ليست حادثة قتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد، تحت أقدام شرطي أبيض في مدينة مينيابوليس الأميركية، بأمر مستجد في الولايات المتحدة، التي عرفت في السنوات الماضية العديد من الحوادث المشابهة والتي عززت القلق من حالة العنصرية المنتشرة في هذا البلد. ولكن فيما كانت احتجاجات على أحداث مماثلة تنتهي عادة خلال ثلاثة أو أربعة أيام، لا تبدو موجة العنف المسيطرة منذ أكثر من أسبوع في الولايات المتحدة، وتمددت لأكثر من 140 مدينة، متجهة إلى الانحسار سريعاً، في ظل وجود رئيس في البيت الأبيض، هو دونالد ترامب، يقوم بدل العمل على تهدئة المحتجين، باستنفار شارع مضاد، مصوراً المتظاهرين كـ"رعاع" ومهدداً بنشر الجيش لمواجهتهم، بالتوازي مع استعراض سياسي شعبوي اتخذ من كنيسة مكاناً له رافعاً الإنجيل بيده ومتوعداً بضمان أمن بلاده. وبدلاً من العمل على إيجاد حل للعصيان المتفاقم، والذي يوقع المزيد من الضحايا، اتجه ترامب للاستفادة من الوضع لتحقيق مكاسب سياسية، مهاجماً خصومه، ومثيراً نظريات المؤامرة، في محاولة لتعزيز فرص إعادة انتخابه قبل نحو خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
كل هذه العوامل تشي بأن الأوضاع الأميركية متجهة إلى مزيد من العنف المتبادل والمزيد من الاستقطاب، لتأتي الانتقادات لترامب وكيفية تعاطيه مع الأزمة حتى من قبل بعض مناصريه. واستحضرت وسائل إعلام محلية الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، صباح الإثنين. وعلى الرغم من أن الكرملين حرص على التأكيد أن الاتصال لم يناقش الاحتجاجات في الولايات المتحدة، فإن وسائل إعلام رأت أن الاتصال يوحي بأن ترامب وحين أصيب بالشلل في الرد على التظاهرات، كان بوتين هو الذي ألهمه أو حمله على الاستسلام تماماً لدوافعه الاستبدادية، ليلجأ إلى تصرفات عدائية ضد المحتجين ويعود إلى نهجه الصارم منذ عام 2016 بالتنفيذ المشدد للقانون. وقال ترامب في صيف 2016 خلال خطاب في ولاية فرجينيا: "يجب أن نحافظ على القانون والنظام على أعلى مستوى، وإلا فإننا سنخسر الدولة".
ويواجه ترامب عصياناً مدنياً هو الأخطر في ولايته مع احتجاج آلاف الأميركيين على العنف الذي تمارسه الشرطة والعنصرية والتفاوت الاجتماعي، تضاف إليه أزمة انتشار وباء كورونا. واختار ترامب التوجّه، مساء الإثنين، سيراً على قدميه من البيت الأبيض إلى كنيسة سانت جون المجاورة لمقرّ الرئاسة، التي طاولتها أعمال تخريب ليل الأحد، خلال تظاهرة. ووقف ترامب أمام المعلم رافعاً بيمناه الإنجيل وقال "لدينا أعظم بلد في العالم وسوف نضمن أمنه"، قبل أن ينضم إليه عدد من الشخصيات، بينهم وزير العدل بيل بار.
قبلها أعلن ترامب، في خطاب مساء الإثنين، نشر "آلاف الجنود المدججين بالسلاح" في العاصمة وشرطيين لوقف "أعمال الشغب والنهب". واعتبر أن الاضطرابات التي وقعت الأحد في واشنطن "وصمة عار"، داعياً حكّام الولايات إلى التحرك بسرعة وبشكل حازم "لضبط الشارع" ووقف دوامة العنف. وقال بلهجة تحذير "إذا رفضت مدينة أو ولاية ما اتخاذ القرارات اللازمة للدفاع عن أرواح وممتلكات سكانها، فسأنشر الجيش الأميركي لحل المشكلة سريعاً بدلاً منها". وكانت قوات الأمن الأميركية قد استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين احتشدوا أمام البيت الأبيض، مساء الإثنين، أثناء إدلاء الرئيس بخطابه.
