تشهد مناطق شمال شرقي سورية تراجعاً كبيراً في المساحات الخضراء، قد يبلغ مرحلة خطرة جداً تهدد بانزلاقها إلى التصحر، لا سيما أنّها تعاني من الجفاف منذ عقود ترافقت أيضاً مع عدم إبداء إدارات النظام السوري أي اهتمام بالموضوع، حتى في مرحلة ما قبل اندلاع الأزمة عام 2011.
وفي محاولة للحفاظ فقط على ما تبقى من هذه المساحات وإنقاذ المنطقة، يواصل فريق مبادرة "الجدائل الخضراء" عمله على خطة وضعها لزرع نحو أربعة ملايين شجرة، علماً أن أهالي حي الهلالية في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سورية، كانوا قد أطلقوا في مايو/ أيار 2020، حملة تطوعية لتشجير حيّهم عبر زرع نحو 500 شجرة متنوعة تتوزع بين مثمرة وحرجية. وشمل المشروع القسم السوري من هضبة الهلالية المحاذية للحدود بين سورية وتركيا، في إطار الجهود المبذولة لإعادة الغطاء الأخضر.
يقول زيو شيخو، الناطق باسم مبادرة "الجدائل الخضراء" لـ "العربي الجديد": "مشروعنا تطوعي اجتماعي وغير ربحي، بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بهدف زيادة المساحات الخضراء في شمال شرقي سورية". يضيف: "نسبة المساحات الخضراء لا تتجاوز 1.5 في المائة من جغرافية المنطقة، وهي ضئيلة جداً، علماً أنّ نسبة هذه المساحة يجب أن تتراوح، حسب التوصيات العالمية، بين 10 و12 بالمائة، ما يعني أننا نفتقد فعلياً 98.5 في المائة من الغطاء النباتي". يؤكد شيخو أنّ "المنطقة تعاني من شبه تصحّر، كما تحتضن للأسف نسبة 80 في المائة من إصابات السرطان المسجلة في البلاد، وهو رقم مخيف حقاً يحتم تكثيف العمل وبذل جهود أكبر لإبعاد أخطار التلوث عن المجتمع والصحة معاً". وينتقد عدم تنفيذ مؤسسات الدولة السورية واجباتها تجاه المنطقة طوال العقود الماضية، واكتفائها باستثمار النفط مع غض النظر عن الانبعاثات الناتجة من محطات الاستخراج والبرك، وتجاهل متطلبات توفير معالجة سليمة لهذه الأماكن، والاهتمام بالبيئة. واليوم نحاول أن نعمل لتحسين أحد جوانب الإهمال المتعمد والطويل الأمد عبر زيادة المساحات الخضراء".
ويتابع: "زرعنا حتى الآن نحو 80 ألف شتلة نتولى رعايتها والاعتناء بها حالياً. ونتعاون مع الإدارة الذاتية لقوات سورية الديموقراطية (قسد) التي تدعمنا بآليات وتشجعنا على مواصلة المشروع، ما يجعله يتطور إلى نوع من الشراكة بين مبادرة الجدائل الخضراء البيئية وبعض مؤسسات الإدارة الذاتية. أيضاً تلقينا دعماً اجتماعياً من متطوعين ومؤسسات وفرت آليات، مثل هجين، وأحمد كمر للنقل، وإن روك للآليات الهندسية، وزاجروس لأعمال الطرق. وساهمت في مهمات لنقل أتربة وشتل، ونفذت أموراً زراعية مختلفة من دون أن تحمّلنا أعباء أي كلفة مالية، وذلك على امتداد عام من بدء المشروع".
يشير شيخو إلى أنّ عملية تجهيز الشتل تحصل في أراضٍ تسلمتها "الجدائل الخضراء" بلا مقابل وبعقود زمنية طويلة الأمد في مناطق القامشلي والحسكة وعامودا والدرباسية. ويذكر أنّ "شخصيات قدمت يد العون عبر مبالغ مالية، علماً أنّنا نعتمد الشفافية المطلقة في إعلان قيمة أيّ مساعدة نتسلمها". ويوضح شيخو أن "المبادرة ستركز على زيادة أنواع الأشجار الموجودة في المنطقة، ومنها التين والفستق الحلبي والحراجيات بأنواعها والحمضيات. ونهتم بزرع أشجار ذات بعد استراتيجي للبيئة، ما يجعلنا نتجنب قدر المستطاع، استناداً إلى المعلومات العلمية المتوافرة لدينا والخبرات المتداولة، زرع أنواع أشجار ونباتات قصيرة العمر، وتنعدم جدواها الصحية والبيئية".
تتحدث ندى ابراهيم، التي تشارك في المبادرة لـ"العربي الجديد" عن أهمية المشروع. وتؤكد أنّ "مدناً كثيرة منها القامشلي تحتاج إلى حزام أخضر يخفف من كميات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في أجوائها وينقي الهواء فيها من أجل تعزيز المنافع البيئية". تضيف: "يجب المساهمة أيضاً في تقليص درجات الحرارة التي ارتفعت بشكل كبير وملحوظ عن معدلاتها السنوية خلال الأعوام الأخيرة التي شهدت قطع أشجار معظم الحدائق العامة في عدد كبير من مدن شمال شرقي سورية، واستثمار هذه الحدائق في مشاريع أخرى، ما حرم الأهالي من فسحات للتنزه والترويح عن النفس".
كذلك، تتحدث المدرّسة لجين، من الحسكة لـ"العربي الجديد" عن أهمية إعادة زرع الأشجار قائلة: "حين كنت طفلة كنت أسمع أنّ الغابات رئة الكوكب. وظلّ هذا الكلام محطة عابرة في حياتي حتى كبرت وأدركت أن لا روح في مكان يخلو من أشجار وزهور. فالنزهة بلا ظلّ شجرة والجلوس تحتها والنظر في تحليق العصافير ليست نزهة. أشكر كلّ من يساهم في عودة الأشجار إلى القامشلي، فهو يعيد الروح إلى المدينة، وينعشها مجدداً".