ومن بين ما استطلع بشأنه الأوروبيون، إلى جانب العلاقة والثقة بالأميركيين، الاتفاق النووي مع إيران، والموقف من روسيا، وموقف الاتحاد الأوروبي بشأن الحرب السورية، وما إذا كان فعل ما ينبغي لوقفها، بالإضافة إلى نوع من الحيادية في الأزمة التجارية بين واشنطن وبكين، وضرورة الاعتماد على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجيش أوروبي للدفاع عن المصالح.
وفي الاستطلاع، الذي يسير إلى تحديات المستقبل الأوروبي، تنقسم المواقف فيما إذا كان يجب الاستثمار الدفاعي أوروبيا أم في حلف شمال الأطلسي.
وأشارت نتائج دراسة استقصائية صادرة عن "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" ( وهو أحد مراكز الفكر الأوروبية المهمة)، تشمل أيضا تفاؤل وتشاؤم ومخاطر حياة الأوروبيين، إلى أن الشعور بعدم الثقة الكبيرة في الأميركيين منتشر بشكل كبير في 13 دولة أروبية.
ويظهر أن الدنماركيين والنمساويين والسويديين والألمان والسلوفاكيين الأكثر تشككا بحليفهم الأميركي، وبنسب ثقة تتراوح بين 3 و4 و6 في المائة (وربما انخفضت عند الدنماركيين إلى هذا المستوى بتأثير توتر علاقة بلدهم مع ترامب منذ فترة، وآخر وجوه هذا التوتر إلغاء زيارته إلى كوبنهاغن بداية الشهر الحالي).
وبحسب النسب المائوية في مجال قياس ثقة شعب الدنمارك بواشنطن، فإنها لا تتعدى 6 في المائة، في المقابل تبدو النسبة الكبرى، وبنحو 60 في المائة، ثقتها أقل بأميركا وأكثر بالاتحاد الأوروبي.
ويعبر الدنماركيون عن امتعاضهم من سياسة ودبلوماسية ترامب "التغريدية" (عبر تويتر)، التي ألغى فيها زيارة إلى بلدهم كانت مقررة وكلفتهم مئات آلاف الدولارات، ما اعتبروه إهانة لوطنهم، بعد أن وصفت رئيسة وزراء بلدهم، ميتا فريدركسن، فكرة ترامب شراء جزيرة غرينلاند بـ"السخيفة".
ومن بين الأوروبيين المستطلعين يبدو أن الثقة بالأميركيين والتشكك بسياسات ترامب تزداد عند النمساويين والسلوفاكيين والألمان، حيث لا يثق بواشنطن أكثر من 3 إلى 4 في المائة بين تلك الشعوب على التوالي.
وفي مقابل ذلك، تزداد الثقة العامة بالاتحاد الأوروبي وبنسبة 60 و48 و52 في المائة لكل دولة من تلك الدول.
والصورة الإجمالية بين عموم الأوروبيين، بحسب هذه الدراسة، أكثر ميلا للاعتقاد أن الاتحاد الأوروبي أكثر حرصا ودفاعا عن مصالحهم كشعوب ودول وطنية، مع اعتقاد واسع بأنه "يجب تقوية الاتحاد ليكون أكثر استقلالية وحيادية في سياساته الخارجية دون الحاجة للولايات المتحدة كدعامة لتلك السياسات"، وفقا لنتائج الدراسة المشار إليها، والصادرة عن المجلس لشهر سبتمبر/أيلول بعنوان ":GIVE THE PEOPLE WHAT THEY WANT: POPULAR DEMAND FOR A STRONG EUROPEAN FOREIGN POLICY".
ومن بين ما يمكن ملاحظته أن الثقة بالأميركيين في كل من فرنسا وإيطاليا تتراجع إلى 8 و15 في المائة عند الشعبين، وذلك مقابل 39 و35 في المائة ثقة أكثر بالاتحاد الأوروبي.
وفي هاتين الدولتين، رغم وجود توتر وتشكك بالاتحاد الأوروبي، إلا أن الشعبين أكثر ثقة بحكومتيهما الوطنيتين لتحقيق تعاون أوروبي يصب في المصالح القومية أكثر.
أسباب ونتائج..
