بدأ حزب "مستقبل وطن"، المدار حالياً بواسطة جهاز الأمن الوطني بالداخلية المصرية، اجتماعات تحضيرية لإعداد مشروع جديد لقانون المحليات، بعد رفضه مشروع القانون المقدّم من الحكومة بسبب تمريره مباشرة من المخابرات العامة (التي أسست الحزب وكانت تديره سابقاً) للبرلمان مباشرة، بواسطة رئيسه علي عبد العال، من دون التشاور مع الأمن الوطني في محتواه النهائي وتوقيته. وأفادت مصادر سياسية في الحزب لـ"العربي الجديد"، بأن الرسالة الأهم من إجراء هذه الاجتماعات، هي استجابة الأمن الوطني للتوجيه الذي أصدره رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي، لعقد "حوار مجتمعي" حول مشروع القانون قبل إصداره، في إشارة لعدم تعجّله إجراء انتخابات المحليات، وذلك على الرغم من أن المشروع الحكومي الذي كانت المخابرات قد أشرفت على إعداده بمعزل عن الأمن الوطني، قد حظي بالفعل بجلسات دراسة مطوّلة داخل البرلمان على مدى 4 سنوات تقريباً، بحضور ممثلين لمختلف الجهات الحكومية والمحلية التي ستشارك في الجلسات التحضيرية الجديدة. ومن بين المشاركين في الاجتماعات، ضمّ الأمن الوطني عدداً من الأحزاب غير الممثلة في البرلمان، والتي يعتبرها النظام "معارضة لبعض السياسات" ولكنها في الوقت نفسه مؤيدة للسيسي، وذلك لبحث فرص مشاركتها في القوائم الانتخابية بنسب ضئيلة.
وأضافت المصادر أن ضمّ تلك الأحزاب لهذه الاجتماعات جزء من خطة تنفيذ التوصية التي سبق ورفعها الجهاز لدائرة السيسي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ونشرت "العربي الجديد" تقريراً عنها في حينه، باستغلال مجلس الشيوخ والمحليات أيضاً بغرض "التجريب" و"التنفيس" في آن واحد، من خلال فتح ساحة مجلس الشيوخ والمحليات لدخول بعض الشخصيات السياسية المعارضة، أو التي كانت بينها وبين النظام خصومة مؤقتة في بعض القضايا خلال السنوات الخمس الماضية، ليصبحا "ساحة صورية، وتجريبية، لفكرة خلق معارضة مستأنسة، من داخل عباءة النظام".
أما الأفكار الأخرى التي سيدور النقاش حولها في الاجتماعات التحضيرية فتتركز بشكل كبير حول النظام الانتخابي، مع رغبة الأمن الوطني في اتباع نظام القائمة المغلقة بنسبة 100 في المائة، وهندسة المجالس المحلية بالكامل قبل فتح باب الترشيح، وأن تضم القوائم نسباً مختلفة للأحزاب الصغيرة في محافظات مختلفة وليس في كل المحافظات. ويختلف هذا الأمر عن مشروع الحكومة والمخابرات، المتمحور حول إجراء الانتخابات بنظام مختلط بنسبة 75 في المائة من المقاعد للقوائم المغلقة و25 في المائة للتنافس الفردي. وأوضحت المصادر أن الأمن الوطني يتفهّم مطالبة بعض قيادات الحزب بألا يتم فتح أي نسبة للانتخابات الفردية والاكتفاء بالقوائم المغلقة لتسهيل الاختيار بين الأحزاب، على أن يدعم النظام قائمة واحدة فقط كما حدث في انتخابات مجلس النواب الماضية. بالتالي تتحول الانتخابات إلى صورة أشبه بالتعيين المباشر، وذلك للتغطية على فشل أمانات العضوية بالأحزاب في جذب الأعضاء، وانغلاق المجال العام.
