يحاول رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، التخلّص من الضغوط السياسية التي يواجهها، بشأن ربط ملف الانفتاح التجاري والاقتصادي الأخير للعراق مع الأردن بقضايا سياسية أخرى، من أبرزها ما تطالب به كتل سياسية قريبة من إيران حول إعادة مطلوبين للعراق موجودين في الأردن، وهو ما يبدو طلباً مستحيلاً بالنسبة لعمّان التي تستضيف قرابة نصف مليون عراقي، بينهم معارضون للاحتلال الأميركي والعملية السياسية التي نتجت عنه. عبد المهدي الذي يحاول الإبقاء على ملف الانفتاح نحو المحيط العربي والذي أطلقه سلفه حيدر العبادي قبل سنوات، لتحقيق مكاسب اقتصادية للعراق بالدرجة الأولى، يسعى إلى إغلاق الباب في وجه تلك الضغوط، وفقاً لعضو بارز في البرلمان العراقي، كشف لـ"العربي الجديد"، أن كتلاً ضمن تحالف "الفتح"، مثل "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"صادقون"، الجناح السياسي لمليشيا "العصائب" بزعامة قيس الخزعلي، وكتلة "بدر"، الجناح السياسي لمليشيا "بدر" بزعامة هادي العامري، تسعى منذ مدة لحشر ملف سياسي ضمن ملفات العراق والأردن التجارية والاقتصادية، وهو ملف من يصفونهم بـ"المطلوبين الموجودين في الأردن".
وأضاف عضو البرلمان أن "الهدف الأول من تلك الضغوط قد يكون إفشال أي تقارب عربي وثيق بين العراق وجيرانه، بما يخلق منافساً لإيران في السوق العراقية التي تهيمن عليها بشكل واضح البضائع الإيرانية، خصوصاً أن ضغوطاً سابقة مماثلة انطلقت في السنوات الماضية وتحديداً في 2014 و2015 ولم يستجب الأردن لها"، كاشفاً عن أن عبد المهدي "يرفض بدوره ربط الملفين التجاري والاقتصادي مع الأردن بأي جانب سياسي آخر".
يأتي ذلك مع إعلان هيئة المنافذ الحدودية العراقية ارتفاع معدل التبادل التجاري مع الأردن إلى أعلى مستوى له منذ عام 2014، قبل اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من الأنبار العراقية، غربي البلاد، وإغلاق المعبر التجاري الحدودي بين البلدين. وبلغ التبادل التجاري الشهر الحالي معدلات قياسية وصلت إلى نحو مليار ونصف المليار دينار عراقي (نحو مليون و257 ألف دولار) في اليوم الواحد كإيرادات للمنفذ، في وقت كشفت فيه وزارة الكهرباء العراقية عن بدء خطة الربط الكهربائي بين البلدين اعتباراً من الشهر المقبل لتغذية مناطق أعالي الفرات، غربي الأنبار، عدا عن اتفاق سابق لتصدير النفط الخام من حقول البصرة إلى الأردن واتفاق لشحنات نفط تنقل بالصهاريج إلى الأردن براً. ورأى مراقبون أن تلك الضغوط متوقعة وسبق أن عرفت الحكومة مثلها مع الانفتاح السعودي على العراق وتوقيع اتفاقية فتح المعابر التجارية البرية بين البلدين، والتوصل إلى تفاهمات تجارية واقتصادية مختلفة في الفترة الماضية.
وقال الخبير حسن القيسي، لـ"العربي الجديد"، إنه من غير المرجح أن ترضخ الحكومة لمثل هذه الضغوط، فهي تعلم مسبقاً عدم إمكانية استجابة الأردن لمثل تلك الطلبات وعدم قبول عمّان أن تكون ضمن خانة مساومات تفرض عليها. وأوضح أن الملفين التجاري والاقتصادي مع الأردن تحديداً تم عزلهما عن أي ملف آخر، فالطرفان بحاجة لبعضهما في هذا المجال، مرجحاً أن تكون تلك الضغوط "عبارة عن تشويش اعتاد عليه العراق من قبل قوى وكتل سياسية تتبنّى خيار الرفض والتشكيك بأي انفتاح عراقي على محيطه العربي، وهي بالمحصلة كتل تتبنّى الأجندة الإيرانية في العراق". ولفت إلى أن "الأردن سلّم في وقت سابق مطلوبين للعراق مدانين بتهم فساد مالي وإداري ومخالفات، وكانت عليهم مذكرات قبض دولية من الإنتربول، لكن ملفات السياسيين ممن عارضوا الغزو الأميركي والعملية السياسية والنفوذ الإيراني بالتأكيد غير مطروحة للنقاش بالنسبة للأردنيين على الأقل".
وكان القيادي في تيار "الحكمة" الذي يتزعمه عمار الحكيم، فرات التميمي، قد قال، الخميس الماضي، إن الحكومة الأردنية تتلكأ في تنفيذ مذكرات قبض بحق عراقيين موجودين في الأردن متهمين بقضايا مختلفة، داعياً في بيان، رئيس الحكومة إلى "الضغط على الحكومة الأردنية لتنفيذ مذكرات استردادهم". وأضاف أنّ "العراق فتح أبوابه للأردن وتم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية معه، إضافة إلى إلغاء التعرفة الجمركية وتقديم تسهيلات عديدة إلى الشركات الأردنية، لكن للأسف الشديد لم نجد تعاملاً بالمثل في قضايا مهمة للعراق من بينها قضية المطلوبين".
من جهته، قال عضو البرلمان رعد الدهلكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يجب الفصل بين الملفين التجاري والاقتصادي، والملف السياسي مع الأردن، لأن ذلك "يمس خبز العراقيين ومصالحهم". ولفت إلى أن "رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لديه رؤيا اقتصادية وعليه أن يكملها وأن نتركه يكملها أيضاً من دون تدخلات، خصوصاً أن الكثير من الدعاوى التي أقيمت بحق عراقيين مقيمين في الخارج كانت ملفقة وخلقت لهم بسبب صراعات سياسية"، مشيراً إلى أن "الكثير ممن في حقهم أوامر قبض كانت بسبب معارضتهم للنظام الحالي أو معارضتهم لسلطة أربع سنوات"، في إشارة إلى عمر الحكومات في العراق، مشدداً على أن تلك الضغوط مرفوضة.