على الرغم من الخلافات التي كانت واضحة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ورفاقه السابقين خلال الأشهر السابقة، والحديث عن سعي الأخير لتأسيس حزب جديد، فوجئت الأوساط التركية المتابعة بقرار اللجنة المركزية لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا طرد داود أوغلو ورفاق له من الحزب، بعدما كانت التوقعات تشير إلى استقالتهم لا طردهم. وأعلن "العدالة والتنمية"، أمس الأول الإثنين، تحويل داود أوغلو، و3 مسؤولين آخرين في الحزب إلى لجنة الانضباط، بعد طلب إخراجهم القطعي من الحزب، عقب اجتماع استمر قرابة 5 ساعات برئاسة أردوغان. واتخذت القيادة المركزية للحزب قراراً بطرد كل من داود أوغلو، والحقوقي والبرلماني السابق أيهان سفر أوستون، والبرلماني السابق عبد الله باشجي، ونائب الأمين العام السابق سلجوق أوزداغ، ولذلك تم تحويلهم إلى لجنة الانضباط بإجماع أعضاء القيادة المركزية.
وبحسب مصادر إعلامية تركية، فإن الحزب اعتمد على النظام الداخلي الذي يعاقب بالطرد كل من يلجأ إلى الإعلام للتشهير بحق قيادات وأعضاء والشخصيات الاعتبارية للحزب، وتقديم معلومات زائفة غير حقيقية، والتقليل من هيبة وشأن القيادات الحزبية. ويُنتظر أن تجتمع لجنة الانضباط في الأيام المقبلة، وتطلب من الأعضاء المطرودين تقديم تبرير ودفاع عن النفس بشكل شفوي ومكتوب، وفي حال تم تقديم ذلك فسيتم النظر بها، ولكن قد يستبق الأعضاء قرار لجنة الانضباط، بالاستقالة بشكل شخصي، وإذا لم يتقدّموا بتبريراتهم فسيتم تنفيذ طردهم بشكل فوري.
وشهدت الأيام السابقة سجالاً سياسياً بين داود أوغلو وأردوغان، بعد أن هدد الأول بفتح الدفاتر القديمة لفضح ممارسات حزب "العدالة والتنمية" والرئيس التركي، فيما رد عليه الأخير متحدياً بأن يبرز ذلك. ويأتي السجال على خلفية المعلومات المتوفرة عن نيّة داود أوغلو تأسيس حزب سياسي جديد، والانشقاق عن "العدالة والتنمية" بالتعاون مع أعضاء سابقين من الحزب تعرضوا للتهميش في السنوات السابقة من قبل أردوغان.
قرار الحزب الحاكم لقي صدى كبيراً في الشارع التركي، وقُدّمت سيناريوهات عدة لاستشراف المستقبل السياسي لداود أوغلو الذي عمل في الفترة السابقة على توجيه انتقادات لاذعة لأردوغان وسياسة الحزب "الاقصائية" بحق القيادات السابقة، وكان أغلب التوجّه أن يواصل هذه السياسة الانتقادية إلى حين الوصول إلى طرده من الحزب، وهي النقطة التي وصل لها، لكي يستفيد من المظلومية التي تعرض لها لتسويق حزبه السياسي الجديد، والقول إن "العدالة والتنمية" لم يصغِ إلى الملاحظات المقدّمة منه لإصلاح الحزب والعودة إلى الانتصارات السياسية والفوز بالانتخابات المقبلة. فقد شهد "العدالة والتنمية" هزائم في الانتخابات البلدية الأخيرة في 31 مارس/آذار الماضي، إذ خسر كبرى مدن البلاد وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول، فضلاً عن إزمير وأنطاليا، وكان قاب قوسين أو أدنى من خسارة بورصة.
هذه النتائج كانت مهمة لرفاق أردوغان السابقين من أجل تأسيس أحزاب جديدة على أنقاض "العدالة والتنمية"، فالرئيس السابق عبد الله غل هو خارج الحزب ويتحيّن الفرصة المناسبة للترشح للرئاسيات المقبلة، يرافقه نائب رئيس الوزراء السابق، والشخصية الاقتصادية المعروفة، علي باباجان، والأخير بالفعل قدّم قبل أكثر من شهر استقالته من "العدالة والتنمية". وكان يُنتظر أن يفعل داود أوغلو الأمر نفسه بالاستقالة، فجاء قرار الفصل، وبذلك ينشق عن "العدالة والتنمية" جناحان، الأول يقوده الثنائي غل-باباجان، وجناح ثانٍ يقوده داود أوغلو. ويرى بعض المراقبين أن خطوة الحزب الحاكم بطرد داود أوغلو ستكون مقدمة أمامه لتسريع الخطى وتأسيس حزبه الجديد المسمى بحسب تسريبات إعلامية حزب "الاستقرار" وبتوجّه إسلامي، ويستفيد من أنقاض "العدالة والتنمية"، ويستهدف جذب الكتلة المحافظة الأكبر في البلاد.
على الجانب الآخر، فإن خطوة أردوغان تأتي لقطع الطريق مبكراً أمام داود أوغلو، إذ استبق الرئيس التركي القرار بيوم واحد بتجمع حاشد في قونيا مسقط رأس داود أوغلو، حيث لقي استقبالاً حافلاً، ووجّه رسائله بوضوح عن سعي الحزب للتجديد بتنظيف نفسه. وفي اليوم التالي وبعد اجتماع القيادة المركزية للحزب وخلال المناقشات ظهر جناحان، الأول وجد أن طرد داود أوغلو سيوفر خدمة لصالحه وتسريع تشكيل حزبه، ولكن الجناح الآخر والأكبر وجد أن الخطوة إيجابية بعد تجمّع قونيا، وبعد تصريحات داود أوغلو الأخيرة عن فتح الدفاتر القديمة، التي أثارت استياء كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية. مع العلم أن داود أوغلو تدرج في الحزب وصولاً إلى منصب أمينه العام، ورئاسة الوزراء، مستفيداً من نجاحات الحزب على مدى السنوات السابقة، فيما خطوة فصله هذه هي الأولى من نوعها لقيادي بهذا المستوى في الحزب منذ تأسيسه منذ أكثر من 18 عاماً.
كما أن عملية الطرد هذه رسالة واضحة من أردوغان بسعيه للتغيير الجذري الشامل في الحزب، من دون وضع أي اعتبار لمن يحاول استغلال الوضع، وفي خطته في المرحلة المقبلة النيل من الجناح الأول من الحزب، وهو محور غل-باباجان، وستكون محطة أردوغان المقبلة هي في مدينة قيصري مسقط رأس عبد الله غل، من أجل لقاء الجماهير هناك وتوجيه رسائل باتجاه هذا الجناح. ويخطط أردوغان للنيل من هذا المحور الذي يتخوف منه، إذ نُقل عنه سابقاً أنه يرى في باباجان وحده خطراً على الحزب، في حين لن يرى تأثيراً من داود أوغلو، وسيعمل الرئيس التركي على توجيه رسائل حادّة لرئيس الوزراء الأسبق.
ويبدو أن أردوغان وجد في حديث داود أوغلو عن "الدفاتر القديمة"، فرصة مناسبة فاستغلها، ومع أن التوقعات أفادت بأن داود أوغلو كان يتحدث عن فترة إسقاط الطائرة الروسية فوق الأجواء السورية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، إلا أن الرئيس التركي تحداه بفتح الدفاتر، فالتزم داود أوغلو الصمت، ما أضعف موقفه.