رغم مرور 6 سنوات على "أحداث كوباني" في تركيا، وهي أعمال عنف اندلعت عقب احتجاجات نظمها أكراد متعاطفون مع مدينة عين العرب (كوباني) ذات الغالبية الكردية في ريف حلب، إبان هجوم "داعش" على المدينة الواقعة شمال البلاد، تواصل الحكومة التركية ملاحقة المتورطين في تلك الأحداث، حتى لو كانوا من السياسيين ويتمتعون بالحصانة البرلمانية.
ومع اقتراب الذكرى السنوية السادسة، صدر قرار باعتقال عشرات المتهمين بممارسة العنف، من بينهم قادة في حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ونواب سابقون، وهي سياسة متواصلة ضد كل مؤيدي حزب العمال الكردستاني الانفصالي، والمصنف على لوائح الإرهاب في تركيا. وتتم هذه الملاحقة عبر عدة مراحل، عسكرية عبر العمليات داخل البلاد وخارجها في سورية والعراق، وسياسية عبر الحوار ومحاولات إقناع العناصر تسليم أنفسهم، وعبر الضغوط الشعبية الممارسة من قبل الأهالي المعتصمين أمام مقر الحزب الكردي في دياربكر، وتنظيم تظاهرات شعبية أمام مقرات أخرى في جنوب شرق البلاد ذات الغالبية الكردية.
تحالفت الأحزاب السياسية الكردية مع المعارضة التركية بمختلف أطيافها
ووقعت "أحداث كوباني" في السادس والسابع من أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعد تصريحات من قادة الأحزاب الكردية ركزت على رفض مطالبهم السماح لمقاتلين أكراد أتراك بالدخول إلى عين العرب للمساعدة في صد هجوم تنظيم "داعش"، واتهامهم السلطات التركية بمحاصرة المقاتلين الأكراد في المدينة ومنع المساعدة عنهم. وصدرت بيانات حملت توقيع رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش، المعتقل حالياً، بالطلب من المواطنين الأكراد الخروج إلى الشوارع والتظاهر.
ووقعت أحداث العنف، بحسب معطيات حكومية، في 35 مدينة و96 قضاء، قتل خلالها 37 مواطناً، على أيدي المتظاهرين. كما أسفرت الأحداث عن إصابة 761 شخصاً، من بينهم 326 عنصر أمن، و435 مدنياً، إلى جانب إحراق 197 مدرسة، وإلحاق خسائر بـ269 مبنى عاما، ما أدى إلى أضرار بمليارات الليرات التركية، ومنع توفير الخدمات العامة. وتعرض 1731 منزلاً ومحلاً تجارياً للنهب والتدمير أو الحرق، إلى جانب إعطاب 1230 مركبة، بينها 729 مدنية، و501 حكومية. وعلى الفور، أطلقت أجهزة الدولة المعنية إجراءاتها من أجل القبض على كافة المتورطين وتسليمهم للقضاء. ونتيجة سير التحقيقات مثُل أمام القضاء، العديد من الضالعين في الأحداث الدموية. ومن ضمن من تم توقيفهم في إطار التحقيقات، دميرطاش، وفيكان يوكسكداغ، القياديان في الحزب.
وفي الأشهر اللاحقة لتلك الأحداث، أعلن حزب العمال الكردستاني، عبر هيئات مدنية محلية، تشكيل مناطق "حكم ذاتي" في جنوب شرق تركيا، أسوة بتلك التي تم تشكيلها في شمال سورية، وهو أمر عزز من الشعور القومي للأكراد، مستفيدين من المناخ الدولي الداعم لهم ضد "داعش". وردت القوات الحكومية في تركيا بشن هجمات عسكرية على جميع تلك المناطق، وقد تطلبت السيطرة عليها تدمير أحياء كاملة، لتجفيف منابع "الحكم الذاتي"، وإعادة إعمارها لاحقاً. ومع هذه الإجراءات الحكومية، وتضرر المدنيين الأكراد في المحصلة من هذه الهجمات، حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم أقوى نتائج له في الانتخابات البرلمانية المعادة في العام 2015، بتحقيق نحو 50 في المائة من الأصوات. وتم تعليق "مسيرة السلام" التي بدأها "العدالة والتنمية" للتصالح مع حزب العمال الكردستاني بسبب ما اعتبرته السلطة تصعيداً من قبل "الكردستاني" على حسن نوايا الحزب الحاكم.