وأياً كانت نسبة القوائم المغلقة 75 في المائة أو 100 في المائة، فهذا الاتجاه يؤكد ما نشرته "العربي الجديد" في تقرير سابق لها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ذكرت فيه مصادرها أن السيسي غير متحمس لإجراء انتخابات المحليات بنظام الانتخاب الحر. كما تتجه النية في الاجتماعات التحضيرية لتقسيم مشروع القانون إلى اثنين أو ثلاثة، بحيث يتم إفراد المواد الخاصة بالانتخابات وتكوين المجالس المحلية في قانون منفرد، على أن يخصص قانون آخر أو اثنان للمواد الخاصة بالمحافظين وسلطاتهم وصلاحياتهم والإدارة المحلية ووحداتها المختلفة، على أن يتم إلغاء القوانين السابقة المنظمة لذلك الملف نهائياً.
وذكرت المصادر أن الأمن الوطني بدأ في مساعدة قيادات "مستقبل وطن" والأحزاب الأخرى الموالية للنظام، في العمل على اختيار مرشحيها، للتغلب على فشلها في تعظيم قاعدة عضويتها، وعزوف القيادات الشعبية الحقيقية عن العمل السياسي، والسمعة السلبية التي تتردد عن مجالات العمل العام حالياً بسبب تدخل الأجهزة السيادية في جميع التحركات التنفيذية والنيابية، إذ تمّ استدعاء عشرات القيادات الشعبية والقبلية بالفعل في المحافظات المختلفة، لفتح حوار معهم حول إمكانية خوض الانتخابات أو ترشيح أشخاص تابعين لهم.
وعلى الرغم من حالة الترصد بين المخابرات والأمن الوطني في ما يتعلق بإدارة المشهد السياسي حالياً، فإنه قد تم الاتفاق على إخضاع جميع المرشحين المحتملين للمحليات من الأحزاب الموالية لدورات في الأكاديمية الوطنية للتدريب، بناء على تعليمات مباشرة من مدير المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، على أن يتم الدفع أيضا بنسبة من شباب البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة كمستقلين في القوائم الموحدة.
ومن المخطط أيضاً أن يحافظ مشروع القانون الجديد على بنود ستروّج لها دائرة السيسي، باعتبارها انتصاراً للشباب والمرأة، من دون التركيز على مسألة إجرائها بأغلبية مطلقة لنظام القائمة المغلقة، مثل السماح بالترشح لمن تجاوز سن الـ21 للمجلس المحلي، على أن يخصص ربع المقاعد للشباب دون 35 عاماً وربع آخر للمرأة، وألا تقل نسبة العمال والفلاحين عن نصف عدد المقاعد، مع تخصيص حصص أصغر للمسيحيين وذوي الإعاقة.
وكانت مصادر قد كشفت لـ"العربي الجديد"، في الخريف الماضي، عن مساعٍ للمخابرات لرفع عدد قاعدة العضوية بحزب "مستقبل وطن" بنسبة 400 في المائة قبل منتصف العام المقبل، مع الوعد بسرعة منح الأعضاء الجدد "بطاقات عضوية" بعد تخصيص عدد من ضباط الأمن الوطني في كل فرع بالمحافظات لفحص الأعضاء المنضمين حديثاً، ومقابلة المشكوك في انتمائهم السابق للحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك أو لأحزاب أنشئت عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، كما أعيد تشكيل مكاتب الحزب بجميع المحافظات بحلول نهاية العام الماضي.
وتجري منذ أشهر محاولات لحشد المواطنين لعضوية الحزب جماهيرياً، خصوصاً في قرى الصعيد والدلتا، وترغيب المواطنين بالمزايا السياسية والوظيفية التي يمكن الحصول عليها من عضوية الحزب كما كان الوضع في عهد مبارك، لكن استجابة المواطنين لتلك الدعوات "ما زالت محدودة للغاية"، وهو ما أغضب بشدة مكتب مدير المخابرات الذي اصطدم بالأمن الوطني في وقت سابق لهذا السبب. وبناء عليه طرأت على مكاتب العضوية ببعض المحافظات تعديلات واسعة، نظراً لضعف الروابط بين الحزب وأعضائه من ناحية، وضعف الفعاليات ومردودها من ناحية توسيع القاعدة. وتركز المخابرات والأمن الوطني على فحص السجل الأمني والسياسي لجميع الأعضاء الجدد بالأحزاب، تحديداً الطلاب والمهنيين، ومراجعة صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، للتأكد من عدم وجود علاقات بينهم وبين التيارات الإسلامية من جهة ونظام مبارك والمحسوبين عليه من جهة أخرى.