يتفق قادة الجيش العراقي ومسؤولون أمنيون على فقدان تنظيم "داعش" قدراته العسكرية في العراق، إضافة إلى فقدانه القدرة على كسب عناصر جديدة، لكنهم يؤكدون على أهمية استمرار أنشطة التحالف الدولي، بعد مرور تسع سنوات على تشكيله لمحاربة التنظيم بقيادة الولايات المتحدة.
وأعلن في 5 سبتمبر/أيلول 2014 عن تأسيس "التحالف الدولي"، بقيادة الولايات المتحدة، إبان إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، إثر اجتياح تنظيم "داعش" مساحات شاسعة من العراق فضلاً عن سيطرته على مدن وبلدات مختلفة في شمال سورية وشرقها. وباشر التحالف عملياً تنفيذ غاراته الجوية على مواقع التنظيم في 7 سبتمبر 2014.
وكانت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وألمانيا أولى الدول التي انضمت للتحالف، قبل أن يتسع تدريجياً بالأسابيع اللاحقة للإعلان، ليبلغ 86 كياناً (81 دولة و5 منظمات أممية وإقليمية) التزمت جميعها إضعاف التنظيم، وإلحاق الهزيمة به، والتأكيد في إعلان مشترك على تدمير بناه التحتية الاقتصادية والمالية.
كما تعهدت هذه الدول بمنع تدفق الإرهابيين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار واستعادة الخدمات الأساسية العامة في المناطق المحررة منه، إضافة إلى صناعة جبهة إعلامية لمحاربة دعاية "داعش"، بحسب تعريف نطاق عمل "التحالف"، على موقعه الإلكتروني الرسمي.
"داعش" يفقد قدراته في العراق
يقول المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش في العراق فَقَد قدراته العسكرية وفَقَد القدرة على كسب عناصر جديدة، وبحسب المعلومات الاستخباراتية فإن عدد عناصر التنظيم الموجودين حالياً داخل البلاد يقدّر بـ500 عنصر، وينتشرون في مناطق بين حدود إقليم كردستان وحدود كركوك، أي في مناطق وادي الشاي ووادي الزيتون ومناطق مطيبيجة وحموض حمرين".
ويضيف الخفاجي أن "العمليات العسكرية والضربات الجوية النوعية في تلك المناطق هي للقضاء على ما تبقّى من خلايا داعش، وحققت نجاحات أمنية كبيرة خلال الفترة الماضية، فالتنظيم فَقَد الكثير من قياداته البارزين بعمليات نوعية، والعمل العسكري والاستخباراتي في تصاعد لإعلان العراق خاليا تماماً من تنظيم داعش الإرهابي".
مهدي تقي: التحالف الدولي كان يتعامل مع العراق بشكل غير مهني
ويشير الخفاجي إلى أن "التحالف الدولي كان له دور مهم في دعم العراق في حربه على تنظيم داعش الإرهابي، من خلال تنفيذ الضربات الجوية النوعية ضد أهداف التنظيم، إضافة إلى التدريب والاستشاري والجهد الاستخباراتي وتبادل المعلومات"، لافتاً إلى أنه "لم يكن للتحالف أي مهام قتالية على الأرض، كما أن ضرباته الجوية متوقفة منذ فترة في العراق، بفعل الاعتماد على سلاح الجو العراقي، القادر على تنفيذ الضربات الجوية الهادفة والنوعية".
من جهته، يرى عضو التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، المقرّب من إيران، النائب مهدي تقي، لـ"العربي الجديد"، أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني "جاد بقضية إعادة تنظيم مهام وعمل التحالف الدولي في العراق، خصوصاً بعد تراجع قدرات تنظيم داعش بشكل كبير وعلى مختلف الأصعدة، واكتفاء الحاجة لمهام التحالف المتعلقة بالضربات الجوية".
