وبعد أسبوع بدأ مسلسل الوفيات بالوباء في الولاية نفسها. مضى على ذلك 3 أشهر بالضبط، صار معها عدد الإصابات أكثر من ثلاثة أرباع المليون، والوفيات أكثر من 40 ألفاً، وما زال الاجتياح في منتصف أو ثلثي الطريق (في غياب موجة ثانية)، حسب التقديرات الطبية المدعومة بالأرقام والخطوط البيانية لمسيرته.
وفق هذا التشخيص، وصل الاجتياح إلى قمته، وبدأ أو يفترض أن يبدأ عملية هبوطه المتوقع أن تستغرق مدة تتفاوت التكهنات حولها، كما حول التعامل أثناءها مع العلة وتداعياتها. فبعد كل هذه الفترة ودروسها وفاتورتها الأعلى في العالم، ما زالت وحدة الموقف مفقودة.
الحسابات السياسية التي كانت منذ البداية وراء التعثر والتأخير في احتواء الأزمة، ما زالت تتحكم بالقرار، وبخاصة قرار فك العزلة.
البيت الأبيض يدفع نحو العودة إلى الوضع الطبيعي في أوائل مايو/ أيار المقبل، وله حيثيته القوية في ذلك، إذ لا يستقيم الإغلاق بلا حدود. في المقابل يحذر خصومه من التسرع وعواقبه، بالاستناد إلى الوقائع والحيثيات الطبية.
الرئيس دونالد ترامب يستعجل الأمر بالرغم من المجازفة، علّ العودة تساعد في انتشال الاقتصاد من حالة "الخراب" عشية انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، التي بات من شبه المستحيل فصلها عن كورونا وتداعياتها.
وفسحة الوقت باتت ضيقة وتزداد ضغوطها. 195 يوماً فقط للاستحقاق الرئاسي. واحتمالات الانفراج الاقتصادي تنحسر بالرغم من حزمة الإعانة والتحفيز، فحالة الركود تقترب من مستوى الكساد، والبطالة متفاقمة، ومؤشرات أسواق المال هابطة، وكذلك حال عالم الأعمال، خاصة المتوسطة منها والصغيرة، التي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد المحلي الذي يشكل أكثر من ثلثي الناتج الإجمالي الأميركي.
كل ذلك يؤشر إلى أفق مسدود في المدى القريب على الأقل، انعكس في محاولات فتح جبهات أخرى لتغيير الموضوع وتضييع المسؤولية.
ترامب وزّع الملامة في كل صوب. اتهم الصين ومنظمة الصحة العالمية بعدم الشفافية، وأوقف عن الثانية الدعم المالي بزعم "تغطيتها" على إخفاء الصين للحقيقة. تقدير يشاركه فيه خصومه ولو مع الاعتراض على قطع التمويل عن المنظمة، والذي بدا بمثابة خطوة أولى للانسحاب منها، على غرار انسحاب ترامب من اتفاقيات وهيئات دولية أخرى.
الأهم من ذلك، وربما الأخطر، أنه عمد إلى تسخين الساحة السياسية الداخلية، من خلال توسيع دائرة الاشتباكات مع خصومه في الحزب الديمقراطي، الذين لا يكفون عن مطاردته من خلال قياداتهم ووسائل الإعلام المحسوبة على خندقهم.
توتر علاقته مع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بلغ حدّ القطيعة. وكذلك مع بعض حكام الولايات الديمقراطيين، من خلال التشجيع على القيام بمظاهرات لفك العزلة و"تحرير" هذه الولايات التي يحكمها ديمقراطيون، كما جاء في تغريدة الرئيس، وهي عبارة استوقفت المراقبين لما تنطوي عليه من حضّ، ولو غير مقصود، على الصدام، ومن تذكير بشعارات رفعتها ولايات جنوبية عشية الحرب الأهلية في 1860، مع أن الرأي الطبي ما زال يؤكد على ضرورة وأهمية التباعد والاستمرار في حالة الحجر، على أن يتقرر الخروج منه في ضوء التطورات والأرقام التي ستحملها الأيام والأسابيع القادمة.
وعلى رأس المشددين على هذا التوجه الفريق الطبي العامل مع الرئيس، الدكتور أنطوني فوشي، والدكتورة ديبوره بيركس، وذلك من باب التحوط والتروي في إنهاء الإغلاق لئلا يرتد الفيروس بموجة أقسى إذا لم تحصل وتكتمل عملية فرز المصابين والحجر عليهم، وإلى غاية قطع دابر الوباء، وهي عملية يقول حكام الولايات إنها تحتاج إلى دور قيادي تضطلع فيه الإدارة كحكومة فيدرالية لديها الإمكانات لإنجازها.
دور لم يقتنع به الرئيس حتى الآن، مع أن النهج الذي اعتمده من البداية تسبب له بضرر سياسي. 65% من الأميركيين يرون أن الرئيس "لم يأخذ الموضوع جدياً"، حسب استطلاع أخير، و60% يثقون بالطبيب فوشي مقابل 36% بالرئيس.
فتح باب العودة في أوائل الشهر المقبل ما زال عملية معلقة. في أحسن الأحوال تكون العودة عن الإغلاق تدريجية. المتفائلون الحياديون يتحدثون وإن "بتحفظ" عن انفراج طبي "مع حلول الصيف"، والمتشائمون يتحدثون عن "مستقبل محبط وكئيب"، بتعبير هارفي فينبرغ، رئيس سابق للأكاديمية الطبية.
الوضع الأميركي سبق أن واجه في تاريخه تحديات عاتية، وتمكن من تجاوزها. تجربته وإمكاناته ساعدته في التغلب عليها، وهو الآن يمر بمشكلة قاسية في وقت تعاني حياته السياسية من التآكل وأوضاعه الاقتصادية من الترنح. الاعتقاد الراجح أنه قادر على المرور في الامتحان، لكن بعض الجهات الأميركية لا تخفي قلقها من الأخطار التي ينطوي عليها واقع الحال.