في السياق، يؤكّد القيادي في حركة "فتح"، الوزير السابق للقدس، حاتم عبد القادر، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ هذه التصريحات "هي الأخطر منذ العام 1967؛ وهي تؤكد بشكل واضح أنّ هناك نيّة لدى الإسرائيليين لتقسيم المسجد الأقصى، وبالتالي هي محاولة للإطاحة بدور الأوقاف والوصاية الهاشمية".
ووفق عبد القادر، "يبدو أنه لا وجود لوضع قائم أمام الإسرائيليين في المسجد الأقصى، إنما الوضع القائم هو ما يقرره نتنياهو، وليس ذلك المتفق عليه والذي نصّت عليه الاتفاقيات الأردنية الإسرائيلية"، معتبراً أنّ هذه التصريحات وما حصل صبيحة عيد الأضحى يوم الأحد الماضي من اقتحام جماعي للمستوطنين بحماية أمنية لشرطة الاحتلال، "هو بمثابة ناقوس خطر وتهديد فعلي لقدسية وإسلامية المسجد الأقصى". ويتابع "هذا يؤكّد أنّ دخول الإسرائيليين إلى الأقصى لم يعد دخولاً سياحياً، إنما مشاركة في ملكية المكان، وهو ما يؤكده الإسرائيليون أنفسهم، خصوصاً في ضوء التدخّل السافر وغير المسبوق في دور الأوقاف الإسلامية وإدارتها للأقصى".
ويوضح عبد القادر أنّ "الإسرائيليين الآن استولوا على أكثر من 60 في المائة من إدارة المسجد الأقصى من الأوقاف الإسلامية، بما في ذلك تعيين الحراس والسماح لهم بالدخول، وترميم وفتح مرافق جديدة، فهذا كله أصبح الآن يخضع لمزاج الشرطة الإسرائيلية". ويعتقد القيادي الفتحاوي أنّ هذا الوضع "يستلزم إعادة تقييم للعلاقات الأردنية والعربية مع إسرائيل، خصوصاً من قبل الدول التي تقيم علاقات مباشرة مع الاحتلال، إذ يجب أن تعدّل موقفها في ضوء هذه التطورات الخطيرة"، مضيفاً "وأيضاً المطلوب من صاحب الوصاية أن يفعّل خياراته الأخرى غير الخيار السياسي، فهناك الخيار القانوني على صعيد المحاكم الدولية التي تؤيّد وتدعم حقّ الأردن في الوصاية على المسجد الأقصى وترفض تدخّل الإسرائيليين في شؤونه".
ويرى عبد القادر أنّ "ردود الفعل الباهتة من قبل بعض العواصم العربية، من شأنها أن تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل كي تواصل انتهاكاتها، خصوصاً أننا لم نر نحن، باستثناء الأردن، مواقف عربية على مستوى الخطورة التي يتعرّض لها المسجد الأقصى".
ورداً على سؤال حول الموقف الرسمي الفلسطيني مما جرى ويجري بحق الأقصى، يقول عبد القادر: "تصريحات كالتي ظهرت لا تساوي شيئاً ولا قيمة لها، إنما هي من باب رفع العتب لا أكثر، وليس بمثل هذه التصريحات يمكن أن يواجَه الإسرائيليون"، مستدركاً بالقول "لكن السلطة ليس لديها أي هامش تتحرك فيه للأسف الشديد، وليس لها القدرة ولا الإرادة لفعل أي شيء، ما نستطيع فقط أن نفعله نحن كمقدسيين هو الرباط في الأقصى وتعزيز العمل السياسي العربي والفعل القانوني، وأن تكون العلاقة مع إسرائيل في كفة وممارساتها بالأقصى في كفة أخرى".
من جهته، يقول المحلل السياسي المقدسي، راسم عبيدات، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّه "من الواضح أنّ الأمور المتعلقة بالمسجد الأقصى ستأخذ منحى تصاعدياً مع حلول العديد من الأعياد اليهودية المقبلة، مثل رأس السنة العبرية والعرش والغفران وغيرها، والتي ستدعو فيها جمعيات الهيكل إلى تكثيف وتوسيع عمليات الاقتحام للمسجد لفرض وقائع جديدة فيه". ويضيف: "ليس هذا فحسب، بل الأحزاب الإسرائيلية بكل مكوّناتها ومركّباتها من قوى اليمين بشقيه العلماني والديني، تتسابق للحصول على أصوات تلك الجماعات التلمودية والتوراتية في الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 سبتمبر/أيلول المقبل، فالكل يريد رضى تلك الجماعات العنصرية المتطرفة عنه، ولذلك يشجعون اقتحاماتها وصلواتها في الأقصى".
