ووفق ما أشارت إليه صحيفة "دي فيلت" أخيراً، تبعاً لتقرير المخابرات الداخلية الألمانية، فإنّ الصين، ومن خلال أنشطة استخباراتها في ألمانيا، الفاعلة أساساً، تسعى لاستخدام صانعي القرار من النطاق السياسي كـ"جماعات ضغط"، من أجل مصالحها ولإحداث تأثير في ألمانيا، وفقاً للأجندة السياسية للحزب الشيوعي الحاكم. وهذا الأمر دفع بنائب رئيس كتلة "الليبرالي الحر" شتيفان توميه إلى القول إنه بعد أن حدّت الصين من حراكها مع تفشي كورونا على أراضيها لأسابيع، يحاول المسؤولون فيها الآن إعطاء الانطباع بأن النظام الصيني الاستبدادي أفضل من الديمقراطيات الليبرالية في الغرب، وبأنه قادر على السيطرة على الوباء، مضيفاً أن السلوك المضلل من قبل هؤلاء يمكّننا من التشكيك في نجاح ذلك. أمّا زميله في الحزب، نائب رئيس المجموعة البرلمانية الألمانية الصينية يوهانس فوغل، فاعتبر أن المشكلة ليست في المساعدة التي تقدمها بكين، ولكن بأسلوب الدعاية المرافقة، والتي تُظهر أنّ الاتحاد الأوروبي عاجز أو ضعيف، وأن النزاع قائم بين دوله، لافتاً إلى أن قدْراً كبيراً من مساعدات الاتحاد الأوروبي وصل إلى الصين خلال يناير/كانون الثاني الماضي.
في غضون ذلك، تحاول البلاد بذل أقصى جهدها لتغيير التصور العام لهذه الأزمة لصالحها، كما وبأسلوب التفكير تجاهها، من بلد انتشر منه الفيروس، إلى بلد يقدم نفسه بأنه تصدى للوباء بنجاح ويقدم الدعم ويتضامن في حالات الطوارئ، حتى أن موقع "شبيغل" ذكر أخيراً أنّ السفارة الصينية لدى ألمانيا، ومن خلال موقعها الإلكتروني، تقدّم قراءة مثيرة للاهتمام لتبرهن عن نجاح بكين في التصدي للأزمة، في وقت تشكك التقارير الإعلامية الألمانية بشكل متزايد بالتكهنات التي أوردتها وسائل الإعلام الصينية.
وأمام هذا وذاك، تبرز التناقضات على أرض الواقع، بينها الإعلان فجأة عن ارتفاع نسبة الوفيات في مدينة ووهان بنسبة 50 بالمئة، ما شكّل صدمة للعالم، وما حتّم على وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، القول، في حديث مع صحيفة "بيلد" إن "الأمر مثير للقلق"، قبل أن يحثّ الصين على أن تكون أكثر شفافية، مؤكداً مدى أهمية معرفة مصدر الفيروس وكيف حدث ذلك، وأنها أسئلة تحتاج إلى إجابات صريحة وواضحة. يُضاف هذا إلى دهشة المحللين والخبراء الألمان، من البروباغندا الصينية بالترويج للحزب الحاكم "المعصوم من الخطأ"، وأن بكين تفوقت على نظيراتها في مجال المساعدة وجهود الإغاثة التي تبذلها حول العالم. كذلك، فقد طُرحت أسئلة عن لغز تفاوت نسب الوفيات بين أوروبا والصين، مصدر الوباء، التي يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة أضعاف سكان أوروبا، وكيف أن الجيش الصيني العظيم لا يُقهر، وفق ما ذكرت شبكة "آيه أر دي" الإخبارية.
والأنكى كان تبجيل بعض قادة الدول الأوروبية لها، بينهم الرئيس الصربي ألكسندر فوزيتش، الذي قام بتقبيل العلم الصيني مع وصول المساعدة لبلاده، من دون أن ننسى كيف أن مسؤول منطقة هاينسبرغ الألمانية شتيفان بوش طلب من الرئيس الصيني دعم المستشفيات في منطقته، ولم يتأخر وزير الخارجية الإيطالي في كيل المديح مع حضور أطباء صينيين إلى إيطاليا، علماً أن العلاقات وثيقة بين البلدين، وروما كانت أول بلد أوروبي انضم إلى مبادرة طريق الحرير الصينية.
وفي السياق، أكدت ألمانيا أخيراً، عبر وزير خارجيتها ماس، ضرورة التصدي، واعتماد ردّ فعل ضد أخبار الدعاية الكاذبة، والمعلومات الخاطئة، مع محاولة البعض استغلال الوضع الحالي مع تفشي كورونا لأغراض دعائية، والأهم المواجهة بالحقائق، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي "الناتو"، في وقت ثمة اتهامات لروسيا والصين بالرغبة في ضرب رأس المال الأوروبي من خلال البروباغندا الإعلامية. وفي السياق، بيّنت تقارير صحافية ألمانية أن هناك 26 تقريراً لوسائل إعلام مقربة من الكرملين، نُشرت حتى مطلع إبريل/نيسان الحالي، تبرز فشل دول الاتحاد الاوروبي في إدارة أزمة كورونا.
بدورها، بيّنت "دير شبيغل" أن حملة الدعاية الصينية المكثفة التي تقوم بها الحكومة تتم مراقبتها من قبل السلطات بحذر، إذ تحاول بكين استخدام المساعدات الإنسانية لدول الاتحاد الأوروبي، مثل لوكسمبورغ وإيطاليا وإسبانيا، لرسم صورة مشوهة، مفادها أن الاتحاد وألمانيا يتخلون عن شركائهم، بدافع عدم الكفاءة، والأنانية.