وجاء توجّه ترامب إلى كنيسة سانت جون بعد تقارير أفادت بأنه لجأ إلى مخبأ تحت الأرض في البيت الأبيض حين بدأت الاحتجاجات يوم الجمعة. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن ترامب أراد استنهاض قاعدته المحافظة دينياً عبر التوجه إلى الكنيسة، ولكنه أراد أيضاً مغادرة البيت الأبيض ليثبت أنه لم يكن "في المخبأ". لكن خطوة ترامب لاقت الكثير من الانتقادات، فكبير أساقفة كنيسة سانت جون، مايكل كاري، انتقد استخدام الرئيس الكنيسة التاريخية لالتقاط الصور. وكتب على "تويتر": "لقد استخدم مبنى كنسياً والإنجيل المقدس لأغراض سياسية حزبية". وأضاف كاري، وهو أول أميركي من أصل أفريقي يتولى منصب رئيس الأساقفة الأميركيين: "لقد ارتكب ذلك في وقت ألم وأذى عميق في بلادنا، وفعله لم يساعدنا". كما قالت أسقف الكنيسة الأسقفية في واشنطن ماريان بود، التي تنتمي كنيستها لكنيسة سانت جون، في بيان مساء الاثنين، إنها "غاضبة" من زيارة ترامب، وأشارت إلى أنه لم يُصلِّ أثناء وجوده في الكنيسة. وقالت في مقابلة بعد بيانها عن زيارة ترامب: "لقد أخذ رموزاً مقدسة لتقليدنا ووقف أمام منزل الصلاة متوقعاً تماماً أنها ستكون لحظة احتفالية". وتابعت: "نستطيع إعادة بناء الكنيسة. نستطيع استبدال أثاث دار رعاية... لكننا لا نستطيع إعادة الحياة لرجل"، في إشارة إلى فلويد.
خصوم ترامب كذلك دخلوا على الخط، وهاجم المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، الرئيس الأميركي، قائلاً في خطاب، أمس الثلاثاء: "كنت أتمنى على ترامب أن يفتح الإنجيل لأنه لو فعل لتعلم معنى عبارة أحبوا بعضكم بعضاً"، مضيفاً "نحن أمة قيم وحرية التعبير محفوظة ولن نسمح لأي رئيس بإسكات أصواتنا". وشدد على ضرورة "توخي الحذر حيال العنف الذي مارسه الرئيس بحق الاقتصاد ومساعي تحقيق العدالة"، معتبراً أن اللحظة الحالية "مواتية للتعامل مع غياب العدالة والإنصاف في مجتمعنا". ودعا الكونغرس إلى التصرف والعمل على سن قوانين لإصلاح النظام الشرطي، مضيفاً "نحن بحاجة إلى شرطة مجتمعية حقيقية والتدريب ضروري وطريقة التصرف مهمة"، متابعاً أن "هذا البلد لم تبنه وول ستريت ولا البنوك بل العمال الذين يعملون بكد". وكان بايدن قد اتهم عبر "تويتر" ترامب بأنّه "يستخدم الجيش الأميركي ضدّ الشعب الأميركي" ويستخدم الغاز المسيّل للدموع ضدّ "متظاهرين سلميين" وكل هذا لمجرّد الترويج لنفسه.
من جهته، قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر عبر "تويتر"، إن ترامب أمر بإطلاق قنابل الغاز على المحتجين السلميين ليتسنى له التقاط صورة والظهور كرجل قوي. وأصدر شومر بيانا مشتركا مع رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي قالا فيه إن الأمة الأميركية في حاجة إلى زعامة حقيقية في هذه الظروف الدقيقة، واتهما ترامب بمواصلة "تعميق التفرقة والانقسام والكراهية والعنف، في خطوة تتسم بالجبن والضعف والخطورة".
حتى أن الانتقادات للرئيس جاءت من داخل إدارته ومن مناصريه. ورد رئيس شرطة هيوستن آرت أسيفيدو، على كلام ترامب بالقول: "دعني أقول هذا لرئيس الولايات المتحدة، نيابة عن رؤساء الشرطة في هذا البلد: من فضلك، إذا لم يكن لديك شيء بنّاء لتقوله، أبق فمك مغلقاً".
