لم تنفع تسع سنوات مرّت على الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، والذي أطاح بأول حكومة مدنية منتخبة في تاريخ مصر الحديث، في أن تنسي النظام المصري الحالي حقيقة ما حدث. فالوقائع والتصريحات التي لا تزال تصدر عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، تؤكد أن السلطة لا تزال مسكونة بهاجس ما ارتكب في ذلك التاريخ، بحق الدستور والقانون والقيم الديمقراطية والإنسانية.
النظام المصري بعد الانقلاب: خوف من الماضي والمستقبل
سياسي مصري بارز وأحد القيادات الحزبية السابقة، يقول في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "النظام الذي صعد بعد الانقلاب العسكري إلى كرسي الرئاسة، بعد اختطاف السلطة من الرئيس المنتخب (الراحل) محمد مرسي، يبدو الآن وكأنه خائف من الماضي". ويضيف السياسي، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أنّ "التحالف الذي خطّط ونفذ عملية الانقلاب، يحاول الآن أن يخفي دليل إدانته، وهذا يمكن أن يتضح في خطاب النظام المصري بكل مكوناته أخيراً، في ما يتعلق بما حدث في عام 2013".
ويشير المصدر في هذا السياق، إلى التصريحات التي صدرت أخيراً عن الرئيس المصري، والتي قال خلالها "لو تآمرت على الرئيس محمد مرسي الله يرحمه، يبقى كإنى تآمرت على 100 مليون مصري". وأضاف المصدر أن "هذه النظرية شهدت ترجمتها أيضاً في مسلسل الاختيار الذي أصبح بمثابة مسطرة وطنية، يفرز النظام على أساسها المؤيدين والمعارضين".
سياسي مصري بارز: كل همّ النظام تثبيت رواية أن ما حدث في 2013 ليس انقلاباً عسكرياً بل إرادة شعبية
ويوضح المصدر أن "كل همّ النظام الحالي الآن هو تثبيت رواية أن "ما حدث في الثالث من يوليو 2013، ليس انقلاباً عسكرياً، لكنه إرادة شعبية، وهو ما يعكس أيضاً الخوف من أي محاولة انقلاب قد تحدث على حكمه".
إبعاد مرسي عن سياق التحريض
ويتابع المصدر أنه "بالإضافة إلى محاولات النظام إخفاء معالم ما حدث في ذلك اليوم، هناك أيضاً ملاحظة في هذا السياق، وهي تحدث للمرة الأولى هذا العام، وهي خفوت الاحتفالات الصاخبة التي كانت تحدث في السنوات الماضية في ذكرى الانقلاب".
ويقول المصدر إن "أسباب ذلك ترجع إلى أن النظام يقع الآن في معضلة سياسية واقتصادية كبرى، فالرئيس السيسي عجز عن الوفاء بجميع الاستحقاقات التي وعد بها الشعب المصري قبل توليه السلطة، كما أن الحكومة تعاني الآن من أزمة اقتصادية عنيفة نتيجة عوامل عدة، من بينها الحرب الروسية الأوكرانية، وشحّ العملة الأجنبية، والتي من المتوقع أن تتفاقم خلال الربع الأخير من العام الحالي". ويرى أنه لهذه الأسباب، فإن "مبالغة الحكومة الآن في الاحتفال بذكرى 3 يوليو من شأنه أن يثير حفيظة الجماهير ويطرح أسئلة حول جدوى كل ما حدث من تغيير".
ويتابع المصدر أن "المهرب الوحيد للنظام من هذا الموقف، هو تركيز الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، والتأكيد على أن إطاحة الجيش بحكومة الإخوان، إنجاز كبير للرئيس السيسي، يجب أن يعترف الجميع بفضله فيه". ويضيف المصدر أنه "على الرغم من الهجوم على الإخوان من قبل نظام السيسي، إلا أنه في الوقت ذاته يحرص الخطاب العام على إعطاء وضع خاص للرئيس محمد مرسي".
ويقول المصدر، إنه "رغم مرور تسع سنوات على انقلاب 2013، ورغم أن النظام بات مطمئناً لمواقف الدول التي وقفت ضده في السابق، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا، إلا أنه لا يزال يشعر بالوصمة التي وصم بها كانقلاب عسكري".
ويلفت المصدر إلى أنه "على الرغم من الدعم الكبير الذي يحظى به نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من جانب الكثير من الأطراف، إلا أن هاجس الانقلاب والدماء التي سالت بعده لا تزال حاضرة، فللمرة الأولى منذ 9 سنوات يذكر اسم الرئيس الراحل محمد مرسي متبوعاً بجملة "الله يرحمه"، في إشارة إلى حديث السيسي في إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي (إبريل/نيسان الماضي).