ويشدد عبيدات على أنه "في الوقت الذي يصرّح فيه أردان بضرورة العمل على تغيير الوضع القائم المعمول به في الأقصى لجهة السماح للمتطرفين الصهاينة بالصلاة فيه بحرية تامة، فإننا لم نلمس تقدماً في الموقف لا الفلسطيني ولا العربي ولا الإسلامي ولا الدولي، سوى اشتداد عاصفة التصريحات من بلاغة وإنشاء، ومذكرات احتجاج وبيانات شجب واستنكار وإدانة، أي المزيد من عاصفة هوجاء لظاهرة صوتية تفقد أثرها سريعاً".
ويتابع عبيدات: "نحيي موقف الكويت أميراً وحكومة وبرلماناً وشعباً، لمواقفهم القومية والعروبية تجاه قضيتنا وشعبنا الفلسطيني والقدس والمقدسات، وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، ونثمّن لرئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم مواقفه بالدعوة إلى ضرورة التصدي للعدوان الإسرائيلي على شعبنا الأعزل في القدس والأقصى. إذ قال إنّ الاعتداءات الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني ضدّ المصلين في باحات المسجد الأقصى، صباح عيد الأضحى، تثبت مجدداً سقوط دعوات السلام الزائفة، ومشاريع التسوية الفارغة مع كيان محتل لا يعرف إلا منطق البطش والقوة".
ويشدد عبيدات على أنّ تصريح أردان "يشكّل تهديداً مباشراً للوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، هذه الوصاية التي تعمل القيادة الإسرائيلية ليل نهار بالتعاون مع الإدارة الأميركية والعديد من الأطراف العربية والجماعات التلمودية والتوراتية، على نزعها من الأردن. ولذلك على عمّان اتخاذ مواقف عملية تتناسب وحجم الهجمة على الأقصى، فلا لغة بيانات الشجب والاستنكار ولا مذكرات الاحتجاج، ستمنع نتنياهو وأركان حكومته من العبث بالوصاية الأردنية على الأقصى وتغيير الوضع القائم فيه".
ويشير عبيدات إلى أنّ "اقتحام الأقصى في أول أيام العيد وتصريحات أردان والحرب الشاملة على مدينة القدس، تشكّل اختباراً حقيقياً لقيادة السلطة في تنفيذ قراراتها المتعلقة بوقف العمل بالاتفاقيات المبرمة مع الاحتلال. فخطورة الأوضاع الميدانية وشمولية العدوان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وهويته ومقدساته، تستدعي اتخاذ قرارات واضحة، وليست مرتبكة، باتجاه القطع الكامل مع الاحتلال وسحب الاعتراف به ووقف التنسيق الأمني معه، إذ إنّ شعبنا الفلسطيني، وخصوصاً أهلنا في مدينة القدس، لم يلمسوا أي جدية من قيادة السلطة بتنفيذ ما أعلنت عنه".
ويؤكد عبيدات أنّ "المقدسيين لا يحتاجون من العرب والمسلمين عاصفة هوجاء من بيانات شجب واستنكار وإدانة ومذكرات احتجاج، وهم كذلك لا يحتاجون لدغدغة مشاعرهم وعواطفهم بالإشادة بصمودهم وبطولاتهم أمام جيش الاحتلال ومستوطنيه وجمعياته التلمودية والتوراتية، بل ما يحتاجونه هي خطوات عملية تلجم حكومة الاحتلال ومتطرفيها من استمرار عدوانهم على القدس والأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية".
ووفق عبيدات، فإنّ ما يريده المقدسيون أيضاً، هو أن "يوقف النظام الرسمي العربي علنية شرعنة التطبيع مع دولة الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وأن توقف بعض أطراف هذا النظام انخراطها ومشاركتها في صفقة القرن الأميركية المستهدفة شطب وتصفية القضية الفلسطينية". ويتابع "ما يريده المقدسيون شبكة أمان مالية عربية-إسلامية تحمي الوجود العربي الإسلامي في المدينة المقدسة، وتحافظ على عروبتها وهويتها وفضائها وتراثها وآثارها، وتنهض بمختلف قطاعاتها من إسكان وتعليم وصحة وتجارة وسياحة".