ويشير تقي إلى أن "القوات العراقية ما زالت تحتاج إلى عمليات التدريب وتطوير القدرات على كافة الأصعدة، وهذا ما يدفع لبقاء مهام محددة ومختصرة بأعداد قليلة للتحالف الدولي، إضافة إلى بعثة حلف شمال الأطلسي التدريبية، ويجب أن يكون هناك تنوع في مصادر التدريب والاستشارة وليس حصر الأمر بيد جهة دولية واحد، كملف التسليح المتنوع".
ويعتبر تقي أن "التحالف الدولي كان يتعامل مع العراق بشكل غير مهني، خصوصاً بما يتعلق بتنفيذ الضربات الجوية خلال عمليات التحرير، فهو كان يؤخر الكثير من الضربات بحجج مختلفة مما أخّر تحرير بعض المدن، لأن التحالف يحمل أجندة سياسية لا أمنية فقط، فهو مدخل للوجود الأجنبي في العراق، وهذا ما نرفضه ولن نسمح به، ولهذا هناك حراك حكومي لإعادة صياغة الاتفاق مع التحالف الدولي وتواجده ومهامه في العراق خلال المرحلة المقبلة".
في المقابل، يقول الخبير في الشأن العسكري والأمني مخلد حازم، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات التحالف الدولي كانت مهمتها في عام 2014 قتالية، وكانت هذه المهام بطلب من الحكومة العراقية"، لافتاً إلى أن "هذا التحالف كان له دور فعال ومهم في إسناد العمليات العسكرية على الأرض من خلال العمليات الجوية، بمساعدة القوة الجوية العراقية وطيران الجيش العراقي، وكان للتحالف الدولي الدور الفعال في تزويد القطعات العسكرية بتحركات عناصر تنظيم على الأرض وأماكن وجودهم".
ويشير حازم إلى أنه "بعد عام 2017، وانتهاء العمليات العسكرية ضد داعش، تعالت الأصوات لإخراج قوات التحالف الدولي من العراق، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون إلا من خلال طلب رسمي للحكومة العراقية، فهي جاءت بطلب من الحكومة وتخرج بطلب منها، وبعد جولات تفاوضية وحوارية بين بغداد وواشنطن توصل الطرفان إلى اتفاق بأن تكون مهام قوات التحالف الدولي مهام استشارة وتدريب".
ويضيف حازم: "عسكرياً العراق غير جاهز من ناحية الإسناد الجوي والمعلومات، ولهذا السبب ما زال في حاجة إلى قوات التحالف الدولي، فالعراق يحتاج إلى تطوير قدرات القوة الجوية على مختلفة الأصعدة وامتلاك طائرات دفاع جوي ومنظومات دفاع جوي رادعة، وكل هذا المعدات المهمة لا يمتلكها".
ويرى حازم أن "الحكومة العراقية وقعت في خطأ كبير عندما طالبت عام 2011 بإنهاء وجود القوات الأجنبية، التي كانت متمثلة بالقوات الأميركية، ولهذا كانت عملية دخول تنظيم داعش للعراق سهلة جداً، وسيطرة التنظيم على ثلث البلاد، ولهذا نحن لا نريد تكرار هذا الخطأ، قبل أن تكون دراسة وافية واستراتيجية وافية وتحصل جهوزية كامل برية وبحرية وجوية".
ويعتبر حازم أنه "منذ عام 2021 أصبحت صفة قوات التحالف الدولي للتدريب والاستشارة وليس لها أي مهام قتالية، لكن العراق ما زال بحاجة لقوات التحالف الدولي وقوات حلف الأطلسي، وهذه الحاجة ضرورة أمنية وعسكرية مهمة، ويجب استغلال هذا الوجود للحصول على الأسلحة والحصول على التدريب على مستوى عال".
ويؤكد أنه "متى تمكن العراق من تعزيز قدراته العسكرية والقتالية على الأرض يستطيع حينها أن يطلب إخراج قوات التحالف الدولي، أما الآن فلا نتوقع أن إخراج تلك القوات الدولية حالياً أمر جيد، وأكيد هناك حاجة لهم، ونحن ما زلنا نواجه تهديداً سواء من قبل تركيا أو إيران، فالعراق بقواته من الصعب جداً أن يواجه كل تلك التحديات".