ويقول السياسي المصري البارز إنه "بعد أن استتب أمر الحكم للرئيس السيسي، وأصبح يحظى باعتراف دولي لا بأس به، يحاول الآن كتابة تاريخ لتلك المرحلة العاصفة من تاريخ مصر، ينفي فيه عن نفسه تهمة الانقلاب على الشرعية الدستورية، والحنث في اليمين الدستورية التي أقسم عليها عندما كان وزيراً للدفاع".
ويوضح المصدر أن "جزءاً من ذلك التاريخ الذي يكتبه السيسي الآن بمعرفته، رواية أن الرئيس الراحل محمد مرسي لم يكن له حول ولا قوة أمام مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، وتحديداً نائب المرشد المهندس خيرت الشاطر، وأن القرارات جميعها كانت تتخذ من قبل الجماعة، ولذلك كان لا بد من التدخل لإنقاذ الدولة من الانهيار، كما يروج له".
خفتت هذا العام الاحتفالات الصاخبة التي كانت تحدث في ذكرى الانقلاب
ويقول المصدر إن "الرواية التاريخية التي احتكرها الرئيس، نظراً لأن باقي الأطراف معتقلون الآن ولا يستطيعون الحديث، يريد لها السيسي أن تكون هي الرواية المعتمدة والوحيدة للأحداث. والأخطر من ذلك أنه يريد لتلك الرواية أن تكون المسطرة التي يقيس عليها النظام "مدى وطنية الناس"، بمعنى أنه يجب أن تعترف بتلك الرواية أولاً قبل أن تحصل على صك الوطنية".
ويشير المصدر إلى أن "تلك الرواية تجسدت في الجزء الثالث من مسلسل "الاختيار"، وعبّر عنها الرئيس بعد ذلك في أكثر من مناسبة، وتتمثل في أن الرئيس السيسي كان دائماً الناصح الأمين للرئيس المخلوع الراحل محمد مرسي، وأنه كان دائم الحرص على مصلحة الرئاسة بشكل خاص والدولة بصورة عامة، وأنه استنفد كل الوسائل المتاحة لمحاولة إصلاح الرئيس مرسي وإبعاده عن جماعة الإخوان ليكون مستقلاً في قراره، لكن الأخير فشل في تحقيق ذلك، وبالتالي كان لا مفر من الإطاحة به، وبالتالي فإن ما حدث لا يعتبر انقلاباً".
ويشير المصدر إلى أن "حديث الرئيس السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية في إبريل الماضي عن ضرورة إجراء حوار وطني مع القوى السياسية كافة ومن دون استثناء، نافياً خيانته أو تآمره على الرئيس الراحل محمد مرسي، يكشف عن خوف داخل نظام الانقلاب من إعادة فتح الحديث عن عودة جماعة الإخوان".
ويلفت المصدر إلى أن التصريحات التي صدرت أخيراً عن المرشح السابق لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، والذي كان على رأس المدعوين لحضور إفطار السيسي، بشأن شروط مشاركة الجماعة في الحوار الوطني، يؤكد ذلك".
ودعا صباحي في لقاء تلفزيوني أخيراً إلى "إطلاق سراح كل سجين سياسي لم يكن شريكاً في العنف، أو محرّضاً عليه"، مشيراً إلى أنه "إذا رغب الإخوان المسلمون في المشاركة في الحوار، فعليهم المبادرة وطلب ذلك، وهو ما يعني اعترافهم بالسلطة القائمة".
وفي إطار ذلك، يرجح السياسي المصري البارز أن هناك "ضغوطاً قوية تمارس على النظام المصري منذ فترة طويلة، لاتباع سياسة جديدة في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، تقضي بالإفراج عن قيادات الجماعة المعتقلين، وفتح المجال السياسي من جديد أمام الجماعة، لكن نظام الرئيس السيسي عادة ما يتهرب من ذلك الاستحقاق بوسائل مختلفة ومتعددة، تارة بالتذرع بأنه يواجه الإرهاب، وتارة أخرى بالتأكيد على أن قرار المصالحة مع الجماعة في يد الشعب".
وفي هذا الإطار، يضيف المصدر أنه "على الرغم من ذلك، فإن نظام الرئيس السيسي يضع في اعتباره أن مسألة عودة جماعة الإخوان واردة ويمكن أن تحدث في أي وقت، ولذلك فهو يناور في هذه القضية، وأحياناً يرسل إشارات بعدم معارضته إشراك الجماعة مرة أخرى".