بعد مرور أربع سنوات على تولي قيس سعيد منصب الرئاسة في تونس، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تتباين آراء التونسيين حيال ما تم تحقيقه في عهد سعيد حيث تصفها المعارضة بأنها من أحلك الفترات التي عاشتها تونس، بينما يعتبر داعمو الرئيس أنها مرحلة إنقاذ وتصحيح للمسار.
وعرفت تونس أزمات خانقة منذ 2019 ازدادت حدتها خلال جائحة كورونا، وتعمقت أكثر عبر الصراع بين مؤسسات السلطة الذي انتهى بانقلاب مؤسسة الرئاسة على البرلمان التونسي في 25 يوليو/تموز 2021 وتفرد قيس سعيد بالحكم واحتكار جميع السلطات وإزاحة معارضيه.
كما ألغى سعيد دستور 2014 وجميع المؤسسات المنبثقة عنه، وعوضه بدستور صاغه بنفسه ومرره باستفتاء في 2022 وكانت نسب المشاركة في الاستفتاء ضعيفة.
وعصفت بالبلاد نكسات اقتصادية واجتماعية حادة وتعمقت أزمة المواد الأساسية وارتفعت الأسعار بشكل كبير، وفي مقابل ذلك اتهم سعيد معارضيه بـ"التآمر على أمن الدولة وافتعال الأزمات والاحتكار والمضاربة بغاية تعطيل مسار الإصلاح والإنقاذ الذي يقوده" بحسب قوله.
وقال أستاذ القانون الدستوري، خالد الدبابي، لـ"العربي الجديد" إن تونس "شهدت تقهقراً على جميع المستويات، رغم عدم إنكارنا لوجود ثغرات وهنات في منظومة دستور 2014 السابقة، وبدلاً من تدارك هذه الهنات فقد عمّقنا منها وخلقنا هنات جديدة".
واعتبر الدبابي أن "دستور 2014 رغم نقائصه يبقى أفضل بكثير من دستور 2022 المرتبك على مستوى الصياغة، منذ التوطئة التي تحمل مشاكل عويصة على مستوى الخيارات والصياغة، التي تعد صياغة إنشائية أدبية بعيدة عن الصياغة القانونية، وكذلك في عديد الإشكاليات الجوهرية في بنود الدستور".
وأضاف الدبابي أن "النظام السياسي الذي وُضع خلال هذه الفترة أخطر بكثير من نظام الحكم في دستور 2014 الذي كان يمكن تدارك وإصلاح ما فيه والمرور لنظام ديمقراطي متوازن، ولكن بدستور 2022 عدنا إلى نظام الرئاسوية التي ثار عليها الشعب التونسي في 2011 وكانت موجودة في دستور 1959 في ولايتي الحبيب بورقيبة وبن علي، وقد أخذ دستور 2022 عصارة التعديلات الدستورية التي زادت من الجرعة الرئاسوية لنظام الحكم الذي كان موجوداً".
في المقابل، أكد رئيس المكتب السياسي لـ"مسار 25 جويلية"، عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "بالعودة إلى عهدة الرئيس، نسجل أن أهم منجز بقي راسخاً في الأذهان هو 25 يوليو 2021 وهو أكبر إنجاز باعتباره انتصاراً على المنظومة القديمة التي لم تنجز شيئاً خلال العشرية، واستعادة للثورة المغدورة"، مشدداً على أن "سعيد صحح مسار ثورة 2011 بتجديد المؤسسات ومراجعة أخرى وانتهاج نهج جديد في بناء جمهورية جديدة، من خلال الدستور والانتخابات وتركيز مجلس النواب".
وتابع الخلولي أن"أكبر منجز لقيس سعيد قبل 25 يوليو 2021 هو جلب اللقاحات في زمن كورونا وخلال فترة الوباء، وعندما استهترت حكومة المشيشي بالوباء يُحسب للرئيس سعيد ما أنجزه".
وأضاف أن هناك "بطئاً وصعوبات على المستوى الاقتصادي، ولذلك لا يمكن أن نحاسب قيس سعيد على إنجازات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لأسباب عديدة داخلية وخارجية وأزمات مفتعلة، ولأنها كانت فترة صراع على الشرعيات وعلى الحكم، وهو ما لم يمكّن الحكومة وقيس سعيد من الإنجاز رغم وجود الإرادة، وكذلك لعدم وجود من يساند هذه الإرادة، وهو ما يفسر دعوتنا إلى تطهير المناخ السياسي والاقتصادي وتطهير الإدارة التي تعد امتداداً للسلطة السياسية والجهاز التنفيذي".
وقال القاضي لدى محكمة الاستئناف، عمر الوسلاتي، لـ"العربي الجديد": "نسجل بعد أربع سنوات أن الصورة البارزة هي انتكاسة الضمانات المتعلقة باستقلال القضاء والضمانات الأساسية التي تم الرجوع عنها، واستسهال الإيقافات حيث نجد عديد الصحافيين ملاحقين اليوم في قضايا رأي من المفروض أن دستور 2022 يكفلها".
وشدد الوسلاتي على أنها "فترة انتكاسة على مستوى استقلال القضاء ووضع الحريات وهذا بشهادة منظمات وهيئات دولية"، مضيفاً أنه "بعد أربع سنوات لم يعد هناك أي مؤسسات، ولم تبق سوى مؤسسة واحدة هيئة الانتخابات، فهيئة الاتصال السمعي البصري لا تعمل بسبب نقص أعضائها وهيئة مكافحة الفساد مغلقة، أما هيئة المعطيات الشخصية فما زالت بلا قانون، وكل المؤسسات التي تعد ضمانة من ضمانات الديمقراطية واحترام القانون تسير إلى زوال".