أطلقت الصين الأسبوع الماضي أكبر مناورات جوية وبحرية على الإطلاق حول تايوان، في رد غاضب على جولة أجرتها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، زارت خلالها الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عقود.
ويرى البعض أن هذه المناورات رسائل ترسلها الصين إلى الولايات المتحدة لتوضيح أنها قادرة على محاصرة تايوان، بينما يرى آخرون أنَّ الرئيس الصيني في موقع هش اقتصادياً.
محاصرة تايوان
تصاعدت حدة الصراع بعد أن اتهمت الخارجية التايوانية الصين، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، بالتحضير لغزوها وبإجرائها مناورات دفاعية، متهمة بكين باستخدام زيارة بيلوسي ذريعةً للقيام بعمل عسكري، وموضحة أنَّ "نية الصين الحقيقية تغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان والمنطقة بأسرها".
وصرّح الجيش الصيني بأنَّ مناوراته في تايوان استمرت يوم الثلاثاء، وشملت وحدات جوية وبحرية. وأوضح الجيش التايواني أنه اكتشف (45) طائرة و(10) سفن صينية تعمل في مضيق تايوان يوم الثلاثاء، وأبلغت تايوان عن عبور (16) طائرة مقاتلة صينية خط الوسط، وهو خط غير رسمي بين الصين وتايوان لا تعترف به بكين.
وكان الجيش الصيني قد نشر مقطع فيديو الأسبوع الماضي لطيار في سلاح الجو يصور ساحل الجزيرة من قمرة القيادة الخاصة به، ويظهر مدى قربها من شواطئ تايوان. ورداً على هذه المناورات، أجرى الجيش التايواني عدة تدريبات استعدادية لصد الهجوم المتوقع.
في هذا السياق أشارت لو ووي جي، المتحدثة باسم فيلق الجيش الثامن التايواني، إلى أن "التدريبات التايوانية التي استمرت أقل من ساعة بقليل في مقاطعة بينغتونغ الجنوبية شملت إطلاق قنابل مضيئة وقذائف مدفعية".
رداً على هذه الإجراءات، أوضحت بيلوسي أنَّ الولايات المتحدة لا يمكنها السماح للصين بعزل تايوان، وأضافت أن زيارتها جاءت بعد توجيه الرئيس جو بايدن بأن الولايات المتحدة ستركز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتحظى بدعم ساحق من الحزبين في الكونغرس الأميركي. وصرحت الثلاثاء بأن زيارتها لتايوان كانت تستحق العناء "بكل تأكيد".
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين في دوفر إير: "لست قلقاً، ولا أعتقد أنهم سيفعلون أي شيء أكثر مما يفعلونه". بينما أكد مسؤول في البنتاغون، يوم الاثنين، أن "واشنطن ملتزمة تقييمها بأن الصين لن تحاول غزو تايوان خلال العامين المقبلين".
في هذا السياق، تشير تقارير إلى أنَّ الإجراءات التصعيدية الأخيرة ما هي إلا رسالة تحاول الصين من خلالها القول إنها قادرة على محاصرة تايوان، وإنها قادرة على محاصرة الجزيرة وقطع السبيل أمام أي مساعدة أميركية. إلا أنَّ بيلوسي وضحت في مقابلة لها مع "إن بي سي (NBC)" أن هدف الرئيس الصيني اقتصاديّ، مضيفة: "لن نكون شركاء في ذلك".
سيناريوهات محتملة
يوضح خبراء أمنيون لصحيفة "تليغراف" البريطانية، أن التوقعات تختلف حول السيناريوهات فيما لو بدأت الحرب، إلا أنَّ معظمها يقرّ بأن الحرب ستقوم عاجلاً أو أجلاً. وفي تقريرها، ترصد الصحيفة أربعة سيناريوهات متوقعة بخصوص التضييقات الصينية على تايوان. يتمثل السيناريو الأول حسب الصحيفة بأنّ الصين ستحاصر تايوان من خلال إرهاقها عسكرياً، والعمل على مناورات متكررة، تماماً مثل تلك التي بدأت يوم الخميس من الأسبوع السابق.
ومثل هذا الحصار من شأنه أن يضر بالاقتصاد التايواني ويشجع على حدوث أزمة في سوق الأسهم. ويتوقع التقرير أنه على الرغم من أنه سيكون هناك احتجاج سيؤثر بممرات الشحن الدولية، فمن غير المرجح أن تكون هناك استجابة دولية أكثر قوة.
ويتوقع السيناريو الثاني أن تعمل الصين على غزو جزيرتي ماتسو وكينمن، فلطالما نظرت بكين إلى الجزر الصغيرة في مقاطعة فوجيان، التي يقع بعضها على بعد أقل من 10 كيلومترات من البر الرئيسي للصين، على أنها جزء من أراضيها، تماماً كما يحصل مع تايوان.
وتشمل هذه جزر ماتسو، شمال غرب تايوان، وكينمن، وهي سلسلة من الجزر في الشرق قبالة ساحل مدينة شيامن في الصين. تتوقع الصحيفة أن الصين قد تأخذ خياراً أقل تكلفة في هذا السيناريو وتقوم بالتركيز على هذه الجزر، وقد تستخدم الصين هذه الجزر لتعزيز دفاعاتها بشكل كبير؛ وقد تكون هذه الخطة خياراً مناسباً للصين، لأن العديد من البلدان قد لا ترغب في المخاطرة بحرب شاملة عليها. ومع ذلك، فإن قانون العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان يعتبر أيضاً هذه الجزر جزءاً من تايوان، لذلك قد تشعر واشنطن بأنها مضطرة إلى التدخل.
يركز السيناريو الثالث على البر الرئيسيّ، لإضعاف تايوان مع تقليل المخاطر التي ينطوي عليها الغزو الشامل، مع هذا قد تختار بكين شنّ هجمات عقابية محدودة من الجو. إلا أنّ من المرجح في هذه الخطوة أن تزيد الولايات المتحدة من جاهزية قواتها في المنطقة، ولا سيما تلك الموجودة في اليابان. قد تضع طوكيو جيشها أيضاً في حالة تأهب، ولا سيما تلك التي تستهدف قدرة الصواريخ الباليستية الصينية.
ويتعلق السيناريو الرابع بالغزو البري، في حالة وقوع هجوم شامل، حيث ستسعى الصين لإنزال قواتها في نقاط استراتيجية عبر مضيق تايوان البالغ طوله 70 ميلاً تحت غطاء صاروخي وطائرة مقاتلة لإلهاء أي مدافعين.
ومن المرجح في حال حصول هذا السيناريو، استخدام الحرب الإلكترونية على نطاق واسع لتعطيل اتصالات تايوان وبث الذعر بين عامة الناس حسب توقعات الصحيفة. بينما سيكون الهدف هو التغلب على دفاعات تايوان بأسرع ما يمكن وتحطيم قوة الإرادة للمقاومة.
تستدل الصحيفة على هذا السيناريو بما قالته مصادر دبلوماسية في تصريح لها بأن بكين تعتقد أن هناك مدة يومين للاستيلاء على الجزيرة قبل أن يتمكن الغرب من الرد بشكل كامل، وهو درس تعلمته من الغزو الروسي لأوكرانيا.