حتى أن المحاور في "فوكس نيوز"، تاكر كارلسون، الذي كان مدافعاً قوياً عن ترامب، هاجم الرئيس قائلاً إنه كان يتخلى عن البلاد ويفكر في نفسه فقط من خلال عدم التصرف بحزم أكبر في قمع الاضطرابات. وقال كارلسون: "عندما جاء الغوغائيون، تخلى عنا... اشتعلت الأمة في نهاية هذا الأسبوع. لا أحد من المسؤولين وقف لإنقاذ أميركا... بهذه الطريقة تنهار الأمم".
ولم تقتصر الانتقادات لترامب على الداخل الأميركي، بل إن حليفه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قال إن العنف أمر مقلق للغاية. وقال متحدث باسم جونسون، أمس: "يجب أن يُسمح للناس بأن يحتجوا بطريقة سلمية". من جهته، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أمس، إن الاحتجاجات السلمية في الولايات المتحدة "مفهومة وأكثر من مشروعة". وأضاف خلال مؤتمر صحافي في برلين: "أريد أن أعرب عن أملي في ألا تؤدي هذه التظاهرات السلمية إلى مزيد من العنف، والأهم من ذلك، آمل أن تجعل هذه التظاهرات الأمور مختلفة في الولايات المتحدة". كما عبّر الاتحاد الأوروبي عن صدمته لوفاة فلويد، وأبدى أسفه "للاستخدام المفرط" للقوة من قبل رجال الشرطة.
اقــرأ أيضاً
ميدانياً، توسّعت الاحتجاجات لتشمل أكثر من 140 مدينة ومعها أعمال العنف. وذكرت الشرطة ووسائل إعلام، أمس، أن ما لا يقل عن خمسة من أفراد الشرطة الأميركية تعرضوا لإطلاق نار خلال الاحتجاجات العنيفة في سانت لويس ولا فيغاس، بعد ساعات من تعهد ترامب باللجوء إلى الجيش لوقف الاضطرابات. وفي نيويورك، تم نهب العديد من المتاجر الكبرى في الجادة الخامسة الشهيرة، مساء الإثنين، وأعلنت الشرطة توقيف "مئات" الأشخاص. وحظر التجول الذي فرض في المدينة من الساعة 11 مساء حتى الخامسة من فجر الإثنين، بدأ اعتباراً من الساعة 8 من مساء الثلاثاء، كما أعلن رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو، مؤكدا في الوقت نفسه أن المدينة "تحت السيطرة بالكامل".
وعززت لوس أنجليس وعشرات المدن الأميركية الأخرى إجراءاتها الأمنية ومددت حظر التجول الليلي. وفي واشنطن، أوقف عشرات المتظاهرين بلا عنف، مساء الإثنين، لانتهاكهم حظر التجول. وقال قائد شرطة سانت لويس بولاية ميزوري، إن أربعة شرطيين أصيبوا بالرصاص، أحدهم حالته خطيرة.
ونُشرت قوات الحرس الوطني في أكثر من عشرين مدينة كبرى لمؤازرة شرطة مكافحة الشغب في المواجهات مع المتظاهرين والمخربين، وسط توترات غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن الماضي. واستخدمت أجهزة الأمن المدرّعات المخصّصة لنقل العناصر والغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية. وفرض حظر تجول في مدن شيكاغو ودنفر ولوس أنجليس وسولت ليك سيتي وكليفلاند ودالاس وإنديانابوليس.
ومن أبرز الشعارات التي أطلقها المتظاهرون "لا يمكنني التنفس"، وهي آخر كلمات قالها جورج فلويد وهو يلفظ أنفاسه فيما كان شرطي يضغط بركبته على عنقه بينما كان يثبته أرضاً، إضافة إلى شعارات منددة بالعنصرية. وأظهر تقرير الطبيب الشرعي أن فلويد قضى اختناقاً جراء "الضغط على عنقه"، واصفاً الأمر بأنه جريمة قتل، رغم إشارته إلى أنه كان تحت تأثير مخدّر أفيوني. لكن لا إقالة الشرطي الذي وجهت إليه تهمة القتل غير العمد، ولا توقيفه أديا إلى تهدئة الأجواء.
وفي حادثة لافتة، قامت الشرطة باعتقال عائلة من أصول أفريقية كانت تساعد على حماية المحال التجارية من اللصوص في حي فان نويز في لوس أنجليس، مساء الإثنين، وهو حادث تم بثه مباشرة عبر قناة "كي تي تي في".