شكل الصوت الكردي الناقم على حزب العدالة والتنمية نقطة حسم في الانتخابات المحلية في 2019
وعلى الرغم من مرور تلك السنوات، فإن القضية لا تزال تحظى بالمتابعة القضائية، يرافقها تضييق مستمر من الحكومة، والسعي، بنفس الإطار، لكسب الصوت الكردي. وقد أفضت عملية إقناع العناصر بالاستسلام إلى تسليم 163 عنصراً أنفسهم، بحسب وزير الداخلية سليمان صويلو قبل أيام، وعودة نحو 20 آخرين بعد ضغط شعبي، عبر الأمهات المعتصمات أمام مقر "الشعوب الديمقراطي" في دياربكر، منذ أكثر من عام، والذي لا يزال متواصلاً.
مقابل ذلك، لا تزال الأحزاب الكردية المعارضة، تواصل دعمها للأنشطة الانفصالية لحزب العمال الكردستاني، وللنشاطات التي تقوم بها "وحدات حماية الشعب" الكردية في سورية، وهو ما يجعل المواجهة متواصلة بين الحكومة والمعارضة الكردية. كما تحالفت الأحزاب السياسية الكردية مع المعارضة التركية بمختلف أطيافها، إذ دعمت تحالف الشعب المعارض بشكل سري، وبالتصويت بشكل علني. وشكّل هذا التحالف منغصاً جديداً للحكومة التركية، لتشكل بذلك الورقة الكردية عنصراً هاماً وفاصلاً بين "العدالة والتنمية" والمعارضة. وأدى تحالف الأحزاب الكردية مع المعارضة إلى خسارة هي الأولى من نوعها التي يتلقاها الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية التي جرت في عام 2019، وأهمها خسارته كبريات المدن التركية، وعلى رأسها مدينة إسطنبول، وهي الضربة القاصمة التي تلقاها الرئيس رجب طيب أردوغان، وكذلك العاصمة أنقرة، إضافة إلى مدن أضنة وكان قاب قوسين من خسارة معاقله الأخرى كمدينة بورصة. وبالتالي شكل الصوت الكردي الناقم على حزب العدالة والتنمية نقطة حسم في الانتخابات.
وعلى هذا الأساس، يتم تشكيل التوافقات المقبلة بين أطياف المعارضة، التي تجتمع على هدف واحد هو إسقاط حكم أردوغان المتواصل منذ 2003، ومن بعدها تشكيل تحالفات حاكمة. والمعارضة متعددة المشارب، إذ تضم اليمين القومي المتطرف، والأحزاب المحافظة والعلمانية والكمالية، وهو ما سيضع الأحزاب الكردية الانفصالية، في مواجهة مباشرة مع القوميين، في حال نجحوا في الإطاحة بأردوغان، بسبب تعارض أجنداتهم الداخلية. ولهذا، فإن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، كان لهما مواقف مع زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المعتقل، عبر زيارات لزوجته، والمشاركة في فعاليات عديدة، منها حضور مسرحية ألفها دميرطاش من محبسه، بالإضافة إلى وقوف إمام أوغلو إلى جانب رؤساء بلديات أكراد معزولين بسبب اتهامهم بدعم حزب العمال الكردستاني. وبذلك، فإن الصوت الكردي سيظل حاضراً ومؤثراً في الانتخابات المقبلة. وطالما المواجهة مستمرة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن مكان الأحزاب السياسية الكردية المعارضة سيكون إلى جانب المعارضة، ما يبشر بمزيد من التصادم بين الحكومة والأكراد.