715 رخصة بناء للفلسطينيين و6000 للغزاة: ضم سافر لأراضي الضفة

القدس المحتلة

نضال محمد وتد

نضال محمد وتد
01 اغسطس 2019
E8E12E9D-3799-4BCE-A9C2-7A1FA0580EAA
+ الخط -

لم يمر وقت طويل حتى انقشع الغبار عن حقيقة ودوافع الطنطنة الإسرائيلية حول موافقة المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت" في حكومة الاحتلال، مساء أمس الأول الثلاثاء، على منح 715 تصريحاً للبناء الفلسطيني في المنطقة "سي" من الضفة الغربية المحتلة. فقد اختفت خلال أقل من 24 ساعة الضجة التي أثارها اليمين الاستيطاني، مع بث أول خبر عن الموضوع مساء الأحد، وسارع أعتى ممثلي اليمين الاستيطاني في الحكومة، بتسليئيل سموطريتش، ورافي بيرتس، للانضمام إلى مقترح منح هذه التصاريح للبناء والتصويت عليها، بعدما حصلا على تطمينات من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كشفت حقيقة الدوافع وراء هذه الخطوة.
وتبيّن، خلال أقل من 24 ساعة، أن الهدف الأساسي من وراء هذا الإعلان، هو امتصاص ومنع أي رد فعل مناهض لحقيقة إقرار مواصلة بناء وإتمام تشييد وتسويق 6000 وحدة سكنية للمستوطنين في الضفة الغربية، داخل المنطقة "سي"، الخاضعة أمنياً ومدنياً بحسب اتفاق أوسلو لدولة الاحتلال.

وسارع نتنياهو، أمس، لإشراك متابعيه على "فيسبوك" بتفاصيل جولة له في مستوطنة إفرات الواقعة في جنوبي مدينة بيت لحم، في قلب مستوطنات غوش عتصيون، توّجها بإعلان القرار ببناء 1000 وحدة سكنية في إفرات مع التأكيد "أنه لن يتم اقتلاع أي مستوطنة أو مستوطن إسرائيلي"، مضيفاً وهو يوجّه الحديث لرئيس مستوطنة إفرات: "ما تقومون به هنا يبقى للأبد"، في إشارة واضحة إلى نوايا الاحتلال وسياسة نتنياهو لسد الطريق نهائياً أمام حل الدولتين، مستفيداً من الدعم الأميركي غير المحدود.

وإذا كان نتنياهو قد توقف عند العبارة أعلاه، فقد فسر بتسليئيل سموطريتش، الوزير في حكومة الاحتلال عن حزب الاتحاد القومي، وأحد أبرز مقدّمي مقترحات قوانين لفرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة "سي"، في منشور له على "فيسبوك"، أن قرار الكابينت الأمني والسياسي الإسرائيلي: "يشكّل تحولاً مهماً يحول دون تحقيق الحلم العربي بإقامة دولة إرهاب".
سموطريتش، الذي يطالب منذ ولاية الحكومة السابقة بإعلان ضم المنطقة "سي" لإسرائيل رسمياً وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها، أضاف: "إن هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها دولة إسرائيل خطة استراتيجية لمنع إقامة الدولة الفلسطينية في قلب البلاد".

وردد سموطريتش في منشوره ادعاءات المستوطنين بأن "كل من يتجوّل في الميدان في السنوات الأخيرة، يرى بعيون الحسرة الاحتلال الزاحف للعرب مقابل تقريباً صفر من الجهد والعمل من قبل الإدارة المدنية (الذراع التنفيذي للاحتلال في الضفة الغربية المحتلة) مقابل مطاردتها لكل بيت متنقل أو بيت صفيح من حركة الاستيطان الإسرائيلية. للمرة الأولى تقوم دولة بوضع رزمة من الأدوات التي تمكّن فرضاً حقيقياً للقوة المستخدمة لإحباط خطط السيطرة الفلسطينية".


