في وقت لا تزال فيه الإمارات تراوغ، رافضة العودة عن انقلاب عدن وإعادة المنطقة للحكومة اليمنية، يبدو أنها تُعدّ لمعركة جديدة في جنوب اليمن، عنوانها محافظتا أبين وشبوة، عبر دفعها تعزيزات عسكرية كبيرة إلى أبين خصوصاً، ومحاولتها شراء ولاء قيادات قبلية عبر المال وبالتهديدات، فيما لا تزال السعودية تراقب الوضع من دون القيام بأي ضغط على حليفتها لوقف انقلابها على الشرعية اليمنية.
وفيما لا تزال الإمارات ترفض إجراء حوار مباشر مع الشرعية اليمنية، كشف مسؤولون في الشرعية لـ"العربي الجديد" أن هناك حواراً غير مباشر بين الحكومة اليمنية وأبوظبي بعيداً عن الأضواء، يحاول الإماراتيون تغطيته بالتسريبات عن أن الحوار يجري بين الشرعية و"المجلس الانتقالي الجنوبي". لكن مسؤولين في الشرعية وصفوا لقاءات جدة بالفاشلة، في ظل الممارسات التي تقوم بها أبوظبي على الأرض في محافظات عدة، ومحاولتها استغلال المحادثات لكسب الوقت وتخفيف حدة اعتراضات الشرعية.
وأكدت المصادر أن الشرعية متمسكة بكامل الحقوق السيادية ومنع تدخّل أبوظبي بأي شكل من الاشكال في الإدارة، كون مهمتها جاءت ضمن التحالف للدعم العسكري، ويجب أن تلتزم بذلك، لافتة إلى أن هناك خلافات جدية فيما يخص جزيرة سقطرى ومسألة الثروات ومن يسيطر عليها، فيما السعودية تقوم بدور الوسيط.
كما أشارت المصادر إلى أن هناك خلافاً حول مسألة المنافذ البرية والجوية والبحرية في الجنوب، والتحركات الإماراتية في مطار الريان، واستمرار تحكّم أبوظبي فيها ومنعها عودة بعض اليمنيين، فيما لم يعد تحت سيطرة الشرعية من منافذ غير مطار سيئون ومنفذ الوديعة البري على الحدود مع السعودية، وهي ممارسات دفعت مسؤولين في الشرعية إلى القول إن تصرفات الإمارات هي استعمار واحتلال وليست تصرفات دولة شقيقة.
وتعليقاً على ذلك، اعتبر مسؤول يمني رفيع، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن أبوظبي باتت تقوم بدور المستعمر، فتصرفاتها ولقاءات جدة غير المباشرة معها، تُظهران أنها لا تريد الوصول إلى حل يفضي إلى عودة الدولة ومؤسساتها إلى عدن، بل إنها تذهب نحو التصعيد وإفراغ جوهر وجود الشرعية، فيما تحاول الإمارات تحقيق انقلاب بشكل كلي على الشرعية والسيطرة على كامل المناطق المحررة، من خلال إيجاد أدوات تقوم بالعمل الميداني، من اغتيالات واعتقالات واختطافات وتهجير لكل أنصار وقيادات الشرعية.
وفي مؤشر واضح على الغضب اليمني المتصاعد ضد الإمارات، شنّت صحيفة الجيش اليمني "26 سبتمبر" هجوماً على الإمارات بسبب "انقلابها على الشرعية وانحرافها عن مسار التحالف الذي جاء لإنهاء انقلاب الحوثيين في صنعاء"، وفق ما كتبت في افتتاحياتها أخيراً، معتبرة انحراف الإمارات كدولة مشاركة في التحالف عن تلك الأهداف المشروعة، وقيامها بتمويل ورعاية انقلاب آخر على الشرعية في عاصمتها المؤقتة عدن، هو انقلاب يقوّض الشرعية ويصب في خدمة المشروع الحوثي الإيراني الذي يهدد أمن اليمن والمنطقة ويزيد من معاناة اليمنيين، ويدفع بالبلاد في أتون الفوضى والتقسيم والتمزيق والتدمير، وفق قولها.
وأضافت صحيفة الجيش أن التمرد الذي قامت به مليشيات "الانتقالي" بدعم إماراتي هو انحراف واضح وخطير عن مسار التحالف وأهدافه المعلنة وانقلاب أسهم في تعميق الجراح وتوسيع الشرخ في النسيج الوطني والاجتماعي وإغراق اليمنيين في صراعات بينية وانشقاقات جديدة، تخدم بصورة مباشرة انقلاب صنعاء، بل إنه لا يُعتبر فقط خروجاً صريحاً عن مبادئ وأهداف التحالف وإنما يعد انقلاباً على مؤسسة الشرعية اليمنية.
ميدانياً، تبرز ملامح معركة جديدة يبدو أن الإمارات وأتباعها يتحضرون لها في مناطق جنوب اليمن، في ظل دفع أبوظبي بأعداد كبيرة من الآليات العسكرية والأسلحة والأطقم إلى مناطق المواجهات، فضلاً عن الأموال لاستقطاب الوجاهات القبلية.
ذكرت مصادر في عدن وأبين لـ"العربي الجديد" أن الإمارات دفعت بكميات كبيرة من العتاد العسكري والأطقم إلى محافظة أبين، بعد أن وصلت هذه المعدات والآليات العسكرية من قواعد إماراتية في القرن الأفريقي. وأكدت المصادر أن قوات موالية لأبوظبي وصلت إلى أبين معززة بأعداد كبيرة من الآليات العسكرية من مدرعات ودبابات وأطقم عسكرية، في محاولة جديدة لتفجير الوضع في أبين، التي تدين أغلب مناطقها بالولاء للحكومة الشرعية، وتستغل أبوظبي عودتها إلى منطقة بلحاف على بحر العرب في شبوة للتهيئة لمعركة جديدة ضد الشرعية. وحلّق الطيران الإماراتي أمس فوق مدينة شقرة الساحلية في أبين.
بالتوازي، واصلت الإمارات التحشيد لاستهداف محافظة شبوة، عبر التواصل مع قيادات قبلية وقفت إلى جانب الشرعية، مهددة إياها بالقصف بحجة الإرهاب.
بالتوازي مع كل هذه التطورات، كان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، يبحث الجمعة في الرياض، مع نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، "جملة من القضايا والمواضيع ذات الاهتمام المشترك"، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ"، أمس السبت. ولفتت الوكالة إلى أن هادي أشار إلى "التوافق الاستراتيجي الدائم بين اليمن والمملكة تجاه القضايا المصيرية في مواجهة التمدد الإيراني، ودعم اليمن وشرعيته ووحدته وأمنه واستقراره".
من جهته، جدد بن سلمان موقف المملكة الثابت والداعم لليمن وشرعيته الدستورية بقيادة هادي، "وفقا لمرجعيات السلام المتعارف عليها المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216".