والمليشيات هي "أصحاب الكهف"، و"قبضة المهدي"، و"عصبة الثائرين"، والأخيرة أكثرها فاعلية، إذ نشرت، الأسبوع الماضي، فيلماً، مشفوعاً بأناشيد تمجد زعيم "فيلق القدس" الراحل قاسم سليماني والقائد في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، يظهر فيه تصوير سري، استخدمت فيه طائرة من دون طيار، للسفارة الأميركية ببغداد، مع تهديد بقصفها، أعقبه فيلم قصير لقاعدة عين الأسد في الأنبار، مع تهديد باستهدافها أيضاً.
وطوال الأشهر الماضية، استمرت عبارة "جماعة الكاتيوشا" ملاصقة لكل حديث عن الجهة التي تقف خلف الهجمات الصاروخية التي تستهدف قواعد ومعسكرات تضم قوات أميركية في شمال العراق وغربه وبغداد، أبرزها قاعدة التاجي شمالي بغداد ومعسكر المطار وقاعدة بلد في صلاح الدين، والقصور الرئاسية وسط الموصل، فضلاً عن السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء وشركة "إكسون" النفطية الأميركية في البصرة. واللافت أن المليشيات الرئيسية في العراق، والمعروفة بعدائها لأميركا، لم تتبن جميع الهجمات السابقة، إلا أنها رحبت بها، ودعت منفذيها إلى التعاون مع "محور المقاومة" من أجل التنسيق والعمل المشترك. وقد أطلق هذا الأمر تساؤلات عما إذا كان ما يحدث حيلة عسكرية من الفريق الإيراني بالعراق، أم أن هناك فعلاً مليشيات جديدة.
ويعتبر مسؤول بارز في مديرية الشؤون الداخلية بوزارة الداخلية أن المليشيات الجديدة جزء من الفصائل "الولائية" المعروفة في العراق، بمعنى أنه انشطار داخلي متفق عليه. ويضيف، لـ"العربي الجديد"، أن المعلومات المتوفرة لديهم هي أن العناوين الثلاثة، التي أعلن عنها في الشهرين الماضيين، عبارة عن فروع ثانية لكتائب "حزب الله" و"النجباء" و"العصائب" و"سيد الشهداء"، وكلهم ممن يتسلمون مرتبات، بل و"تم تسجيل البيانات في مقرات تلك الفصائل، بمعنى أن أفراد تلك المليشيات الجديدة مستمرون بعملهم في الفصائل الأصلية، لكن "تم خلق أذرع وفروع من الفصائل ذاتها، تبقى تنظيمياً وإدارياً وفكرياً مرتبطة بها، لتبنّي ما لا تريد الفصائل الرئيسية تبنيه". ويقول إن "الهدف من هذا كله سياسي وأمني بالدرجة الأولى، إذ تحاول الفصائل التخلص من ضغوط ووساطات من قيادات شيعية في بغداد، وأخرى دينية في النجف، بوجوب عدم جر العراق لمواجهة مع الولايات المتحدة، إذ إن الإعلان عن تلك الفصائل يعني أنهم أوجدوا لأنفسهم ذريعة للإفلات من الاتهامات أو تحميلهم المسؤولية. والهدف الثاني تشتيت الجهود الأميركية من خلال شبكة المتعاونين معها، التي تعمل على رصد وتعقب الجماعات المسؤولة عن تلك الهجمات". لكنه أكد أن "الإدارة الأميركية والحكومة العراقية على علم بهوية هذه الجماعات، وإلى أي فصائل معروفة ينتمون".
من جهته، ينكر عضو تحالف "الفتح"، الممثل السياسي للحشد الشعبي في البرلمان، كريم عليوي، معرفة "فصائل الحشد بالفصائل الثلاثة الجديدة، التي دخلت على خط معارضة التواجد الأميركي"، مستدركاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "الشعب العراقي لا يريد بقاء القوات الأميركية في بلاده، ومن غير المستبعد أن تكون هذه الجماعات هي من رحم التوجهات العراقية".
أما السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقيم في واشنطن، فيؤكد، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المليشيات الجديدة، والتسميات التي نسمع بها هذه الأيام، خرجت من عباءة إيران، كحركة جديدة على الساحة العراقية، وهي لا تعمل إلا وفق التوجيه الإيراني، وتسعى إلى إرباك الأميركيين والأجانب العاملين في العراق"، معتبراً أن "واشنطن تعلم بوجودها وتبعيتها وترصد كل المعلومات عنها". ويوضح أن "هذه المليشيات تريد أن تقول، عبر ما تفعله حالياً، إنها جاهزة لضرب الأميركيين في حال تم استهداف أي من قادة الحشد الشعبي، وإن تصوير القواعد العسكرية ما هو إلا استمرار لنهج التصعيد لإخراج الأميركيين. لكن واشنطن ليست مهتمة بهم، لا سيما بعد أن زادت من تحصين القواعد العراقية التي يتواجد جنودها فيها، وركزت على حمايتهم وعدم بعثرة القطاعات العسكرية".
إلى ذلك، يرى الخبير في الشؤون الأمنية في العراق سرمد البياتي أنه "من خلال أسلوب عمل هذه الجهات الجديدة، والمبادئ الأساسية، والمشتركات مع الفصائل المعروفة يتبين أن أغلبيتها منشقة عن الفصائل الولائية المعروفة بعدائها لأميركا، وتُعامل الأجانب كمحتلين، وربما منشقة بتفاهمات من الفصائل الأم". ويوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "الإصدارات التي نشرتها على وسائل التواصل (الاجتماعي)، عبر تصوير القواعد العسكرية والسفارة الأميركية، لا تعني أنها تمتلك إمكانات كبيرة، وهذا الأمر لن يدفع الأميركيين إلى استهداف الطائرات المسيرة وإسقاطها وخلق بلبلة في العاصمة العراقية".
لكن عضواً بارزاً في إحدى المليشيات المسلحة، المعروفة بـ"فصائل العتبات"، في إشارة إلى ارتباطها بالنجف، يقول لـ"العربي الجديد"، إنها "جزء من استراتيجية قاآني الجديدة في العراق"، في إشارة الى الزعيم الجديد لـ"فيلق القدس" إسماعيل قاآني. ويضيف أن "قاآني يخطط لزج عدد أكبر من الفصائل المسلحة بالعملية السياسية، وفي الانتخابات المقبلة تحديداً، لذا هناك مخطط لخلق عناوين جديدة تتولى عمليات تعبوية ضد الأميركيين على الأرض، بينما تبقى تلك الفصائل كقوة أمر واقع بالعراق، تتبنى موقف التهديد والرفض لا أكثر"، مؤكداً أن "الخطوة بكل الأحوال دليل على عدم ارتباط تلك الفصائل بالحكومة العراقية إلا بما يتعلق بالمرتبات والمخصصات المالية الشهرية".