لا يبدو أن الوضع في شمال غربي سورية يتجه إلى الهدوء قريباً. ففيما استأنفت قوات النظام، أمس الثلاثاء، عمليات القصف على ريفي حماة وإدلب، كانت فصائل مقاتلة في ريف اللاذقية الشمالي تباغت قوات النظام، ومليشيات تابعة لها، بهجوم أمس، أدى في ساعاته الأولى إلى تقهقر هذه القوات في العديد من المواقع.
وبدأت تنظيمات تدور في فلك "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، منضوية في غرفة عمليات تحمل اسم "وحرض المؤمنين"، أمس الثلاثاء، معركة جديدة في ريف اللاذقية الشمالي، هدفها السيطرة على مواقع جديدة في جبل التركمان الاستراتيجي، وإبعاد قوات النظام عنها. وقالت مصادر محلية إن "اشتباكات عنيفة، وقصفاً متبادلاً، بدأت في محاور تلة أبو علي وتل زاهية في جبل التركمان، بالإضافة إلى محور القلعة والزيتونة"، بينما أكدت غرفة عمليات "وحرض المؤمنين"، في بيان، أنها "كسرت خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام" خلال هجوم على مواقعه في محور جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي.
من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن اشتباكات عنيفة تدور على محاور في جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، مشيراً إلى أن الاشتباكات "تتركز على محور تلة أبو علي ومحاور أخرى في المنطقة. كما تستهدف المجموعات الجهادية مواقع قوات النظام بعشرات القذائف الصاروخية، فيما قصفت قوات النظام محاور القلعة والزيتونة في جبل التركمان". وأفاد "المرصد" بمقتل مسلحين من طرفي القتال في "المعارك العنيفة وعمليات التمهيد المدفعي"، مشيراً إلى ورود معلومات "عن تمكّن مجموعات جهادية من أسر عناصر لقوات النظام في جبل التركمان". كما ذكرت مصادر إعلامية معارضة أن الفصائل المقاتلة في ريف اللاذقية الشمالي أسرت ثلاثة أفراد من قوات النظام، بينهم ضابط برتبة ملازم أول، مشيرة إلى سقوط نحو 25 عنصراً من هذه القوات بين قتيل وجريح في الاشتباكات التي من المتوقع اتساع نطاقها.
ولطالما كانت قوات النظام المبادرة في الهجوم على الفصائل في ريف اللاذقية الشمالي المتمركزة في تلة الكبانة الاستراتيجية، لكن الفصائل المقاتلة في ريف اللاذقية الشمالي كسرت هذه القاعدة وشنّت الهجوم المباغت، الذي كما يبدو أربك قوات النظام وشتت شملها في أكثر من موقع في جبل التركمان. ومن الواضح أن الفصائل تحاول فرض طوق حماية في مناطق النظام لحماية مواقعها في جبل الأكراد. وفشلت قوات النظام عشرات المرات، خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، في تحقيق اختراق في جبهة ريف اللاذقية الشمالي، وتكبّدت خسائر فادحة أجبرتها على السكون في مواقعها.
وتضم منطقة الكبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، تلالاً استراتيجية عدة، يستميت النظام وحلفاؤه الروس لانتزاع السيطرة عليها، كونها بوابة منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، التي تعد الهدف الكبير للنظام. وكان مصدر قيادي في فصائل المعارضة تحدث، لـ"العربي الجديد"، عن أهمية الكبانة، موضحاً أنها "تقع على أعلى قمة مطلة على جسر الشغور وسهل الغاب وبداما والناجية والشغر والجانودية وغيرها من المناطق، وصولاً إلى جبل الزاوية في محافظة إدلب". وكشف أن "سيطرة قوات النظام على التلة تعني رصد المنطقة نارياً، ومن ثم يصبح تقدّم هذه القوات إلى باقي المناطق أسهل، كونها ستقود المعارك من الأعلى إلى الأسفل، ومن هنا تنبع أهمية الكبانة الكبيرة لدى الثوار والنظام".
وفي السياق ذاته، استأنفت قوات النظام السوري، أمس الثلاثاء، عمليات القصف الجوي والصاروخي على ريفي حماة وإدلب شمال غربي سورية، موقعة جرحى بين المدنيين في ريف حماة الشمالي. وقالت مصادر من الدفاع المدني السوري، لـ"العربي الجديد"، إن القصف الجوي والصاروخي من قبل قوات النظام طاول مناطق في مدينة خان شيخون وقرية كفرعين وبلدة فريكة في ريف إدلب الجنوبي، محدثاً أضراراً مادية في منازل المدنيين. وأضافت المصادر أن الطيران الحربي التابع للنظام قصف مدينة كفرزيتا والمزارع المحيطة بها في ريف حماة الشمالي، موقعاً أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين. كما قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة قرى تل ملح والأربعين والجبين والجيسات وتل الصخر والحويجة واللطامنة في ريف حماة الشمالي. من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن طائرات النظام شنت أكثر من 12 غارة جوية صباح أمس الثلاثاء، استهدفت خلالها أماكن في خان شيخون وترعي ومحيط كفربطيخ ومطار تفتناز العسكري بريفي إدلب الجنوبي والشرقي، ومحيط بلدة كفر حلب بريف حلب الغربي. وأشار إلى أن الطيران الروسي شنّ أمس الثلاثاء عشر غارات على مناطق في خان شيخون وكفرعين جنوب إدلب، والجبين والأربعين وكفرزيتا بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي.
وكان يوم الإثنين قد شهد هدوءاً تاماً، إذ لم تشن طائرات النظام والمقاتلات الروسية أي غارات على مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي. ولكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً، ما يؤكد أن أي اتفاق تركي روسي جديد يعيد الحياة لاتفاق سوتشي المبرم بين البلدين في سبتمبر/أيلول الماضي لا يزال بعيد المنال حتى اللحظة. وتؤكد المعطيات العسكرية أنه لم يعد بمقدور قوات النظام ومليشيات تساندها التقدم برياً بسبب تحصينات فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي، وعدم تجانس المليشيات التي تقاتل مع النظام في هذا المحور. وتتّبع هذه الفصائل سياسة نصب الكمائن لقوات النظام واستهدافها بالصواريخ الموجهة، في معركة استنزاف مستمرة منذ أكثر من شهر أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من هذه القوات.
في موازاة ذلك، وصلت دفعة جديدة من القوات الخاصة التركية إلى ولاية هاتاي المحاذية للحدود مع سورية، جنوبي البلاد، وفق وكالة "الأناضول" التركية، التي أفادت أمس الثلاثاء، بأن قافلة مؤلفة من 50 مدرعة تحمل قوات خاصة وصلت إلى قضاء قرقخان في ولاية هاتاي، آتية من قواعد مختلفة، وسط تدابير أمنية مشدّدة. ونقلت الوكالة عن مصادر عسكرية قولها إن القوات الخاصة أرسلت بهدف تعزيز الوحدات العسكرية المتمركزة على الشريط الحدودي. وينشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب بناء على تفاهمات أستانة وسوتشي، لمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية. وتعرضت نقطتان في ريف حماة الشمالي خلال الشهر الماضي لاعتداءات من قبل قوات النظام، ما تسبب بتوتر كبير سرعان ما تم تطويقه من قبل الجانب الروسي.