انطلق اليوم، الجمعة، فصل جديد من المفاوضات داخل البرلمان التونسي بعد حسم تكوين 6 كتل نيابية جديدة، ليبقى نحو ربع نواب المجلس خارج التكتلات، ما عقّد نظام المحاصصة، وفتح أبواب الصراع حول أهم المناصب البرلمانية في مكتب الرئيس ورئاسة اللجان.
وأعلن رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، خلال جلسة عامة، أمس الخميس، عن تكوين 6 كتل برلمانية، انضم إليها نحو 115 نائباً من جملة 154، لتبرز مجموعة من 39 نائباً لم ينضموا إلى أي كتلة، من ضمنهم النائب وجدي الغاوي الذي يقبع في السجن منذ بداية أشغال المجلس، بسبب قضية تزوير انتخابي، ولم يتم تعويضه بعد، وبالتالي امتنع 38 نائباً عن تشكيل أي كتلة واختاروا مراقبة الوضع، رغم أنّ نصاب تشكيل الكتل هو 15 عضواً على الأقل كما يشترط القانون.
ولم يعلن بودربالة عن حصص الكتل والنواب غير المنتمين، من المناصب، وكيفية توزيع المسؤوليات.
واستنكر النائب هشام حسني، في تدوينة على "فيسبوك"، بقاء الجلسة العامة مفتوحة إلى يوم الثلاثاء المقبل دون تحديد سقف واضح، قائلاً: "لا أدري لماذا هذا التعطيل في انطلاق البرلمان في وظيفته التشريعية.. البقاء على جلسة مفتوحة إلى يوم الثلاثاء غير مبرر".
ودخل البرلمان في مفاوضات وصراعات داخلية لتوزيع المناصب، وهو ما دفع العديد من النواب للبقاء خارج الكتل بسبب عدم تمكينهم من منصب في مكتب البرلمان، بحسب ما كشفه مصدر لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، مشيراً إلى أنّ "بودربالة بحث عن تشكيل كتلة تدعمه ولكن لم يتسن ذلك".
وقال المصدر إنّ "كتلة مساندة لرئيس البرلمان ستجنبه هاجس التهديد بسحب الثقة أو تغييره من الرئاسة مستقبلاً، وإن كانت الأمور على أفضل ما يكون حالياً".
وقرر بودربالة ترحيل الجلسة العامة للأسبوع المقبل، حتى تستقر الكتل وتتوصل إلى تفاهمات مع غير المنتمين، لإيجاد صيغة تفضي لتكوين مكتب المجلس وانطلاق اللجان دون خلافات.
وتتصدر الكتلة النيابية "صوت الجمهورية" بـ25 عضواً، وهي كتلة حزبية تمثل حزب صوت الجمهورية الذي يرأسه الأمين العام السابق لحزب نداء تونس والوزير في حكومة هشام المشيشي المقالة بقرار رئاسي رجل الأعمال علي الحفصي.
وأسندت رئاسة الكتلة الكبرى للقيادية السابقة في حزب نداء تونس آمال المؤدّب، وهي رئيسة سابقة لبلدية تونس المدينة، وقد تم سجنها قبيل انطلاق عمل المجلس بسبب قضية انتخابية، قبل أن يتم الإفراج عنها.
وتأتي في المركز الثاني "الكتلة الوطنية المستقلة"، وعدد أعضائها 21 نائباً، ويترأسها عماد أولاد جبريل، القيادي السابق في حزب نداء تونس، وعضو البرلمان المنحل عن حزب قلب تونس الذي أسسه رجل الأعمال الفار نبيل القروي، والذي ترأس لجنة إعداد النظام الداخلي الجديد. أما نائب رئيس الكتلة أيمن بن صالح فهو من القيادات المحلية لحزب نداء تونس قبل أن يدخل الانتخابات بوصفه مستقلا.
وتبرز في المرتبة الثالثة عددياً الكتلة النيابية "الأمانة والعمل"، وعدد أعضائها 20 نائباً، ويرأسها فخري عبد الخالق، القيادي سابقاً في حزب المبادرة، وعضو بلدية المحمدية مرشحاً عن حزب المبادرة، الذي أسسه القيادي في حزب التجمع المنحل وزير الدفاع زمن زين العابدين بن علي كمال مرجان.
أما الكتلة الرابعة، فبلغ عدد نوابها 19، وسميت "كتلة الأحرار"، ويرأسها الطبيب صابر المصمودي.
وتشكلت كتلتان، الخامسة والسادسة، بالحد الأدنى القانوني لتشكيل كتلة برلمانية، من 15 نائباً على الأقل. الكتلة الخامسة هي "لينتصر الشعب"، برئاسة علي زغدود، وتحمل اسم المبادرة المناصرة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، وترشح باسمها رئيس البرلمان الحالي إبراهيم بودربالة قبل أن ينشب خلاف داخلها.
والكتلة السادسة التي تضم 15 نائباً بدورها، هي كتلة "الخطّ الوطني السيادي"، وهي تحالف يجمع نواب حركة الشعب (قومي ناصري) مع نواب حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يساري أسسه شكري بلعيد الذي اغتيل في 2013).
ويترأس الكتلة القيادي في حزب الوطد يوسف طرشون، وهو مساند لتيار النائب السابق منجي الرحوي بعد انقسام الحزب، بينما قبلت حركة الشعب بمنصب نائب رئيس الكتلة رغم أغلبيتها بـ11 نائباً، وذلك بتعيين رئيس مكتبها السياسي عبد الرزاق عويدات في المنصب.
