في ليبيا، لا يوجد ما اتفق عليه المختلفون، بشدة، إلا يوم 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في البلاد. هذا يرتبط بأذهان الليبيين كيوم للخلاص، كأنه يوم المعجزة التي ستأتي برجل يملأ الأرض عدلاً، ويوحدها، بعدما ملئت ظلماً وتقسيماً. ولم ينتبه أحد، إلى أن 24 ديسمبر 2021، يوافق الذكرى الـ70 لاستقلال ليبيا، الذي كانت سبقته عشر سنوات من النضال السياسي للآباء المؤسسين لوحدة البلاد، و30 سنة قبل ذلك، لا شيء فيها إلا وحدة الكلمة والوجدان ضد دولة مستعمرة، ولذا جاء 24 ديسمبر 1951، ليكون تتويجاً لفيض حضاري من الفهم العميق لمسألة الأمة. فماذا عن الآن؟
الانتخابات هي نتاج لمشروع وطني يشكل عقداً اجتماعياً بتفاهمات راسخة حول قيم التعايش والهوية والوحدة، ليكون الاستحقاق مجرد إجراء تقني يضفي الشرعية على مؤسسات منتخبة تمثل كل الطيف المجتمعي. ولا تزال الانتخابات، وفق التقاليد الديمقراطية، أنجع الوصفات السياسية لنهاية مراحل النضال السياسي. لكن في بعض دول العالم العربي، ومن بينها ليبيا، يتحول اليوم المنتظر للانتخابات إلى مجرد تعويذة سياسية، تلجأ إليها دول فاعلة في المشهد الليبي، لتمرير مكاسبها والإبقاء على مصالحها.
ولتلك الدول الفاعلة في المشهد الليبي، أذرعها المحلية، التي تمثلها بالوكالة، سواء في الصراعات المسلحة أو السياسية. فلم يتوقف مجلسا النواب والدولة عن تمثيل سياسات ومصالح أطراف إقليمية ودولية تكاد تكون هي ذاتها، التي مثلتها أثناء مفاوضات الحوار السياسي، الذي رعته الأمم المتحدة طيلة عام 2015، وأنتج اتفاق الصخيرات، الذي كان يفترض به أن يجمد الصراع الليبي لمدة عام، لتذهب البلاد في نهايته إلى انتخابات وطنية. لكن على العكس، أنتج اتفاق الصخيرات ما شهدته ليبيا من صراع وحروب أهلية، طاولت مختلف أنحاء البلاد، وكرست حالة من الانقسام والتعقيد الشديد، ليعلن المجتمع الدولي عن منتدى سياسي آخر، حدّد قبل كل شيء، اثناء اجتماعاته في منتجع قمرت التونسية، يوماً محدداً للانتخابات.
أكثر أعضاء منتدى الحوار السياسي، الذي أنتج خريطة الطريق التمهيدية للانتخابات المقبلة، أكدوا أن رئيسة البعثة الأممية بالإنابة حينها، الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز، هي من اقترحت يوم 24 ديسمبر موعداً للانتخابات (التشريعية والرئاسية، قبل أن يؤجل مجلس النواب موعد التشريعية إلى يناير/كانون الثاني 2022). بل وضمّنت وليامز الموعد في الخريطة السياسية.
والآن، ومع تراجع دور منتدى الحوار السياسي، بدأت الأصوات تتحدث عن الفخ الذي وقع فيه الليبيون، وأن هذا المنتدى لم يختلف كثيراً عن منتدى الصخيرات الذي سبقه، والذي أفرز أسوأ حالة انقسام مرت بها البلاد. فماذا ينتظر ليبيا بعد 24 ديسمبر المقبل، الذي تصر كل العواصم الكبرى والصغرى على ضرورة إجراء الانتخابات فيه؟