وتُترجم هذه الحادثة تعاطي الشرطة الأميركية مع الأميركيين على أساس عنصري. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" و"يوغوف" في أعقاب مقتل فلويد، أن 57 بالمائة من الأميركيين يعتقدون أن الشرطة تعامل الأشخاص البيض بشكل أفضل من السود، لكن التصورات تختلف بشكل كبير بناءً على العرق والانتماء الحزبي. بين الأميركيين البيض، قال 52 في المائة إن الشرطة تعامل البيض بشكل أفضل من السود. وبين الأميركيين السود، تبلغ هذه النسبة 78 في المائة، بحسب الاستطلاع.
في غضون ذلك، وجد الاستطلاع أن غالبية الجمهوريين (61 في المائة)، يعتقدون أن الشرطة تعامل البيض والسود بشكل متساوٍ. بينما 80 في المائة من الديمقراطيين يعتقدون أن الشرطة تعامل البيض بشكل أفضل من السود. كما أظهر الاستطلاع، الذي تم إجراؤه بين يومي الجمعة والإثنين الماضيين، أن ما يقرب من نصف الأميركيين يرفضون طريقة تعامل ترامب مع الأحداث والاحتجاجات في مينيابوليس، حيث توفي فلويد. ووفقاً للاستطلاع، فإن 32 في المائة يوافقون على طريقة تعامل ترامب مع الأحداث، بينما يرفض 49 في المائة ذلك، وقال 19 في المائة آخرون إنهم لم يسمعوا بما يكفي لإصدار حكم.
اقــرأ أيضاً
كل هذه العوامل تشي بأن الأوضاع الأميركية متجهة إلى مزيد من العنف المتبادل والمزيد من الاستقطاب، لتأتي الانتقادات لترامب وكيفية تعاطيه مع الأزمة حتى من قبل بعض مناصريه. واستحضرت وسائل إعلام محلية الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، صباح الإثنين. وعلى الرغم من أن الكرملين حرص على التأكيد أن الاتصال لم يناقش الاحتجاجات في الولايات المتحدة، فإن وسائل إعلام رأت أن الاتصال يوحي بأن ترامب وحين أصيب بالشلل في الرد على التظاهرات، كان بوتين هو الذي ألهمه أو حمله على الاستسلام تماماً لدوافعه الاستبدادية، ليلجأ إلى تصرفات عدائية ضد المحتجين ويعود إلى نهجه الصارم منذ عام 2016 بالتنفيذ المشدد للقانون. وقال ترامب في صيف 2016 خلال خطاب في ولاية فرجينيا: "يجب أن نحافظ على القانون والنظام على أعلى مستوى، وإلا فإننا سنخسر الدولة".
ويواجه ترامب عصياناً مدنياً هو الأخطر في ولايته مع احتجاج آلاف الأميركيين على العنف الذي تمارسه الشرطة والعنصرية والتفاوت الاجتماعي، تضاف إليه أزمة انتشار وباء كورونا. واختار ترامب التوجّه، مساء الإثنين، سيراً على قدميه من البيت الأبيض إلى كنيسة سانت جون المجاورة لمقرّ الرئاسة، التي طاولتها أعمال تخريب ليل الأحد، خلال تظاهرة. ووقف ترامب أمام المعلم رافعاً بيمناه الإنجيل وقال "لدينا أعظم بلد في العالم وسوف نضمن أمنه"، قبل أن ينضم إليه عدد من الشخصيات، بينهم وزير العدل بيل بار.
