تنشط منظمة "أطباء بلا حدود" داخل أوكرانيا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. وحتى اليوم، لم تعلّق أنشطتها، بل أعادت توجيهها بحسب الاحتياجات الإنسانية والصحية للمجتمعات المحلية المتضررة. ويقول منسّق أنشطة الطوارئ في المنظمة في أوكرانيا لورون ليغوزا لـ "العربي الجديد" إن "فرق المنظمة تعمل في العاصمة كييف وفي عدد من المدن الرئيسية، ومنها كجيتومير (شمال غرب أوكرانيا) وسيفيرودونتسك (شرق أوكرانيا)، ويوجد الأطباء في المراكز الصحية والمستشفيات التي تعاني نقصاً في الإمدادات. ومؤخراً، سلّمت المنظمة 420 كيلوغراماً من اللوازم الطبية إلى مستشفى في كراماتورسك (شرق أوكرانيا) لتعزيز تقديمات الرعاية الطبية المنقذة للحياة، ومساعدات لمستشفيات أخرى في ماريوبول وكييف وبوكروفسك. ويحاول فريق دخل إلى أوكرانيا، الوصول إلى مدن مثل أوديسا أو ميكولايف أو خيرسون. وفي السادس من الشهر الجاري، وصلت شحنة من اللوازم الطبية التابعة للمنظمة إلى كييف عبر القطار لتقديم الدعم للسكان، وتضمنت لوازم طبية لمعالجة الإصابات البليغة وتلك الجماعية والجروح، بالإضافة إلى أدوية الأمراض المزمنة.
وينقل ليغوزا عن أحد أعضاء فرق المنظمة في مدينة ماريوبول اضطرارهم إلى جمع الثلج ومياه الأمطار للحصول على بعض المياه الصالحة للاستخدام، بالإضافة إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على مياه مجانية، مع عدم توفر الكهرباء والمياه والتدفئة والأدوية. ويقول إن المنظمة تعمل على تكثيف استجابتها في أوكرانيا وزيادة الإمدادات الأساسية، لافتاً في الوقت نفسه إلى وجود صعوبة في تقدير حجم الاحتياجات الطبية في ظل القتال الدائر على الأرض. وترتكز الأولوية على تكييف الموارد البشرية، ودعوة المتخصصين في حالات الطوارئ لمساعدة السكان المتضررين. وتتواصل المنظمة مع جميع الجهات الفاعلة الأساسية في أوكرانيا لضمان قدرتها على تلبية الاحتياجات الحرجة، وتركّز عملها على جمع المعلومات حول أعداد المصابين، وأعداد الأشخاص المتواجدين على الحدود لتقديم الاستجابة الطبية المناسبة.
البلدان المجاورة
من جهة أخرى، انتشرت فرق "منظمة أطباء بلا حدود "في البلدان المجاورة لأوكرانيا، ومنها بيلاروسيا، بولندا، مولدوفا، المجر، رومانيا، روسيا وسلوفاكيا لتقييم احتياجات اللاجئين والسكان المتضررين مع استمرار النزاع في أوكرانيا. وأرسلت المنظمة فرقاً إلى جنوب شرق بلاد مولدوفا لتقييم أوضاع اللاجئين عند المعابر الحدودية، وخصوصاً في ما يخص الحاجات المرتبطة بالصحة النفسية والأمراض المزمنة.
وتتواجد فرق الطوارئ التابعة للمنظمة على الحدود البولندية الأوكرانية في محاولة لادخال الطواقم والإمدادات إلى أوكرانيا والبدء بأنشطة استجابة طارئة على جانبي الحدود، بالإَضافة إلى مناطق أخرى في بولندا لتقييم الاحتياجات الإنسانية الطبية. كما تبرّعت المنظمة بمواد الإيواء للصليب الأحمر في مدينة لوبلين، وبمواد أساسية ومستلزمات نظافة ودعماً طبياً في مركز استقبال في بولندا.
كما ينقل ليغوزا مشاهدات فرق المنظمة عند نقاط التفتيش الحدودية بين أوكرانيا وبولندا لأشخاص يعبرون سيراً على الأقدام وفي السيارات والحافلات، ويعانون بسبب التعب والارهاق، من بينهم أطفال عمر أصغرهم 25 يوماً. ويمضي العابرون للحدود البولندية ساعات طويلة في البرد الشديد، ويصاب البعض بالجفاف أو بانخفاض في حرارة الجسم. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر أكثر من 72 ألف لاجئ اعتباراً من الثاني من شهر مارس/ آذار إلى سلوفاكيا. ووصل فريق طوارئ تابع للمنظمة إلى سلوفاكيا واجتمع مع مسؤولين إداريين وممثلين عن المنظمات غير الحكومية المحلية، وزار بعض المناطق الحدودية لتقييم الاحتياجات الطبية والإنسانية.
