يعيش السوريون في هذه الأيام الذكرى الـ39 لأحداث مجزرة حماة التي ارتكبتها قوات نظام حافظ الأسد في مدينة حماة وسط سورية، تلك المجزرة التي بدأت في الثاني من فبراير/ شباط عام 1982، واستمرت على مدى 27 يوماً، جرى خلالها قتل آلاف السكان وتدمير أحياء بأكملها، كما يروي عدد ممّن عاشوا هول هذه المجزرة لـ"العربي الجديد".
وبدأت المجزرة بحصار جيش النظام ومليشيات "سرايا الدفاع" التي كان قائدها شقيق رئيس النظام رفعت الأسد، حيث جرى قصف أحياء في المدينة بكثافة من المدفعية قبل الاجتياح البري، وفي حين لا توجد تقارير دقيقة عن عدد الضحايا الذين خلّفهم القصف والاجتياح البري، إلا أنها تقدر بأكثر من عشرين ألفاً، وتقدر بعض التقارير بأن عدد القتلى تجاوز 40 ألفاً.
ويزعم النظام السوري عبر وسائل إعلامه أن رواية المجزرة غير صحيحة، وهو يدّعي أن جماعات مسلّحة هاجمت جنود الجيش والمدنيين على غرار المزاعم التي يروّج لها منذ مارس/ آذار 2011، إذ يتهم جهات معارضة يصفها بـ"الإرهابية" بالوقوف وراء المجازر التي يرتكبها بحق المعارضة والسكان.
وبحسب الروايات المنشورة عن المجزرة، فإن النظام واجه حركة تمرّد من قبل تنظيم "الإخوان المسلمين"، وانتقم من كلّ سكان المدينة، حيث نشأ صراع قديم بين "حزب البعث" الذي يصف نفسه بـ"العلمانية والوطنية والقومية"، وبين جماعة "الإخوان المسلمين" التي تنسب لنفسها أيضاً صفات "الإسلامية" ووجوب أن تكون القومية هي "الإسلام".
وعلى مدار سنوات، جرى صراع بين الطرفين، تحوّل في أحيان كثيرة إلى صراع مسلّح، وأصدر النظام عدة قوانين تنص على تنفيذ عمليات إعدام بحق معتقلين ومنتسبين إلى الجماعة، كما نفذت الجماعة عدة هجمات مسلّحة ضد النظام وجيشه، والتي كان آخرها صدام مسلّح مع ما يسمّى بـ"الطليعة"، والتي لجأ آخر مقاتليها إلى مدينة حماة وتحصنوا في أحيائها.
وكانت ذريعة مواجهة هؤلاء المطية التي استغلها النظام السوري لدكّ مدينة حماة، إذ بدأ بحصار المدينة عن طريق العديد من التشكيلات التي تضم آلاف الجنود، وكان أبرزها "سرايا الدفاع" التي يقودها رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد.
وفي الثاني من فبراير، بدأ حصار المدينة وعزلها عن محيطها بالكامل، وقطع الكهرباء والاتصالات الأرضية بشكل كامل عنها، ومع مساء ذلك اليوم، بدأ النظام بقصف المدينة حتى الصباح ليستمرّ في القصف والاقتحام مدة 27 يوماً، جرى خلالها ارتكاب أفظع الجرائم بحق السكان من قتل واعتقال واغتصاب وتدمير.
وتقول مصادر لـ"العربي الجديد" إنّ النظام دمّر أحياء بأكملها، ومن أبرزها حي الحاضر الذي حوّله النظام إلى كومة من الحجارة في بداية المجزرة، لينتقل بعدها إلى الأحياء الأخرى ويسرق المنازل بعد إعدام سكانها جماعياً، واعتقال آخرين ونقلهم إلى سجون أخرى لينفذ بهم أحكام إعدام.
ومن أبرز الأحداث، وفق مصادر "العربي الجديد" التي فضلت عدم كشف هويتها لأسباب مرتبطة بأمنها، كانت مجزرة السوق، حيث لجأت عائلات كثيرة إلى الأقبية هرباً من القصف المدفعي، ومع وصول النظام إلى تلك الأقبية، جمع السكان وأخرجهم جميعاً، ونفذ بهم إعداماً جماعياً، وقد قُتل قرابة ألفي شخص، بمن فيهم نساء وأطفال أيضاً.
وارتكب النظام عدة مجازر في حي البياض وحي الدباغة وحي الباشورة وحي الشمالية، حيث قتل عائلات بأكملها ذبحاً ورمياً بالرصاص وحرقاً بالنيران، وقام برمي الجثث في مقابر جماعية حفرها في المدينة أو في مقابر جماعية خارج المدينة.
واقتحم النظام المدارس والمساجد وقتل كلّ من وجد فيها من أطفال ونساء، وبحسب المصادر أيضاً، فقد أحرق عناصر النظام مفتي حماة في ذلك الوقت الشيخ بشير المراد حياً، وقتل معه أيضاً جميع أفراد عائلته.
ويقول طلال الأحمد، وهو أحد سكان مدينة حماة لـ"العربي الجديد"، "كان عمري سبع سنوات عندما ارتكب النظام المجزرة. عندما بدأ باقتحام المدينة كنا نلعب أنا وأصدقائي في أحد شوارع حي الحاضر، جميعهم كانت منازلهم قريبة، وأنا الوحيد الذي كان منزلي بعيداً فاختبأت داخل محل تجاري كانت بوابته قد تضررت نتيجة القصف".
ويضيف الأحمد أنه بات ليلة في ذات المحل الذي اختبأ فيه، مشيراً إلى أن صغر حجمه كان له الدور الكبير في نجاته من القتل، إذ اختبأ حينها في إحدى زوايا المحل، أثناء مداهمة جنود النظام المنطقة.
وبحسب الأحمد، فإن الجثث كانت تملأ الشارع، وقد رآها في صباح اليوم التالي عندما انتهى الاقتحام وتجمّع جنود النظام في الساحات العامة والشوارع الرئيسية، وكان من بينهم أحد إخوته، الذي قتل أثناء عودته من العمل.
بدوره، يقول محمد يوسف من بلدة قمحانة جنوبي حماة، لـ"العربي الجديد": "كان عمري آنذاك 12 عاماً. كنا نشاهد سحب الدخان تتصاعد من المدينة، وأصوات القصف وإطلاق النار لا تهدأ، كنت أسأل والدي ماذا يحدث في حماة وكانوا يسكتونني في كل مرة أكرر فيها السؤال".
ويؤكد يوسف في حديثه أنه لم يعرف ما حدث في حماة إلا أثناء دراسته الجامعية في مدينة دمشق، حين أخبره أحد أصدقائه من أبناء المدينة، وأخبره أيضاً أنه خسر والده وأخاه الأكبر وزوج أخته آنذاك.
ومنذ ذلك الوقت، لم يلقَ المسؤولون في النظام السوري أي محاسبة على المجزرة، فيما يستمر نظام بشار الأسد على خطى والده حتى اليوم بارتكاب المجازر بحق السوريين في مختلف أنحاء البلاد.