بالرغم من أن الأوروبيين، وفقا لمعدي الدراسة، اتجهوا مبكرا، مستشهدين بتصريحات ممثل السياسات الخارجية والأمنية السابق للاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، إلى ضرورة الاعتماد الأوروبي بعد 2009 على "سياسات خارجية مستقلة وتعزيز التماسك والتنسيق المؤسسي واتخاذ قرارات أكثر استراتيجية"، فيبدو أن انتخاب دونالد ترامب فاقم من مخاوف الأوروبيين وتوترهم تجاه الثقة بسياسات حليفهم في حلف شمال الأطلسي، وفي السياسات الخارجية عموما.
ويريد الأوروبيون أن يكون اتحادهم فاعلا أكثر فيما يرونه "عالما خطيرا، وذلك برسم مسار خاص بين الجهات الفاعلة الأخرى في بيئة شديدة التنافس لتجنب معارك لم يصنعها الأوروبيون أنفسهم للتصدي للأزمات التي تؤثر على مصالحهم"، وفقا لمعدي الدراسة.
ومع رفع ترامب شعار "أميركا أولا"، ودخوله في حرب تجارية مع الصين، وتهديده بنفس الأمر مع الأوروبيين، وتذكيرهم الدائم بلغة لا تروق لهم عن موازناتهم الدفاعية والحماية الأميركية، يرى الأوروبيون أن انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق الدولي مع إيران حول البرنامج النووي، والضغط على الأوروبيين منذ أشهر، إن كان على ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، الموقعين على الاتفاق لتبني مواقفه وسياساته تجاه طهران، لعبت، إلى جانب غيرها من الأمور، التي تخص ربما علاقات كل دولة بواشنطن، دورا في تراجع ثقة الشارع الأوروبي بأميركا، التي بقيت بالنسبة لغرب وشمال أوروبا "الحليف الاستراتيجي"، ربطا بمشاركة الأميركيين بتحرير أوروبا وبمشروع مارشال لإعادة بناء القارة بُعيد الحرب العالمية الثانية، والاجتماع تحت سقف حلف شمال الأطلسي في مواجهة حلف وارسو، وما سمي "الكتلة الشرقية"، بزعامة الاتحاد السوفييتي، قبيل انهيار جدار برلين قبل 30 سنة.
وفيما يشبه عودة سياسة القطبين، والحرب الباردة، بين موسكو وواشنطن، بحسب ما جاء في مقدمة الدراسة، يجد الأوروبيون أنفسهم بحاجة إلى "استقلالية أكبر في وسط الصراع الأميركي الروسي والنزاع الصيني الأميركي التجاري، دون أن يقوم الأوروبيون بدعم طرف على حساب طرف، بل انتهاج طريق معتدل ووسطي".
وبالرغم من هذه الروح الجديدة في قراءة سلبية لعلاقة الأوروبيين بأميركا، تلحظ الدراسة "اختلافا أوروبيا داخليا حول وسائل الدفاع في حال النزاعات". فأغلبية الدنماركيين، على سبيل المثال، الذين شاركوا أميركا خلال العقدين الأخيرين معظم حروبها وعملياتها العسكرية، يرون أن "حلف شمال الأطلسي هو الأنسب للدفاع عن المصالح".
ومقابل ذلك، يرى الفرنسيون الحاجة إلى "دفاع أوروبي أكثر، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أكثر ميلا لما يسمى تأسيس جيش أوروبي".
الانقسام الواضح يعبر عنه أيضا في وقوف البعض من الأوروبيين إلى جانب أميركا في مواجهتها مع الصين (41 في المائة في الدنمارك)، ويرى هؤلاء أنه يجب على الاتحاد الأوروبي بكل الأحوال مكافحة "العدوانية الاقتصادية والتجارية العالمية للصين"، ورغم ذلك يبقى 34 في المائة من الأوروبيين متشككين بقدرة الاتحاد الأوروبي على العناية بالمصالح الاقتصادية في مواجهة الصين.
مواقف قضايا مختلفة..
ويظهر بوضوح أنه إلى جانب انزعاج الأوروبيين من مواقف أميركا (ترامب) في العديد من المسائل، إلا أن قضايا أخرى كثيرة عبر عنها المستطلعون الأوروبيون، في دراسة تؤخذ بعين الاعتبار على نطاق واسع، وخصوصا صدور التقرير تزامنا مع تسلم الألمانية أورسولا فون ديرلاين لمنصبها في رئاسة المفوضية الأوروبية لمعرفة التحديات التي تواجه الاتحاد خلال السنوات القادمة، ولقياس اتجاهات الرأي العام بشأن رضاه وعدم رضاه عن سياسات الأوروبي، إن لدوله منفردة أو مجتمعة في الاتحاد الأوروبي.