ويوضح ليغوزا أن رعاية المصابين في أوكرانيا تبقى الأولوية الأهم بالنسبة للمنظمة، ويحظى اللاجئون بتضامن محلي ودولي يساهم في تلبية احتياجاتهم بمستوى مقبول في الوقت الحالي.
مرضى السل وفيروس نقص المناعة البشرية
يقول ليغوزا إنه منذ سنوات، تواجد فرق "أطباء بلا حدود" في الداخل الأوكراني لتقديم العلاج للمرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" في سيفيرودونتسك، والعلاج لمرضى السُل في جيتومير، ولتحسين ظروف الوصول إلى الرعاية الصحية في دونيتسك (شرق أوكرانيا). وعلى الرغم من توقف هذه البرامج في الوقت الحالي، تحاول المنظمة توفير بعض الاستمرارية في تقديم الرعاية للمرضى. على سبيل المثال، تأكدت من أن جميع مرضى السلّ في منطقة جيتومير حصلوا على علاج يكفيهم لمدة شهر واحد على الأقل مع تأمين رزم غذائية ولوازم النظافة الشخصية. وفي سيفيرودونتسك، كان جميع مرضى "الإيدز" يخضعون للعلاج الذي تنظمه وزارة الصحة، فقدم فريق المنظمة مساعدات غذائية ومستلزمات نظافة، كما وفر بعض إرشادات الإسعافات الأولية النفسية. ويشير ليغوزا إلى وجود قلق بالغ بشأن مدى قدرة كبار السن على الوصول إلى الرعاية الصحية.
سلامة الفرق والمعايير الأخلاقية
في ما يتعلق بسلامة فرق المنظمة، يؤكد ليغوزا أن العمل في مناطق الحرب وأماكن النزاع لا يخلو من المخاطر، ويجب على الدول اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان أقصى قدر من الحماية للجرحى والمرضى والعاملين في المجالين الطبي والإنساني. وتحاول المنظمة، خلال النزاع الحالي، فهم ديناميكيات الهجوم من أجل سلامة الفرق وعدم تعريضها للخطر وخصوصاً في ظلّ التغير السريع في مناطق القتال. ويوضح أن هناك إجراءات يمكن اتخاذها في محاولة لتقليل مخاطر التعرّض لهجوم من قبل أطراف النزاع.
و"أطباء بلا حدود" منظمة طبية دولية محايدة ومستقلة، تقدّم المساعدات إلى المنكوبين وضحايا النزاعات المسلّحة، من دون أي تمييز قائم على العرق أو الدين أو العقيدة أو الانتماء السياسي. وتلتزم فرقها بمبدأَي الحياد وعدم التحيّز تطبيقاً للأخلاقيات الطبيّة العالمية ومراعاةً للحقّ في الحصول على المساعدة الإنسانية، بالإضافة إلى احترام المبادئ الأخلاقية للمهنة والحفاظ على الاستقلالية التامة عن جميع السلطات السياسية والاقتصادية أو الدينية.
ولا تختلف مبادئ المنظمة التي ترتكز على الاستقلالية والحيادية وعدم التحيز في هذه الحرب بالمقارنة مع استجابتها في حروب في بقع جغرافية أخرى. ويرتكز الهدف الدائم على تقديم المساعدات الطبية لجميع المتضررين من النزاعات، من الكوارث أو من الأوبئة، والالتزام بعدم تسييس المساعدة الإنسانية. ويشرح ليغوزا أن أخلاقيات المنظمة تقضي بمعالجة المرضى الذين يتم إحضارهم إلى غرف الطوارئ بغض النظر عن هويتهم أو انتماءاتهم أو الجانب الذين يعيشون فيه. الهدف الوحيد هو توفير رعاية للأشخاص من دون التدخل في أي أجندة عسكرية أو سياسية.
وتعتبر "أطباء بلا حدود" مستقلة مادياً، وتعتمد في تمويلها بشكل كبير على الأفراد الذين يتبرعون بمبالغ صغيرة، ما يساعد في ضمان استقلالية عملها ومرونتها في الاستجابة الفورية لأكثر الأزمات إلحاحاً. على سبيل المثال، قدّم أكثر من 7 ملايين متبرّع فردي ومؤسسات خاصة مساعدات مالية شكّلت 97.2 في المائة مما جمعته المنظمة خلال عام 2020.
في المقابل، يلفت ليغوزا إلى أن المنظمة تسعى أحياناً إلى لفت الانتباه للحاجات الإنسانية ومعاناة السكان في حالات منع الوصول إلى الرعاية الطبيّة المنقذة للحياة، أو تهديد المرافق الطبيّة التي تقدّم الخدمات المنقذة للحياة، أو تجاهل الأزمات، أو عدم التصرف السليم في آلية المساعدات وتوزيعها.