مع حلول الذكرى السنوية الـ99 لتوقيع معاهدة لوزان بين حكومة أنقرة ودول الحلفاء (بعد الحرب العالمية الأولى)، في 24 يوليو/تموز 1923، يتجدد النقاش عن كون المعاهدة نصراً دبلوماسياً لمصطفى كمال أتاتورك ورفاقه، أدى إلى تأسيس جمهورية تركيا الحديثة، أم هزيمة تسببت في فقدان أراضٍ كثيرة من الدولة.
كما يتجدد الجدل، مع حلول الذكرى، حول ادعاءات السيادة على المضائق البحرية والتنقيب عن النفط وعلاقة الاتفاقية بالحديث المتكرر عن عام 2023، الذي يتوافق مع ذكرى مرور مائة عام على توقيع الاتفاقية، وهل أن هذا التاريخ يشكل نهاية لصلاحيتها.
ضمنت تركيا من خلال المعاهدة اعترافاً دولياً بسيادتها واستقلالها، كما أن المعاهدة ألغت أحكام معاهدة "سيفر"
وفي رسالة نشرها بمناسبة الذكرى السنوية الـ99 لتوقيع معاهدة لوزان للسلام، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إن تركيا تعزز مكانتها المؤثرة في القضايا الإقليمية والعالمية ومضيّها بخطوات ثابتة نحو عام 2023.
أبرز نصوص اتفاقية لوزان بين تركيا والحلفاء
عقب خوض الأتراك حروب التحرير بين عامَي 1919 و1922، جرى توقيع معاهدة لوزان يوم 24 يوليو 1923 في مدينة لوزان السويسرية، بين ممثلي المجلس الوطني الكبير (البرلمان) التركي من جهة، وممثلين عن المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا وبلغاريا والبرتغال وبلجيكا ويوغوسلافيا، من جهة أخرى.
المعاهدة المكونة من 143 بنداً ومقدمة و4 فصول، دخلت حيّز التنفيذ يوم 23 أغسطس/آب 1923، بعدما صادق عليها البرلمان التركي. وبموجبها، أعلن مصطفى كمال أتاتورك، تأسيس الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923.
ووفقاً لتقارير تركية، نصت بنود المعاهدة على استقلال تركيا وتحديد حدودها، وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية فيها، مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان.
كما احتوت بنوداً تتعلق بتنظيم وضع تركيا الدولي الجديد، وترتيب علاقتها بدول الحلفاء المنتصرين في الحرب، ورسم الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة، وتعيين حدودها مع اليونان وبلغاريا.
كما تضمنت تنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية ومالية وأي حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، إلى جانب تنظيم استخدام المضائق البحرية التركية في وقت الحرب والسلم.
ومن خلال المعاهدة، ضمنت تركيا اعترافاً دولياً بسيادتها واستقلالها، كما أنها ألغت أحكام معاهدة "سيفر" التي كانت الدولة العثمانية قد وقّعتها في 10 أغسطس 1920.
كذلك نصّت معاهدة لوزان على الاعتراف بحدود اليونان كما وردت في معاهدة مودانيا (أكتوبر 1922)، فيما تنازلت اليونان عن منطقة قرة أغاج لصالح تركيا، كتعويض عن الحرب.
أبرز الشائعات حول اتفاقية لوزان
وفي كل عام مع حلول الذكرى السنوية لتوقيع معاهدة لوزان، يتجدد اللغط حول العديد من الادعاءات حولها، التي من أبرزها أن المعاهدة تنتهي بعد مرور 100 سنة. والحقيقة من خلال قراءة نص الاتفاقية كاملة، فإنه لا توجد أي مواد فيها تحدد فترة سريان المعاهدة أو تتحدث عن تاريخ انتهائها.
وفي السياق، ذكر رئيس تحرير وكالة "أنباء تركيا"، حمزة تكين، لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من عدم وجود بند يحدد صلاحية اتفاقية لوزان، إلا أنه بسبب خروقات الطرف اليوناني لبعض نصوص المعاهدة، لا سيما في ما يخص تسليح الجزر في بحر إيجه، ما يهدد الاتفاقية بشكل جزئي أو كلّي، فإن ذلك قد يستدعي أن تتحرك تركيا، في الذكرى المئوية للمعاهدة، لحماية حدودها ومصالحها وأمنها القومي بمعزل عن اتفاقية لوزان.
حمزة تكين: لو تم مشروع قناة اسطنبول، فإنها ستحقق لتركيا سيادة كاملة على مضائقها ومكاسب اقتصادية ضخمة
وهناك ادعاءات متداولة أيضاً، تقول إن معاهدة لوزان تحظر على تركيا التنقيب في أراضيها أو مياهها الإقليمية عن النفط والغاز لمدة 100 عام، وأن ذلك سبب عدم إعلان تركيا عن أي اكتشافات بترولية في ولاياتها الشرقية على وجه الخصوص، على الرغم من وجود البترول في مناطق قريبة منها في دول مجاورة. وهذا الأمر في الواقع لم تأت المعاهدة على ذكره، إذ تنقب تركيا عن النفط منذ سنوات طويلة على أراضيها وفي البحار بلا أي اعتراض من أي دولة معنية بالمعاهدة.