وجاء توجّه ترامب إلى كنيسة سانت جون بعد تقارير أفادت بأنه لجأ إلى مخبأ تحت الأرض في البيت الأبيض حين بدأت الاحتجاجات يوم الجمعة. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن ترامب أراد استنهاض قاعدته المحافظة دينياً عبر التوجه إلى الكنيسة، ولكنه أراد أيضاً مغادرة البيت الأبيض ليثبت أنه لم يكن "في المخبأ". لكن خطوة ترامب لاقت الكثير من الانتقادات، فكبير أساقفة كنيسة سانت جون، مايكل كاري، انتقد استخدام الرئيس الكنيسة التاريخية لالتقاط الصور. وكتب على "تويتر": "لقد استخدم مبنى كنسياً والإنجيل المقدس لأغراض سياسية حزبية". وأضاف كاري، وهو أول أميركي من أصل أفريقي يتولى منصب رئيس الأساقفة الأميركيين: "لقد ارتكب ذلك في وقت ألم وأذى عميق في بلادنا، وفعله لم يساعدنا". كما قالت أسقف الكنيسة الأسقفية في واشنطن ماريان بود، التي تنتمي كنيستها لكنيسة سانت جون، في بيان مساء الاثنين، إنها "غاضبة" من زيارة ترامب، وأشارت إلى أنه لم يُصلِّ أثناء وجوده في الكنيسة. وقالت في مقابلة بعد بيانها عن زيارة ترامب: "لقد أخذ رموزاً مقدسة لتقليدنا ووقف أمام منزل الصلاة متوقعاً تماماً أنها ستكون لحظة احتفالية". وتابعت: "نستطيع إعادة بناء الكنيسة. نستطيع استبدال أثاث دار رعاية... لكننا لا نستطيع إعادة الحياة لرجل"، في إشارة إلى فلويد.
خصوم ترامب كذلك دخلوا على الخط، وهاجم المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، الرئيس الأميركي، قائلاً في خطاب، أمس الثلاثاء: "كنت أتمنى على ترامب أن يفتح الإنجيل لأنه لو فعل لتعلم معنى عبارة أحبوا بعضكم بعضاً"، مضيفاً "نحن أمة قيم وحرية التعبير محفوظة ولن نسمح لأي رئيس بإسكات أصواتنا". وشدد على ضرورة "توخي الحذر حيال العنف الذي مارسه الرئيس بحق الاقتصاد ومساعي تحقيق العدالة"، معتبراً أن اللحظة الحالية "مواتية للتعامل مع غياب العدالة والإنصاف في مجتمعنا". ودعا الكونغرس إلى التصرف والعمل على سن قوانين لإصلاح النظام الشرطي، مضيفاً "نحن بحاجة إلى شرطة مجتمعية حقيقية والتدريب ضروري وطريقة التصرف مهمة"، متابعاً أن "هذا البلد لم تبنه وول ستريت ولا البنوك بل العمال الذين يعملون بكد". وكان بايدن قد اتهم عبر "تويتر" ترامب بأنّه "يستخدم الجيش الأميركي ضدّ الشعب الأميركي" ويستخدم الغاز المسيّل للدموع ضدّ "متظاهرين سلميين" وكل هذا لمجرّد الترويج لنفسه.
من جهته، قال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر عبر "تويتر"، إن ترامب أمر بإطلاق قنابل الغاز على المحتجين السلميين ليتسنى له التقاط صورة والظهور كرجل قوي. وأصدر شومر بيانا مشتركا مع رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي قالا فيه إن الأمة الأميركية في حاجة إلى زعامة حقيقية في هذه الظروف الدقيقة، واتهما ترامب بمواصلة "تعميق التفرقة والانقسام والكراهية والعنف، في خطوة تتسم بالجبن والضعف والخطورة".
حتى أن المحاور في "فوكس نيوز"، تاكر كارلسون، الذي كان مدافعاً قوياً عن ترامب، هاجم الرئيس قائلاً إنه كان يتخلى عن البلاد ويفكر في نفسه فقط من خلال عدم التصرف بحزم أكبر في قمع الاضطرابات. وقال كارلسون: "عندما جاء الغوغائيون، تخلى عنا... اشتعلت الأمة في نهاية هذا الأسبوع. لا أحد من المسؤولين وقف لإنقاذ أميركا... بهذه الطريقة تنهار الأمم".
ولم تقتصر الانتقادات لترامب على الداخل الأميركي، بل إن حليفه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قال إن العنف أمر مقلق للغاية. وقال متحدث باسم جونسون، أمس: "يجب أن يُسمح للناس بأن يحتجوا بطريقة سلمية". من جهته، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أمس، إن الاحتجاجات السلمية في الولايات المتحدة "مفهومة وأكثر من مشروعة". وأضاف خلال مؤتمر صحافي في برلين: "أريد أن أعرب عن أملي في ألا تؤدي هذه التظاهرات السلمية إلى مزيد من العنف، والأهم من ذلك، آمل أن تجعل هذه التظاهرات الأمور مختلفة في الولايات المتحدة". كما عبّر الاتحاد الأوروبي عن صدمته لوفاة فلويد، وأبدى أسفه "للاستخدام المفرط" للقوة من قبل رجال الشرطة.
