ما زال قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أعلنه الخميس الماضي، والقاضي بحلّ البرلمان وتنظيم انتخابات نيابية مسبقة، مشوباً بالترقب والغموض، بسبب جملة من التبعات القانونية والسياسية له، وخصوصاً أن "الزمن الدستوري" يحاصر الرئيس، بينما تبدو الاستعدادات القانونية والتقنية غير جاهزة في الوقت الحالي لإطلاق فعليّ لمسار الانتخابات.
فترة زمنية غير كافية
ويدخل تبون في سباق مع الزمن الدستوري بشأن إجراء الانتخابات النيابية المسبقة، إذ لا تبدو فترة الثلاثة أشهر التي يحدّدها الدستور كافية لاستكمال بعض الترتيبات والتدابير القانونية الضرورية قبل إجراء الانتخابات، أبرزها إصدار القانون الانتخابي الجديد بأمر رئاسي، وهو القانون الذي يحدّد كامل التفاصيل السياسية والتقنية لتسيير العملية الانتخابية وإدارتها، ويوضح شروط الترشح وترتيب القوائم واشتراطاتها في ما يتعلّق بالفئات كالمرأة والشباب والطرق الانتخابية.
هيئة مستقلة للانتخابات
وتضغط على الرئيس تبون في المقام الثاني مسألة إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات الجديدة وفقاً لنص الدستور الجديد الذي عُرض للاستفتاء الشعبي في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وصدر رسمياً في 20 ديسمبر/ كانون الأول، وباعتبار أن الهيئة التي أُنشئت في سبتمبر/ أيلول 2019، وأشرفت على الاستحقاقين الانتخابيين السابقين، الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول 2019 واستفتاء الدستور، صارت في حكم المنحلّة بعد صدور الدستور الجديد، حيث أدخلت تعديلات إضافية في تركيبتها وصلاحيتها وهياكلها في نص القانون الانتخابي المرتقب صدوره قريباً.
إنشاء محكمة دستورية
وتدخل في ذات السياق ضرورة إنشاء المحكمة الدستورية الجديدة بدلاً من المجلس الدستوري الحالي في أقرب وقت وقبل موعد الانتخابات، إذ كان الرئيس تبون قد أعلن الخميس فتح ورشة للنظر في آليات صياغة قانون المحكمة الدستورية قبل إعلان تركيبتها. وتؤدي المحكمة الدستورية دوراً مهماً في الانتخابات، إذ إنها تتولّى، وفقاً للمادة 207 و208 من مسودة القانون الانتخابي، البتّ في الطعون التي تقدمها أحزاب أو قوائم مرشحة في نتائج الانتخابات النيابية. وعلى الرغم من أن الأحكام الانتقالية في الدستور الجديد تتيح للمجلس الدستوري إمكانية القيام بهذه الصلاحية حتى إنشاء المحكمة الدستورية، فإنّ الرئيس تبون لا يرغب في بقاء المجلس الدستوري الحالي، الموروث عن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ولسوء صيته، وخصوصاً بسبب دوره في تبرير كل قرارات الرئيس السابق.
وتبدو هذه العوامل الثلاثة، غياب قانون الانتخابات وعدم تشكيل هيئة الانتخابات الجديدة وعدم إنشاء المحكمة الدستورية، كافية بالنسبة إلى المراقبين لاعتبار ظروف قرار حلّ البرلمان غير ناضجة بالقدر الكافي، كذلك فإنها كافية لتفسير عدم إقدام الرئيس الجزائري على تحديد تاريخ واضح لتنظيم الانتخابات النيابية المسبقة حتى الآن، على الرغم من أن الدستور ينص على أجندة زمنية مفروضة لتنظيمها، ويحدّد فترة ثلاثة أشهر كحدّ أقصى لإجرائها بعد حلّ البرلمان، إذ تنص المادة الـ 150 من الدستور الجديد الذي عُرض للاستفتاء في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على صلاحية رئيس الجمهورية في حلّ البرلمان أو إجراء انتخابات نيابية قبل أوانها، بعد استشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول (أو رئيس الحكومة حسب الحالة) ورئيس المحكمة الدستورية، على أن تنظم الانتخابات المسبقة في غضون 90 يوماً في حدّ أقصى من تاريخ حلّ البرلمان، ما يعني ضرورة تنظيمها قبل تاريخ 18 مايو/ أيار المقبل. لكن هذا التاريخ يطرح مشكلةً كبيرةً على اعتبار أنه في حال اعتماده، فإن الحملة الانتخابية ستكون في شهر رمضان، وهو أمر غير ممكن لصعوبة النشاط السياسي وإقامة تجمعات الحملة الانتخابية في شهر رمضان، وهو ما سيدفع الرئيس تبون إلى استخدام صلاحية تتيحها له الفقرة الثانية في المادة الـ 151 نفسها من الدستور، باتخاذ قرار لاحق بتأجيل الانتخابات (عن الموعد الأول الذي يجب دستورياً أن يعلنه الرئيس) لفترة لاحقة، وتنص على أنه "إذا تعذّر تنظيمها في هذا الأجل لأي سبب كان، يمكن تمديد هذا الأجل لمدة أقصاها ثلاثة أشهر أخرى بعد أخذ رأي المحكمة الدستورية".
موعد الانتخابات والامتحانات المدرسية
ويدخل عامل آخر في تحديد تاريخ الانتخابات النيابية، هو امتحانات نهاية الدراسة، وخصوصاً بالنسبة إلى شهادة البكالوريا، لأن المؤسسات التعليمية تُستخدم كمكاتب انتخابية، وتُجرى الانتخابات قبل منتصف شهر يونيو/ حزيران المقبل. وتفيد بعض المعلومات التي حصل عليها "العربي الجديد"، بأنّ الاحتمال الغالب يذهب باتجاه تنظيم الانتخابات النيابية في 17 يونيو/حزيران المقبل، بعد تأجيلها شهراً واحداً عن الموعد الأولي المحدَّد بما قبل 18 مايو/ أيار المقبل.