ورفض رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وعضو المجلس الرئاسي، محمد العماري، تهديدات السيسي، خلال تصريحات تلفزيونية ليل البارحة السبت، التي اعتبرها مجلس النواب المجتمع بطرابلس، في بيان "خرقاً للقانون الدولي ومخالفة للشرعية الدولية وانتهاكاً لسيادة ليبيا".
في المقابل، رحّب نائب رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، أحميد حومه، بتصريحات السيسي، مؤكداً حقّ مصر في "الحفاظ على أمنها القومي، خاصة مع التدخل التركي في الشأن الليبي".
وجدّد المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات الجفرة – سرت التابعة لحكومة الوفاق، عبد الهادي دراه، تأكيد إصرار قوات الوفاق على استعادة السيطرة على سرت، التي ما تزال وحداتها تعسكر، للأسبوع الرابع، في محيط مدينة سرت على مسافة لا تزيد عن 30 كيلومتراً من وسط المدينة.
وقال دراه في تصريح لـ "العربي الجديد": "موقفنا من وجود مليشيات حفتر والمرتزقة الداعمين له في سرت لم يتغيّر، ونحن مصرّون على استعادة السيطرة عليها ولن تزيدنا تصريحات المتدخلين في الشأن الداخلي لبلادنا إلا إصراراً"، وذلك رداً على ما جاء في كلمة السيسي الذي وصف سرت والجفرة بكونهما "خطاً أحمر بالنسبة إلى مصر"، داعياً إلى "التزام القوى المتصارعة بالخطوط التي وصلت إليها، والبدء في محادثات لوقف إطلاق النار".
Facebook Post |
وكان دراه أول المسؤولين الليبيين الذين عبروا عن رفضهم تصريحات السيسي، فقد اعتبرها "تدخّلاً سافراً في شؤون بلادنا، وإعلان حرب على ليبيا".
وأضاف دراه، في منشور على حسابه على موقع "فيسبوك": "قواتنا عازمة على إكمال المشوار وتحرير كامل المنطقة من مليشيات حفتر الإرهابية ومرتزقته وداعميه".
الأكاديمي الليبي، خليفة الحداد، اعتبر محاولة السيسي بناء خط فاصل داخل ليبيا بين الشرق والغرب تمهيداً لتكريس مبدأ التقسيم المبني على توزيع الثروة الليبية الذي طالما تحدث عنه في أكثر من مناسبة.
Twitter Post
|
وقال الحداد لـ "العربي الجديد" إن "سرت التي تقع بعيداً عن الحدود المصرية تنتصف المسافة في الفضاء الجغرافي الليبي من جانب ومن جانب آخر فهي تفصل بين أشكال التركيبة الاجتماعية، فمزيج القبائل شرق سرت يختلف عن الموجودة غربها"، مشيراً إلى أن خطاب السيسي كان يحمل إشارة إلى ذلك، وهو يتحدث عن سرت بحضور زعامات قبلية من شرق ليبيا.
كذلك رجّح الحداد أن الحديث عن حضور رموز قبلية ليبية دون وجود ضباط موالين لحفتر أو حفتر شخصياً قد يعني تخلياً مصرياً نهائياً عن حفتر.
ويرى الحداد في تحليله خطاب السيسي بأنه يهدف إلى ضرب وحدة التراب الليبي من خلال استغلال العوامل ذاتها التي كان حفتر يعلب على وترها، ممثلة في القبائل في شرق ليبيا التي تقع منابع النفط وموانئه ضمن مناطق نفوذها.
Facebook Post |
وفيما ربط مقصد السيسي من حديثه عن سرت بالسيطرة على النفط، أكد الحداد أن الرئيس المصري لن يتدخل بشكل مباشر في ليبيا ولكنه في الحقيقة كان يلوح باستخدام القبائل في أي مواجهة مع قوات الوفاق، مهدداً في الآن نفسه بورقة التقسيم.
وتعد قبيلة المغاربة الفصيل القبلي الأبرز الذي يمتد نفوذه من أجدابيا (150 كيلومتراً غرب بنغازي) وحتى المناطق المتاخمة لسرت شرقاً، مروراً بمناطق الهلال النفطي التي تتوزع فيها خمسة مواقع نفطية وأكبر أربعة موانئ لتصدير النفط والغاز في ليبيا.
وفي اتجاه الجنوب، حيث منابع النفط الموزعة في الصحراء وحوض النفط، يمتد نفوذ قبائل أخرى من مثل المجابرة التي تتمركز في مدينة جالو (400 كيلومتر جنوب أجدابيا)، والزوية وتمركزها في مدينة الكفرة الحدودية مع السودان.
لكن أهمية سرت، بحسب الخبير الأمني الليبي الصيد عبد الحفيظ، تكمن في موقعها الاستراتيجي والعسكري، بالإضافة إلى توفرها على مزيج من القبائل الليبية، ما يجعلها تمتلك تمثيلاً قبلياً لأغلب قبائل الشرق. كما أنها تتوفر على قاعدة القرضابية العسكرية الأهم في وسط البلاد والتي تقع على مسافة 13 كيلومتراً جنوب سرت.
ويحدد عبد الحفيظ في حديثه لـ"العربي الجديد" أهمية القاعدة كونها ترتبط بالقطاع العسكري الذي تسيطر عليه قاعدة الجفرة، في الجنوب، بمسافة مختصرة لا تزيد عن 300 كيلومتر عبر طرقات صحراوية، مضيفاً أنه "يمكن من خلال قاعدة القرضابية والجفرة السيطرة على الأجواء والأرض في أغلب منطقة الوسط".
وتتوفر مدينة سرت على أهمية بالغة بالنسبة للأطراف المعنية بليبيا، وتحديداً تركيا، التي تربطها اتفاقات أمنية وعسكرية وقعتها مع حكومة الوفاق، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من بينها الاتفاق البحري الذي يرسم حدوداً مائية في البحر المتوسط.
ويوضح الحداد أن حوض سرت هو من أكبر أحواض الغاز في البحر المتوسط ولن تكون للاتفاقية البحرية بين حكومة الوفاق والحكومة التركية أي أهمية دون هذا الحوض، مشيراً إلى أن حديث السيسي عن سرت وتهديداته تهدف إلى إفشال هذا الاتفاق وإبقائه حبراً على ورق بعيداً عن الواقع.
وأكد الحداد أن تهديدات السيسي جاءت كرد فعل على نجاح الدبلوماسية التركية التي حققت تقارباً مهماً مع إيطاليا مؤخراً، وهي من أهم الدول المستثمرة في الغاز الليبي من خلال شركة "ايني" والمرتبطة أيضاً بحقول مصرية للغاز في البحر المتوسط.
ولفت الحداد إلى أن سرت باتت تمثّل شبكةً من المصالح المرتبطة بملفي النفط والغاز، المهمين للدول المرتبطة بالصراع الليبي، وتحديداً روسيا وتركيا وإيطاليا، لكنه في الوقت ذاته قلل من أهمية تهديدات السيسي بالتدخل العسكري المباشر كونها تستدعي تدخلاً تركياً أكثر حدة، وهو ما لن يقبل به المجتمع الدولي. واعتبر التلويح بالخيار العسكري يشكل تهديداً عسكرياً قريباً من حدود مصر التي كان السيسي حتى وقت قريب يقدمها كوسيط للسلام من خلال مبادرته السياسية التي أعلن عنها من جانب واحد بداية الشهر الحالي، بهدف إنقاذ حليفه حفتر، الذي تلقّى هزائم عسكرية كبيرة.