وبعد انهيار مليشيات حفتر في محيط طرابلس وجنوبها، وانسحابها السريع نحو مراكزها السابقة، تحولت مدينة سرت، التي تقع في منتصف البلاد، إلى مركز للصراع. فلقرابة الشهر، لا تزال قوات حكومة "الوفاق" تعسكر على تخومها، فيما اعتبرتها القاهرة "خطاً أحمر"، لكن المدينة في الوقت ذاته قد تكون محور الحل السياسي وبداية نقطة إنهاء الصراع.
وكشفت مصادر ليبية متطابقة، حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، تلقي أطراف الصراع في ليبيا، بمباركة إقليمية، مبادرة أميركية تقترح أن تكون مدينة سرت خالية من سلاح أيٍّ من طرفي الصراع في البلاد، لتكون مركزاً لعمل حكومة وحدة وطنية تتفق عليها مختلف التيارات والأطياف الليبية.
وأوضحت المصادر أنّ الطرفين، سواء حكومة "الوفاق" في طرابلس، أو مجلس النواب المجتمع في طبرق، باركا مبدئياً المقترح الأميركي الذي لم يطرح عليهما مباشرةً، بل من طريق إيطاليا.
وأكد مصدر أنّ واشنطن "لا تزال ترى في إيطاليا شريكاً حقيقياً وفعلياً لها في ليبيا، تتجنب من خلالها الانجراف إلى ساحة الصراع الليبية، التي تورطت فيها عدة أطراف دولية، كذلك فإنها تتجنب من خلالها الدخول في مواجهة مع روسيا التي تطمح إلى الحصول على موضع قدم عسكري في البلاد".
وأضافت المصادر أنّ المقترح، الذي وجدت فيه مصر وسيلة تؤمنها من خطر تقدم قوات "الوفاق" المدعومة من تركيا نحو الشرق الليبي، تسعى من خلاله واشنطن إلى إبعاد روسيا عن سرت، بجعل المدينة محوراً للحل في ليبيا وتحويلها إلى عاصمة مؤقتة تضم حكومة البلاد المقبلة، لتقطع الطريق على مساعي موسكو للتموضع العسكري في المدينة المشرفة على البحر المتوسط، لما يمثل وجودها فيها من خطر على المصالح الأميركية هناك.
ويوفر المقترح مخرجاً لبقايا معسكر حفتر في الشرق الليبي، بحسب الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي. فــ"حرب حفتر على طرابلس حولتها بالنسبة إلى الشرق الليبي خصماً عسكرياً وليس سياسياً فقط، والعكس كذلك، وبالتالي فاقتراح سرت بدل طرابلس كنقطة لتلاقي الطرفين مناسب جداً لحلفاء حفتر في الشرق الليبي".
وكان رئيس مجلس النواب المجتمع في طبرق، عقيلة صالح، قد أشار خلال لقاء أجرته معه قناة ليبية، ليل أمس الأربعاء، إلى وجود مقترح أميركي "كحل وسط ومناسب" لكل الأطراف الليبية، ينتظر أن تعلنه الأمم المتحدة وتتبناه، دون أن يدلي بتفاصيل أكثر.
ووصف الجواشي لــ"العربي الجديد" المقترح، سواء كان من أميركا، أو جاء من طريق وسيط حليف لها، بـ"المناسب والمنطقي جداً"، لكنه اعتبر أنّ "الأزمة باتت أعمق من ذلك بكثير، بسبب حجم التركة التي خلفها حفتر لحلفائه وخصومه أيضاً".
وتتمثل تلك الأزمة، بحسب الجواشي، في اتجاه الشرق الليبي إلى حالة فراغ بعد انحسار دور حفتر واختفائه التدريجي عن المشهد، متسائلاً: "من يمثل الآن طرف حلفاء حفتر في الشرق الليبي؟".
وعن وجود عقيلة صالح، لفت الجواشي إلى كمّ المواقف والبيانات التي صدرت عن مجلس النواب المجتمع بطرابلس في الآونة الأخيرة، والتي تؤكد وصف صالح بأنه "عضو مقاطع"، وتسحب منه شرعية رئاسة مجلس النواب "الذي لم يعد له وجود حقيقي في طبرق بعد التحاق أغلب أعضائه بجلساته في طرابلس"، بحسب الجواشي.
ولا تتوقف تداعيات إرث حفتر عند حدّ الهزيمة العسكرية، برأي الحواشي، بل ستتعداها إلى المستوى السياسي بالنسبة إلى حلفائه، مؤكداً أنّ "من العسير إيجاد بديل سياسي لحفتر وعقيلة صالح الذي تدفع القاهرة به إلى المشهد، وكان إلى وقت قريب واجهة سياسية لمشروع حفتر، فيما يظهر أنه سقط فعلياً مع حفتر".
من جهته، يرى الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، الذي يقرّ بحجم تداعيات انكسار مشروع حفتر، في مواقف مجلس النواب المجتمع بطرابلس من عقيلة صالح محاولة لإقصائه من المشهد لإنتاج بديل سياسي له، خصوصاً بعد بروز رموز قبلية وتيارات معارضة لحفتر في شرق البلاد.
ولفت الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المقترح الأميركي أخذ بكل تأكيد في حسبانه شكل الصراعات الداخلية وممثليها من جانب، ومن جانب آخر يؤكد أنّ له أبعاداً لا تعطي للأطراف الداخلية هامشاً كبيراً لمعارضته، لكونه يتعلق بمصالح الدول الكبرى، ولكونه يستهدف إفشال مساعي روسيا للحصول على موضع قدم في سرت قريباً من البحر المتوسط".
وأشار الأكاديمي الليبي إلى أهمية أخرى تتعلق بموقع مدينة سرت كأنسب المدن لإدارة البلاد، "فعلاوة على كونها تنتصف ليبيا وتتوافر على تمثيل قبلي من قبائل الشرق والغرب، فهي أيضاً تمكّن الحكومة من إدارة النفط الليبي الذي يتركز أغلبه في حوض سرت ومنطقة الهلال النفطي المتاخمة لها من ناحية الشرق، كذلك فإنها تتوافر على قطاع عسكري يربطها بالفضاء الجنوبي للبلاد".