم الإسلامية ومقتضيات العدالة الاجتماعية".
وأكد "ضرورة وحدة الموريتانيين مهما كانت انتماءاتهم السياسية من أجل استعادة كرامتهم وعزتهم"، وأشار إلى أنّ "ذلك لن يتحقق إلا بإعادة توزيع الثروة بصورة عادلة، وإصلاح التعليم وتشغيل الشباب".
وقالت سيدة من أنصار ولد بوبكر، لـ"العربي الجديد"، إنّها ستصوّت له لأنه يستحق، بينما اعتبر آخر أنّ خطابه قريب من الفئات الاجتماعية المتضررة ومن الطبقات المسحوقة في المجتمع الموريتاني، متعدد الأعراق والثقافات.
تجمعات أخرى
بدوره، المرشح بيرام ولد أعبيدي، اتهم الرئيس المنتهية ولايته ومرشحه للرئاسة بـ"الفشل في إقناع الشعب الموريتاني بالتصويت لهما خلال الحملة الدعائية"، مشدداً على أنّهما "أفلسا البلد وأتيا على خيراته دون أن يهتما بالواقع المزري للشعب وحاجته للإصلاح والتسيير الشفاف لممتلكاته".
وطالب ولد أعبيدي الشعب بـ"اليقظة والتصويت بكثافة يوم الاقتراع ضد خيارات الرئيس المنتهية ولايته ومرشحه، والدفع بالبلاد نحو التغيير السلمي عبر صناديق الاقتراع ومنح توريث السلطة لصديق الرئيس ورفيق دربه".
وقال ولد أعبيدي إنّ أركان النظام ومرشحه "يتحملون مسؤولية ما ينجر عن أي محاولة لتزوير إرادة الناخبين ومحاولة تغيير النتائج لصالحهم"، محذراً من خطورة التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم السبت.
وركز المرشحون الثلاثة الآخرون، وهم؛ الزعيم اليساري محمد ولد مولود، والمرتجي ولد الوافي، أصغر المترشحين للانتخابات، وحاميدو بابا مرشح ائتلاف "التعايش المشترك"، خلال اختتام حملاتهم الدعائية، على تجديد الالتزام بالتعهدات التي أطلقوها خلال الحملة الدعائية.
وفي المهرجانات الجماهيرية التي عقدوها خلال الجولات داخل محافظات ومدن البلاد، وعد هؤلاء بتطبيق برامجهم الانتخابية بالكامل، ومنح الشعب المزيد من الحرية والأمن والاستقرار والتقدّم الاقتصادي، في حال تم انتخابهم لتولي الرئاسة.
هدوء ما قبل الانتخابات
قبل منتصف الليل، كانت نواكشوط تستعيد هدوءها مجدداً، بعد أسبوعين من الحملات الكثيفة التي كانت تستمر إلى آخر الليل، في حين بدأت ملصقات المرشحين تختفي من الواجهات والساحات العامة.
يقول أحد الشباب لـ"العربي الجديد": "الليلة سأنام بشكل جيد، لقد عانيت خلال الفترة الماضية من الضجيج الذي كان يمنعني من النوم، خصوصاً أنّ بيتي يوجد في منطقة تتمركز فيها السهرات الانتخابية".
على جانب آخر، انهمك العمال في إزالة الخيم الانتخابية، التي تحوّلت خلال 15 يوماً الماضية إلى فترات للسمر حتى مطلع الفجر، لتكون الكلمة للناخبين في فجر 22 يونيو/حزيران حين سيمكنهم تقرير مستقبل موريتانيا.