ميدانياً، توسّعت الاحتجاجات لتشمل أكثر من 140 مدينة ومعها أعمال العنف. وذكرت الشرطة ووسائل إعلام، أمس، أن ما لا يقل عن خمسة من أفراد الشرطة الأميركية تعرضوا لإطلاق نار خلال الاحتجاجات العنيفة في سانت لويس ولا فيغاس، بعد ساعات من تعهد ترامب باللجوء إلى الجيش لوقف الاضطرابات. وفي نيويورك، تم نهب العديد من المتاجر الكبرى في الجادة الخامسة الشهيرة، مساء الإثنين، وأعلنت الشرطة توقيف "مئات" الأشخاص. وحظر التجول الذي فرض في المدينة من الساعة 11 مساء حتى الخامسة من فجر الإثنين، بدأ اعتباراً من الساعة 8 من مساء الثلاثاء، كما أعلن رئيس بلدية نيويورك بيل دي بلازيو، مؤكدا في الوقت نفسه أن المدينة "تحت السيطرة بالكامل".
وعززت لوس أنجليس وعشرات المدن الأميركية الأخرى إجراءاتها الأمنية ومددت حظر التجول الليلي. وفي واشنطن، أوقف عشرات المتظاهرين بلا عنف، مساء الإثنين، لانتهاكهم حظر التجول. وقال قائد شرطة سانت لويس بولاية ميزوري، إن أربعة شرطيين أصيبوا بالرصاص، أحدهم حالته خطيرة.
ونُشرت قوات الحرس الوطني في أكثر من عشرين مدينة كبرى لمؤازرة شرطة مكافحة الشغب في المواجهات مع المتظاهرين والمخربين، وسط توترات غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن الماضي. واستخدمت أجهزة الأمن المدرّعات المخصّصة لنقل العناصر والغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية. وفرض حظر تجول في مدن شيكاغو ودنفر ولوس أنجليس وسولت ليك سيتي وكليفلاند ودالاس وإنديانابوليس.
ومن أبرز الشعارات التي أطلقها المتظاهرون "لا يمكنني التنفس"، وهي آخر كلمات قالها جورج فلويد وهو يلفظ أنفاسه فيما كان شرطي يضغط بركبته على عنقه بينما كان يثبته أرضاً، إضافة إلى شعارات منددة بالعنصرية. وأظهر تقرير الطبيب الشرعي أن فلويد قضى اختناقاً جراء "الضغط على عنقه"، واصفاً الأمر بأنه جريمة قتل، رغم إشارته إلى أنه كان تحت تأثير مخدّر أفيوني. لكن لا إقالة الشرطي الذي وجهت إليه تهمة القتل غير العمد، ولا توقيفه أديا إلى تهدئة الأجواء.
وتُترجم هذه الحادثة تعاطي الشرطة الأميركية مع الأميركيين على أساس عنصري. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" و"يوغوف" في أعقاب مقتل فلويد، أن 57 بالمائة من الأميركيين يعتقدون أن الشرطة تعامل الأشخاص البيض بشكل أفضل من السود، لكن التصورات تختلف بشكل كبير بناءً على العرق والانتماء الحزبي. بين الأميركيين البيض، قال 52 في المائة إن الشرطة تعامل البيض بشكل أفضل من السود. وبين الأميركيين السود، تبلغ هذه النسبة 78 في المائة، بحسب الاستطلاع.
في غضون ذلك، وجد الاستطلاع أن غالبية الجمهوريين (61 في المائة)، يعتقدون أن الشرطة تعامل البيض والسود بشكل متساوٍ. بينما 80 في المائة من الديمقراطيين يعتقدون أن الشرطة تعامل البيض بشكل أفضل من السود. كما أظهر الاستطلاع، الذي تم إجراؤه بين يومي الجمعة والإثنين الماضيين، أن ما يقرب من نصف الأميركيين يرفضون طريقة تعامل ترامب مع الأحداث والاحتجاجات في مينيابوليس، حيث توفي فلويد. ووفقاً للاستطلاع، فإن 32 في المائة يوافقون على طريقة تعامل ترامب مع الأحداث، بينما يرفض 49 في المائة ذلك، وقال 19 في المائة آخرون إنهم لم يسمعوا بما يكفي لإصدار حكم.