ملف ضحايا قصف التحالف
إلى جانب ذلك، فإن ملف ضحايا القصف الذي نفذته قوات التحالف وتسبب بسقوط مدنيين في العراق وسورية، ما زال عالقاً. ويؤكد مسؤول عراقي بارز في وزارة الداخلية وجود "آلاف القتلى المدنيين العراقيين"، سقطوا خلال غارات التحالف في الفلوجة والموصل والرمادي والقائم وبيجي وتكريت والحويجة ومناطق أخرى شمال وغربي البلاد، وفق قوله.
مخلد حازم: عسكرياً العراق غير جاهز من ناحية الإسناد الجوي والمعلومات
ويضيف المسؤول، لـ"العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "قوات التحالف اعترفت بأقل من ألفين من الضحايا المدنيين سقطوا بالغارات الجوية، لكن بالنسبة لنا فإن العدد يصل لأكثر من 10 آلاف مدني، قضوا بغارات أميركية وبريطانية وفرنسية وهولندية، وهناك تحقيقات في بعض هذه الدول مثل بريطانيا وهولندا". لكنه يشير على الجانب الآخر إلى أن "الاتهامات تواجه أيضاً القوات العراقية، كونها هي من حددت المواقع وإحداثيات ما طالبت بقصفه، وتبين أنها مواقع مدنية وليست لداعش"، متحدثاً عن "عدم اهتمام عراقي بفتح هذا الملف لإنصاف الضحايا وتعويض ذويهم".
أحمد الكربولي (29 عاماً) هو المتبقي الوحيد من أسرته التي قضت بقصف استهدف سيارتهم قرب بلدة القائم غربي العراق، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه ما زال بانتظار العدالة.
ويضيف أن والده وأمه وإخوته خرجوا هرباً من القصف بسيارتهم بينما كان ينتظرهم هو في بغداد عام 2015، لكن بعد أيام من انقطاع أخبارهم تبين أن طائرة قصفتهم وهذا القصف كان تحت مزاعم أنها سيارة تابعة لـ"داعش".
ويشير الكربولي إلى أن "عائلات أخرى أبيدت ولم يبق لها أثر في مدينتنا بسبب القصف الجوي، وهو الحال الذي لا يختلف عن مدن أخرى مثل الموصل، التي كان داعش يمنع الأهالي من الخروج وصاروا ضحية لتواجدهم في ساحة حرب طاحنة".
ويشهد العراق حالة من الاستقرار الأمني بعد التراجع الكبير لخطر "داعش"، بعد تلقي التنظيم ضربات نوعية، فيما يؤكد مراقبون أن هذا الاستقرار الأمني يبقى قلقاً في ظل تواجد خلايا التنظيم، والتي تتحرك بين حين وآخر.
وكان القائد العام للقوات المسلحة العراقية محمد شياع السوداني، قد أصدر توجيهات متتابعة للقيادات الأمنية بالتأهب وإجراء مراجعات شاملة للخطط العسكرية، مشدداً على تغيير التكتيكات العسكرية المتبعة في المناطق التي تشهد نشاطاً لـ"داعش"، واتّباع أساليب غير تقليدية للمواجهة، وبالطريقة التي تضعف من قدرات عناصر التنظيم وتحدّ من حركاتهم.
وكثّف الأمن العراقي أخيراً العمل الاستخباري بمتابعة وتحديد تحركات عناصر تنظيم "داعش" في عموم المحافظات العراقية، ضمن استراتيجية أمنية جديدة جرى اعتمادها بالتوازي مع التحرك الميداني، وهو ما نتج عنه تراجع واضح في أعمال العنف والهجمات التي كانت قد نشطت في مطلع العام الحالي.