على سبيل المثال في السؤال حول "ما إذا كان يفترض أن يبقي الأوروبيون على الاتفاق النووي مع طهران؟"، تظهر النتائج ميلا للتمسك به يتراوح بين 67 في المائة في النمسا، و62 في المائة في إسبانيا، و55 في المائة في ألمانيا والدنمارك، وصولا إلى أقل نسبة بـ47 في المائة لدى الفرنسيين.
ويعترف في سياق التحديات الأوروبية الممثل للسياسات الخارجية الأوروبية الإسباني جوزيب بوريل، أن الأوروبيين يختلفون في ما بينهم على ما يتوجب انتهاجه في السياسات الخارجية المشتركة تجاه أزمات عالمية متعددة.
إلى ذلك، فإن قراءة المواقف الشعبية الأوروبية من قضايا مثل العقوبات على روسيا تظهر ميلا لدى معسكر اليمين المتشدد لرفضها واعتبارها عقوبات قاسية، وخصوصا في إيطاليا عند حزب "ليغا" بنسبة 34 في المائة، وهو نفس ما ينطبق على مواقف ذات المعسكر في النمسا والمجر وألمانيا وغيرها، بينما في يسار الوسط، الاحزاب الاجتماعية الديمقراطية، يرى هؤلاء أنها عقوبات غير كافية، متفقين بذلك مع "المسيحي الديمقراطي" في ألمانيا.
أما على الصعيد الشعبي، فيحوز تعبير "غير شديدة بما يكفي" على النسبة بين 55 في المائة عند البولنديين، و46 في المائة عند السويديين (ربما بسبب مخاوف الأخيرين من تحركات روسية في البلطيق يرونها تهديدا لبلدهم) إلى 33 و32 في المائة لدى الهولنديين والفرنسيين، وما يقرب من 19 في المائة لدى السلوفاكيين، الذين يرون أنها عقوبات غير كافية، فيما 28 في المائة منهم يرونها "عقوبات قاسية على الروس".
ومن المفارقات المثيرة في الموقف من الصين، وبالرغم من الغضب الأوروبي من سياسات واشنطن في قضايا كثيرة، لكن لا يبدو أن التعاطف مع الصين كبير في أكثرية تلك الدول، أقله في الشارع الذي استطلعت آراؤه، إذ لم تتجاوز نسبة مؤيدي الصين في النزاع التجاري مع واشنطن 6 في المائة في أكثرية الدول المستهدفة بالدراسة، ويظهر أن البولنديين، وبنسبة 24 في المائة، يؤيدون الموقف الأميركي، على عكس أغلبية الدول التي يرى فيها المستطلعون، وبنسب تتراوح بين 50 و83 في المائة، أن بلادهم يجب أن تكون على الحياد.
ومن اللافت أيضا في هذه الدراسة السؤال: "هل قام الاتحاد الأوروبي بما يكفي لوقف الحرب في سورية؟"، نجد أن الشعوب الأوروبية تتفق على أنه لم يقم بذلك. فنسبة 70 في المائة من اليونانيين يرون أن أوروبا مقصرة في هذا المجال، ولم تقم بما ينبغي، ويلي اليونان موقف الشعب الإسباني بنسبة 62 في المائة، و53 عند الإيطاليين، و45 في المائة عند النمساويين، لتتركز النسبة المائوية عند الأربعينيات لدى بقية شعوب أوروبا، إلى أن نصل إلى هولندا بنسبة 42 يرون أن الاتحاد قام بما ينبغي لوقف الحرب السورية، فيما نسبة الموافقين على أنه قام بدوره عند شعب الدنمارك تبلغ 35 في المائة، وفقط 34 في المائة انتقدوا أو اعتبروا أن أوروبا لم تقم بما يكفي في سورية.
وتتقارب نسبة السويد وألمانيا بواقع 38 و39 في المائة ممن رأوا أن أوروبا لم تقم بدورها لوقف الحرب السورية.