إلى جانب ذلك، يوجد لغط حول سيادة تركيا على المضائق التركية، المتمثلة في البوسفور والدردنيل، وأن تركيا بموجب معاهدة لوزان لا يحق لها تحصيل رسوم مرور السفن عبر المضائق. وهذا الكلام أيضاً لم يرد في نص المعاهدة وملاحقها، وخصوصاً في ظل وجود معاهدة مونترو التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1936، وتنظم حركة السفن في المضائق التركية الاستراتيجية، وتُعتبر مكملة لمعاهدة لوزان.
في غضون ذلك، لفت تكين إلى أن أنقرة تحظى بسيادة منقوصة على المضائق، خصوصاً في ما يتعلق بالإعفاءات الخاصة بالرسوم ومرور بعض السفن العسكرية. ولفت إلى أنه لو تم مشروع قناة إسطنبول (غير المدرجة ضمن معاهد لوزان)، فإنها ستحقق لتركيا سيادة كاملة ومكاسب اقتصادية ضخمة، ولذلك يشهد مشروع القناة هجوماً كبيراً.
وفي العموم، رأى تكين أن معاهدة لوزان لها إيجابياتها وسلبياتها، كأي اتفاق يجري في التاريخ، فبموجبها تمّ ترسيم حدود جمهورية تركيا الجغرافية، وبالتالي أمّنت بقاء هذه الجمهورية، وفي الوقت ذاته، فبسببها تخلت تركيا عن جزء كبير من الإرث العثماني.
انتصار أم هزيمة؟
وخلال اجتماعه بالمخاتير في عام 2016، انتقد أردوغان اتفاقية لوزان، قائلاً إن "البعض يحاول إظهار اتفاقية لوزان على أنها انتصار، انظروا إلى إيجه، نصف جزره منحناها لليونان في اتفاقية لوزان، أهذا انتصار؟ هذه الجزر ملك لنا، لدينا مساجد ومعابد هناك، فضلاً عن وجود حقوق لدينا متعلقة بالحدود الجوية والبحرية والمنطقة الاقتصادية المحصورة، والتي ما زلنا لا نعيها بشكلها الصحيح؟ ما هذه الاتفاقية التي خسرنا فيها حقوقنا؟".
لا توجد أي مواد في المعاهدة تحدد فترة سريانها أو تتحدث عن تاريخ انتهائها
ونقلت وسائل إعلام تركية، عن مديرة مركز "مبادئ أتاتورك وتاريخ الانقلاب للأبحاث" التابع لجامعة تراقيا، نورتان جتين، قولها إن معاهدة لوزان "كانت بمثابة وثيقة اعتراف بسيادة واستقلال تركيا التي كانت قد خرجت للتو من الكفاح الوطني".
وشدّدت جتين على ضرورة تقييم بنود وتفاصيل معاهدة لوزان للسلام، وفق الظروف والمعادلات التي كانت سائدة حين توقيعها، من أجل استيعابها بشكل صحيح. وأشارت إلى أن مذكرة التعليمات كانت تتضمن 14 بنداً، تؤكد الإصرار على بعض الأمور والمقاومة من أجل عدم القبول بغيرها، مثل قبول حدود تراقيا (إقليم غرب تراقيا شرقي اليونان) بهيئتها التي كانت عليها عام 1914.
من جهته، وصف المؤرخ التركي مصطفى أرمغان اتفاقية لوزان، بأنها "هزيمة واضحة"، مشيراً إلى أن "الميثاق القومي" حدّد للهيئة المفاوضة الأهداف الأساسية لعملية التفاوض، فجزر إيجه وإقليم غرب تراقيا وقبرص وباتوم التابعة لجورجيا، كانت ضمن أهداف الميثاق، ولكن تم تسليمها كلها للجانب الآخر على طبق من ذهب، بحسب قوله.
وأضاف أرمغان أن "الشعب التركي قدم الكثير من الشهداء في حرب التحرير، ولكن دماءهم ذهبت هدراً في عملية المفاوضات، لاسيما تسليم الطرف التركي إقليم غرب تراقيا الذي يحتضن نسبة عالية من المواطنين الأتراك، لليونان". ورأى أنه لا يمكن توضيح هذا التنازل بأي حال من الأحوال.
مراجعة معاهدة لوزان
أردوغان كان قد دعا إلى مراجعة معاهدة لوزان، وذلك في خضم المؤتمر الصحافي الذي عقده ومضيفه اليوناني، الرئيس اليوناني حينها بروكوبيس بافلوبولوس، خلال زيارته لليونان في عام 2017، والتي تعتبر الأولى من نوعها منذ 65 عاماً. وشدّد أردوغان حينها على أن المعاهدة التي رسمت الحدود بين تركيا واليونان، لم تطبق بشكل عادل، ما يستوجب تنقيحها. خلافاً لذلك، أكدت اليونان أن المعاهدة خالية من العيوب وغير قابلة للتفاوض.
وعما إذا كانت هناك احتمالية لإحداث تغييرات في بنود المعاهدة، أكد الباحث الفرنسي ماتيو راي، المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط في المركز الفرنسي، في مقال له، أنه من الصعب إحداث تغييرات في المعاهدات القديمة، على الرغم من تغير الظروف التاريخية والسياسية التي كانت قائمة حين توقيع المعاهدة.
وأضاف راي أنه في ما يتعلق بمسألة الحدود التي ثبتتها المعاهدة، فإنه لن يمكن مستقبلاً لتركيا أن تكتسب أراضي جديدة، أو أن تخسر جزءاً من أراضيها الحالية، علاوة على أنها، أي تركيا، لن تسعى إلى ذلك.