وقد سبق لرئيس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، كمال كلجدار أوغلو، أن أبدى استعداده لنقل برلمانيين للأحزاب الأخرى المشكلة حديثاً لضمان دخولها البرلمان، ما أدى إلى تحريك التحالف الحاكم، خصوصاً أنّ حزب "الشعب الجمهوري" كان قد عمل على نقل مجموعة من النواب لديه إلى "الحزب الجيّد" عند تشكيله قبل سنوات، من أجل تمكينه من خوض الانتخابات في عام 2018، وتشكيل تحالف معارض معه. وهو ما ساهم وقتها في استنزاف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، الذي اضطر إلى لتحالف مع حزب "الحركة القومية"، للحصول على الأغلبية البرلمانية. ويبدو أنّ التحالف الحاكم يتخوّف اليوم من سيناريو مشابه بالنسبة للحزبين الجديدين اللذين تشكلا قبل أشهر، إذ شهدت تركيا ولادة حزبي "المستقبل" من قبل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، و"دواء" من قبل نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان. وقد ولد الحزبان من رحم حزب "العدالة والتنمية".
عملية نقل النواب بين الأحزاب في تركيا ليست جديدة، وقد حصلت سابقاً في عام 1977 عندما نقل رئيس الوزراء الأسبق بولنت أجاويد 11 برلمانياً من حزب "الشعب الجمهوري" إلى حزب آخر، غير أنه تبع ذلك منع عملية التنقل بين الأحزاب في عام 1982، وفق القانون الدستوري. ولتجاوز العقبة القانونية، تمّ إجراء تعديلات بهدف إنشاء أحزاب جديدة من أجل الاحتيال على القوانين، بلغت حتى عام 1995 نحو 22 حزباً، منها أحزاب استمر عمرها ثلاثة أيام فقط، وأحياناً كان عضو البرلمان يغيّر في اليوم الواحد أحزاباً عدة، ما كان يعدّ من طرائف السياسة التركية وقتها، ومدعاة للنكات الشعبية والسياسية. وكانت تجرى العملية بحسب مقتضيات المصلحة الفردية.
التحالف الجمهوري الذي يضمّ حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحزب "الحركة القومية" اليميني، يسعى لمنع هذا الأسلوب المتّبع، عبر منع النائب المستقيل من حزب معيّن من الانضمام لحزب آخر لمدة تتراوح ما بين 6 أشهر إلى عام، وهو ما يقطع الطريق أمام حزب "الشعب الجمهوري" لنقل نوابه إلى الأحزاب الأخرى. لكن هذا لن يحول دون دخول هؤلاء النواب في أي انتخابات مقبلة ضمن قوائم تحالف "الشعب" المعارض عبر أحزاب أخرى. فحزب "الحركة القومية" يقترح أن يبقى العضو البرلماني المستقيل عاماً بشكل مستقلّ. كما يدفع باتجاه منع تنقل البرلمانيين بين الأحزاب في حال بقي عاماً واحداً على الانتخابات. أما حزب "العدالة والتنمية"، فيقترح عدم تمكّن العضو المستقيل من أي حزب، والمنضم لحزب جديد من العودة لاحقاً لحزبه الأصلي، كما منْع انتقاله لحزب آخر خلال 6 أشهر، بالإضافة إلى حظر نقل عدد محدد من البرلمانيين بشكل يؤدي لتشكيل كتلة برلمانية. أما المقترح الأخير الذي يطرحه "العدالة والتنمية"، فهو بقاء العضو المستقيل عن الحزب مستقلاً لنهاية الفترة البرلمانية. ويسعى بذلك التحالف الجمهوري الحاكم لتمرير أكبر عدد من هذه المقترحات، لمنع عملية نقل النواب من حزب لآخر، وفق كواليس سياسية معينة.
وبحسب قانون الانتخابات المعتمد حالياً، يحقّ لأي حزب الدخول في الانتخابات إذا تمكّن من تنظيم نفسه في نصف عدد ولايات البلاد في فترة تصل إلى 6 أشهر قبل الانتخابات، وعقد مؤتمر موسع كبير، أو أن يتمكّن من تشكيل كتلة برلمانية. وبالنسبة للأحزاب الجديدة، فإنّ تاريخ تأسيس حزب "المستقبل" هو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهو ما يعني أنه يحق له المشاركة في الانتخابات إن جرت بعد منتصف يونيو الحالي، في حال استكمل تنظيم نفسه. وكذلك الأمر بالنسبة لحزب "دواء"، الذي تشكل في مارس/ آذار الماضي، ففي حال أكمل تنظيمه، يمكن أن يشارك في الانتخابات إن جرت في سبتمبر/ أيلول المقبل، وبالتالي هذا ما يدفع للتساؤل عن سبب سعي حزب "الشعب الجمهوري" لنقل البرلمانيين، ومحاولة التحالف الحاكم منع ذلك.
متابعون لكواليس السياسة التركية يرون أنّ كلجدار أوغلو يعلم بعدم وجود ضغوط حالية مباشرة لحصول انتخابات مبكرة، ولكنه يخشى من أن يعيد التاريخ نفسه ويتم تشكيل تحالف قومي محافظ يضم الحزب "الجيّد" وحزب "السعادة" الإسلامي والحزبين الجديدين، ما يضع حزب "الشعب الجمهوري" إلى جانب حزب "الشعوب الديمقراطية" الكردي اليساري، وهو ما يحرجه أمام أنصاره، لقرب الحزب الكردي من "العمال الكردستاني" الذي تصنفه تركيا إرهابياً. ولذلك يسعى كلجدار أوغلو لأن يضم الحزبين الجديدين إلى تحالف "الشعب" عبر هذه الحملة، ليكونا تحت وصاية حزب "الشعب الجمهوري" سياسياً.
ويوازي ذلك عدم وجود أي نية واستعداد لدى التحالف الحاكم لإجراء انتخابات مبكرة. فعلى العكس من ذلك، يؤكّد الرئيس رجب طيب أردوغان أنّ الانتخابات في موعدها المقرر مسبقاً، أي في عام 2023. كذلك لم تصدر عن زعيم حزب "الحركة القومية" دولت باهتشلي إشارات في إطار الانتخابات المبكرة، في حين لا يرغب أردوغان، في ظلّ التعديلات الدستورية الأخيرة، بالتفريط في ثلاث سنوات من الحكم بعد أن تبقّى له حقّ أخير في الترشح للانتخابات المقبلة. في المقابل، فإنّ المعارضة ترى أنّ تبعات كورونا ستخلّف آثاراً اقتصادية كبيرة، ما يدفع أطرافاً فيها للاعتقاد بأنّ التحالف الحاكم سيذهب للانتخابات المبكرة.