وينص القانون الداخلي للبرلمان على أنه "لكل خمسة عشر عضواً أو أكثر حق تكوين كتلة نيابية، ولا يجوز للحزب أو الائتلاف نفسه أن تكون له أكثر من كتلة نيابية واحدة. يُمكن لكل عضو من أعضاء المجلس الانتماء للكتلة التي يختارها. ولا يُمكن للعضو الانتماء إلى أكثر من كتلة نيابية واحدة".
ويمنع القانون التنقل بين الكتل البرلمانية، حيث ينص على أنه "إذا انسحب نائب من الكتلة النيابية التي كان ينتمي إليها عند بداية المدّة النيابية أو اثناءها لا يجوز له الالتحاق بكتلة أخرى".
بداية فصل من الصراع
وتتنافس الكتل على أهم المناصب في البرلمان، وكلها مناصب مساعدي رئيس المجلس وعددها 10:
- نائب مساعد للرئيس مكلف بشؤون التشريع
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالعلاقات مع رئاسة الجمهورية والحكومة
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالعلاقات مع السلطة القضائية والهيئات الدستورية والوطنية
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالعلاقة مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالعلاقات الخارجية وبالتونسيين بالخارج والهجرة
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالعلاقات مع المواطن والمجتمع المدني
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالإعلام والاتصال
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالتصرف العام
- نائب مساعد للرئيس مكلف بالإصلاحات الكبرى
- نائب مساعد للرئيس مكلف بشؤون النواب
وينص القانون الداخلي على أنه "يتم اعتماد النواب المساعدين للرئيس، مـا عدى نائبَيْه، بالتمثيل النسبي. وللكُتل الأكثر أعضاء الأولوية في اختيار المسؤوليات بالتناوب واحدة بواحدة. وتُراعى في ذلك حصة مجموع غير المُنتمين".
وتبرز الصعوبة في تحديد حصص النواب غير المنتمين وعددهم نظرياً 46 عضواً؛ 38 نائباً رفضوا التكتل بوضوح، وباعتبار أنّ المجلس منقوص من النائب السجين وجدي الغاوي، وكذلك من 7 نواب آخرين لم يتم انتخابهم بعد، وقد انطلق المجلس الجديد بـ154 عضواً فقط من جملة 161 مقعداً ضبطها الدستور بسبب عدم تسجيل ترشحات في 7 دوائر في الخارج.
ويتصدر رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة قائمة البرلمانيين الرافضين للكتل إلى جانب عدد هام من مناصري الرئيس سعيّد الذين طفت أسماؤهم خلال الحملة الانتخابية، على غرار فوزي دعاس عضو الحملة التفسيرية، والنائبة السابقة في "نداء تونس" فاطمة المسدي.
ودوّنت النائبة المستقلة ريم الصغير، على صفحتها في "فيسبوك"، أنّ "أول خطواتنا في الفكر النيابي الجديد أنني ماضية قدماً في التشبث برأي دائرتي وقواعدنا في عدم التكتل الذي يعد آلية غير ناجعة لتنفيذ القوانين والتشريعات ومن ثم البرامج".
واستغرب النائب بالبرلمان المنحل زياد الهاشمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، ما وصفه "تشدق الأحزاب المساندة والمناصرة فور انتخابها ببرلمان سعيّد بعزمها على تشكيل كتل كبيرة بـ80 و60 نائباً على غرار (حركة الشعب) و(لينتصر الشعب)، لتظهر اليوم أنها بالكاد قادرة على تحصيل الحد الأدنى".
وتطرق الهاشمي إلى اعتماد نواب المجلس الجديد القانون الداخلي السابق نفسه "ولكن بصيغة مشوهة وبنظام أعرج"، و"سقوطهم في نظام المحاصصة البرلمانية بعدما تمت شيطنة الأحزاب والكتل ونظام النسبية في المجلس السابق على أساس اقتسام المناصب".
من جهته، قال عضو الكتلة الوطنية المستقلة ثابت العابد، لـ"العربي الجديد"، إنه سيتم توزيع المسؤوليات في مكتب المجلس وعددها 10 مناصب نواب مساعدين للرئيس حسب حجم الكتل وتمثيلها النسبي، بحساب مقعد لكل كتلة من الكتل الست ومقعد ثان للكتلة الكبرى "صوت الجمهورية" فيما سيتم إسناد 3 مقاعد لغير المنتمين للكتل.
وبيّن أنّ "الكتل المنظمة ستقدم ممثليها في مكتب المجلس بينما ينتظر أن ينتخب 3 من غير المنتمين".
واعتبر العابد أن ترحيل الجلسة العامة إلى الأسبوع المقبل "جاء ليفسح المجال للكتل وغير المنتمين للتشاور في ما بينهم"، مضيفاً أنه "لن يتم تعطيل أعمال المجلس باعتبار أنّ غير المنتمين هم في حقيقة الأمر مجموعتان برلمانيتان تنسقان في ما بينهما؛ أي كتل موازية ستتوصل إلى انتخاب من يمثلها".
وبيّن أنه لم تعد هناك إمكانية لتشكيل كتل جديدة بعد الآن، ولكن يمكن لغير المنتمين الانضمام إلى إحدى الكتل الموجودة، "وبالتالي هي مناسبة لتثبت الكتل جدارتها ونجاعتها لتقنع من يريد الالتحاق بها"، بحسب قوله.
وأشار العابد إلى أن "تكوين المكتب وتوزيع المسؤوليات يعد شأناً داخلياً ويجب أن ينطلق المجلس في القيام بوظيفته والانكباب على الأولويات التي تنتظره".