وإذا كانت تصريحات سموطريتش لا تؤخذ عادة مأخذ الجد، أو كتصريحات تعبّر عن نتنياهو وحزبه، فقد انضم وزير التعاون الإقليمي في حكومة نتنياهو، تساحي هنغبي، المسؤول عموماً عن الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلى تصريحات سموطريتش، مبيناً أن قرار الكابينت السياسي والأمني الإسرائيلي يأتي لخدمة المصالح الأمنية والاستراتيجية لحكومة إسرائيل، وإبقاء السيطرة على أراضي المنطقة "سي" بقبضة إسرائيل.
ولم ينفِ هنغبي أن إقرار بناء 715 وحدة سكنية فلسطينية يمكّن دولة الاحتلال من مواصلة سياسة الهدم في الضفة الغربية. وقال هنغبي في مقابلة مع الإذاعة العسكرية "غالي تساهل"، إنه إلى جانب الهدم الكبير لفترات طويلة ينبغي أحياناً أيضاً إعطاء تصاريح للبناء لأننا المسؤولون عن إدارة الأمور.

وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن القرار الذي اتخذه الكابينت الإسرائيلي، يتزامن مع وصول المبعوث الأميركي جاريد كوشنر، أمس الأربعاء، إلى إسرائيل، كمحطة أولى في جولة له في المنطقة يجري خلالها محادثات في كل من الأردن ومصر والسعودية.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن كوشنر يحمل مقترحاً سيجد الزعماء العرب صعوبة برفضه، وهو عقد مؤتمر للسلام ينظّم تحت رعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منتجع كامب ديفيد. وبحسب الصحيفة، فإن المبادر لهذه الفكرة والقائم عليها هو السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، رون دريمر، بالتنسيق مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، في سياق المعركة الانتخابية، وكدعم أميركي لنتنياهو.
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن قرار الكابينت الإسرائيلي، مساء الثلاثاء، بالمصادقة على بناء 715 وحدة سكنية للفلسطينيين، هدف إلى تسهيل مهمة كوشنر بإقناع الزعماء العرب بالمشاركة في المؤتمر. ومن المقرر أن يجري كوشنر محادثات مع نتنياهو، ثم ينتقل إلى دول عربية مجاورة لإجراء مباحثات في كل من الأردن ومصر والسعودية وقطر والإمارات.

ولفتت الصحيفة الإسرائيلية، نقلاً عن مصادر في واشنطن، إلى أنه من المقرر ألا يشارك نتنياهو في لقاءات كامب ديفيد المقترحة، وأن ترامب سيعرض خلالها خطته من دون الخوض في تفاصيل ملزمة، مثل إقراره مثلاً بتأييد قيام كيان فلسطيني ولكن من دون استخدام تعبير دولة، والإقرار بحق فلسطيني في القدس ولكن ليس عاصمة فلسطينية في القدس. وتوقعت الصحيفة أن يرفض الطرف الفلسطيني المقترحات الأميركية المنتظرة، فيما سيشيد نتنياهو بها مع إبداء تحفّظات كثيرة عليها.
وأكدت "يديعوت أحرونوت" أنه في حال انعقاد القمة المقترحة في كامب ديفيد، فسيساعد ذلك نتنياهو في المعركة الانتخابية، والإظهار بأنه زعيم مقبول على المستوى الدولي والعربي، وهو ما من شأنه أن يخفف من معارضة حزبي "كاحول لفان" و"العمل" للانضمام لحكومة وحدة وطنية.

ومع أن التوقيت لإعلان قرار الكابينت الإسرائيلي بشأن تصاريح البناء للفلسطينيين، يبدو متزامناً مع الانتخابات الإسرائيلية، وفي سياق منافسة نتنياهو لأحزاب اليمين على أصواتهم، مع تراجع قوة "الليكود"، وفق الاستطلاعات، من 35 مقعداً في انتخابات التاسع من إبريل/ نيسان الماضي إلى 30 مقعداً، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الإعلان اتّبع بإعلان نتنياهو بناء 1000 وحدة سكنية لمستوطنة إفرات التي يعيش فيها 10 آلاف مستوطن فقط، وإكمال بناء 6000 وحدة في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية، بما يكشف عن تصعيد ومرحلة جديدة في مشروع الاستيطان الإسرائيلي، من دون أي تردد أو اعتبار لرد الفعل الدولي، ناهيك عن تجاهل مطبق لأي رد فعل فلسطيني أياً كان.

