على الرغم من سيطرة جائحة كورونا على المشهد العالمي في عام 2020، إلا أن ذلك لم يمنع حدوث موجة كاملة من الاضطرابات طاولت الجمهوريات السوفييتية السابقة التي شهدت أحداثاً دراماتيكية، لعل أبرزها الاحتجاجات في بيلاروسيا، رفضاً لإعادة انتخاب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو للولاية السادسة، والحرب الدامية في إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.
وفي هذا السياق، لفتت صحيفة "كوميرسانت" الروسية، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، إلى أن "العام المنتهي أظهر أن فضاء الاتحاد السوفييتي السابق يبقى بركاناً ثائراً حتى بعد مرور 30 عاماً على تفكك الاتحاد السوفييتي".
وفي مقال بعنوان "لا اتحادَ وتبقى ثورات"، أرجعت الصحيفة حالة عدم الاستقرار هذه إلى "عجز العديد، ولولا الأغلبية، من البلدان التي كانت موحدة يوماً ما، عن إقامة دول صامدة، ومؤسسات مجتمعية قوية، وضمان توزيع السلطات واختيار طريقها، ما يعني أن العاصفة ستستمر".
وتناولت "كوميرسانت" مجموعة من التداعيات الرئيسية لأحداث عام 2020، بما فيها هزيمة أرمينيا أمام أذربيجان في إقليم كاراباخ في الخريف الماضي وتراجع نسبة تأييد رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، إلى ما دون 30 في المائة، وسط خروج تظاهرات مطالبة باستقالته. واعتبرت الصحيفة أن هذه الهزيمة قضت على المستقبل السياسي لباشينيان، ويصعب تصور ماذا يجب عليه أن يفعل حتى يبقى في السلطة.
وفي بيلاروسيا، انطلقت موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة، رفضاً لفوز لوكاشينكو، ودعماً لمنافسته المعارضة، سفيتلانا تيخانوفسكايا، فور إجراء الانتخابات في 9 أغسطس/ آب الماضي، بينما تعاملت جهات الأمن البيلاروسية مع هذا الحراك ببالغ الحزم والعنف.
وأرجعت "كوميرسانت" بقاء لوكاشينكو في السلطة حتى الآن إلى "آلة القمع بالقوة"، معتبرة أن القصة في بيلاروسيا لم تنتهِ بعد، خاصة أن مستوى رفاهية السكان في الجمهورية لن يتعافى قريباً، على ما يبدو من تقديرات البنك الدولي.
وعلى الرغم من مدّ موسكو يد العون للوكاشينكو بتخصيص قرض بقيمة 1.5 مليار دولار، إلا أن الكرملين توجه في السنوات الماضية نحو خفض دعمه الذي كان يبلغ سابقاً نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي البيلاروسي في شكل القروض والتخفيضات على أسعار النفط وآليات دعم أخرى.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحولت جمهورية قرغيزستان الواقعة في آسيا الوسطى إلى نقطة ساخنة جديدة على خريطة الاتحاد السوفييتي السابق، إذ سببت الانتخابات البرلمانية اضطرابات الصراع وتفاقمه بين مجموعات النفوذ، وقد اضطر الرئيس سورونباي جينبيكوف إلى الاستقالة على إثرها.
ومن بين الجمهوريات السوفييتية السابقة الأخرى التي شهدت حلقات عدم الاستقرار هذا العام، جورجيا، حيث اتهمت المعارضة حزب "الحلم الجورجي" الحاكم بتزوير الانتخابات وقاطعت جلسات البرلمان في ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وفي مولدافيا، أسفرت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عن فوز المرشحة الموالية للغرب، مايا ساندو، مقابل هزيمة الرئيس السابق الموالي لروسيا إيغور دودون.
أما أوكرانيا المعروفة بحياتها السياسية الحافلة، فلم تشهد أي ثورات هذا العام، ولكن نسبة تأييد الرئيس فلاديمير زيلينسكي واصلت تراجعها، إذ أظهر استطلاع أجراه مركز "رازومكوف" أن 42 في المائة من المستطلعة أراؤهم رأوا في زيلينسكي "إحباط العام".
وخلصت "كوميرسانت" إلى أن أحداث عام 2020 في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق جاءت نتيجة لبحث الجمهوريات السوفييتية السابقة عن "طريقها الخاص" وبقاء "مستوى الوعي السياسي ونضح المؤسسات" أقل منه في الدول الأوروبية، مثلما وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأمر في مؤتمره الصحافي السنوي الكبير في 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. ومع ذلك، اعتبرت الصحيفة أن هذا القول ينطبق على روسيا نفسها أيضاً.