ويمثّل قرار الكابينت عملياً تطبيقاً لسلسلة خطوات سابقة في السنوات الثلاث الأخيرة، وتحديداً منذ الانتخابات الأميركية الأخيرة ونجاح ترامب، وهو ما تجلّى أولاً بتحوّل نتنياهو من معارضة قانون تسوية الاستيطان، المعروف بقانون شرعنة المستوطنات والبؤر الاستيطانية المقامة على أراضٍ بملكية فلسطينية، إذ كان من معارضي القانون عند طرحه أول مرة عام 2012، وحال دون طرحه والتصويت عليه لسنوات عدة، إلى تأييد القانون بعدما قُدّمت صيغة معدلة منه على يد عضو الكنيست من "الليكود" يوآف كيش وبتسليئيل سموطريتش في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وصولاً إلى إقرار القانون بالقراءات الثلاث والنهائية، على الرغم من معارضة المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، وإقراره بأن القانون ليس دستورياً.

ويتصل التحوّل في موقف نتنياهو أيضا ليس فقط بتغيير هوية الإدارة الأميركية، وإنما أيضاً بتطورات داخل معسكر اليمين في إسرائيل، وتنامي نفوذ معسكر اليمين الديني الصهيوني الذي يمثّله بشكل أساسي اليوم تحالف أحزاب اليمين الديني الاستيطاني. ويضم هذا التحالف الذي بات يطلق عليه اليوم "اتحاد اليمين"، أحزاب: البيت اليهودي (المفدال تاريخياً) والاتحاد القومي، واليمين الجديد.

وساهم هذا التنامي في نفوذ هذه الأحزاب، في تمكّن وزيرة القضاء السابقة أيليت شاكيد، التي تتزعم في الانتخابات الحالية قائمة اتحاد اليمين، من تنفيذ "ثورة" قضائية في كل ما يتعلق بمكانة المحاكم، ولا سيما صلاحيات محكمة العدل العليا الإسرائيلية في بحث الالتماسات الفلسطينية بشأن البؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون على أراضٍ خاصة. فقد مررت الحكومة الإسرائيلية والكنيست الإسرائيلي في 17 يوليو/ تموز 2018 تعديلاً قانونياً مهماً، وسنّت قانوناً تحت مسمى قانون المحاكم للشؤون الإدارية، يوقف الوضع الذي ساد حتى ذلك الوقت، وكان بمقدور الفلسطينيين، كأفراد أو عبر مجالس قروية، وجمعيات حقوقية إسرائيلية، التوجّه مباشرة للمحكمة العليا للمطالبة بهدم هذه البؤر الاستيطانية والبيوت المقامة على أراض بملكية فلسطينية خاصة، وبدلاً من ذلك إلزام الفلسطينيين بتقديم التماساتهم أولاً أمام المحكمة اللوائية في القدس.

وإذا لم يكن هذان القانونان كافيان لإحكام شرعنة البؤر الاستيطانية وعمليات السيطرة على الأراضي الخاصة بالقوة، فقد أصدر القاضي الإسرائيلي سليم جبران، قاضي المحكمة العليا، في آخر قرار قضائي له، قبل خروجه للتقاعد، قراراً قضائياً غير مسبوق يمنح المستوطنين مكانة "قانونية شرعية"، على الرغم من أن مجرد فعل الاستيطان يناقض القانون الدولي. ففي قرار أصدرته المحكمة العليا، بتاريخ 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، اعتبر جبران أن المستوطنين في الأراضي الفلسطينية هم جزء من السكان المحليين، وأنه يجوز استخدام أراض فلسطينية معرّفة "كأملاك غائبين" خاصة لصالح عموم المستوطنين.

ذات صلة

الصورة

سياسة

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الاثنين، بلدة عزون شرقي قلقيلية في الضفة الغربية المحتلة، وسط انتشار عسكري كثيف
الصورة
قناة السويس من جهة الإسماعيلية، 10 يناير 2024 (سيد حسن/Getty)

سياسة

دعت جهات مصرية إلى منع مرور السفن الحربية الإسرائيلية في قناة السويس بعد توثيق مشاهد عبور سفينة حربية إسرائيلية فيها أخيراً، وسط غضب شعبي مصري.
الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.