بحث المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس، مساء اليوم الجمعة، موضوع التفكير في الامتحانات في إطار "منتدى المدرسة والتحوّلات"، فناقش باحثون وجامعيون متخصصون مسألةَ الامتحانات في تونس وسبل النجاح بعيداً عن الطرق التقليدية والتقييم بحسب الأعداد، مؤكدين أنّ ثمّة جهداً كبيراً لا بدّ من أن يُبذَل ويشمل البنية الثقافية والبيداغوجية (التربوية) في تونس لجعل الامتحانات أفضل.
وقال متفقد عام التعليم الابتدائي عمار اللموشي إنّ "الامتحانات تؤثّر على التلميذ والمربّي وأولياء الأمور، والعلاقات متشعّبة وتقوم على مغامرة تترك عليهم آثاراً سيئة أحياناً"، موضحاً أنّ "التقييم تصنيف وعندما نقيّم فإنّنا نصنّف الأطفال والتلاميذ، وبالتالي فالعملية خطرة ولها تأثيرات سلبية، لأنّ في الامتحانات جانباً اجتماعياً أيضاً ولكن ثمّة لا مبالاة من الاختلاف". وحذّر اللموشي: "إن لم نفكّر في امتحانات بطريقة أخرى، فنحن نعيش مغالطة بيداغوجية ومخادعة اجتماعية"، مشيراً إلى أنّه "يجب فعلاً التفكير في طرق مختلفة في الامتحانات". أضاف االموشي أنّ الحضور إلى المدرسة "لا يعني الاستفادة من التعلّم، فجدوى المنظومة التربوية ومعالجة مسألة التعلّم تدفعان إلى التفكير في الامتحان لجعله في خدمة التلميذ".
من جهته، قال الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس محرز الدريسي، إنّ "ثمّة اهتماماً بالجانب البيداغوجي في حين أنّه يمكن التفكير في جوانب أخرى تهمّ الشخصية والتكوين. وثمّة ظواهر ومستجدات برزت في التعليم ويجب أخذها بعين الاعتبار، ومنها فتح نوافذ جديدة تقوم على التكنولوجيات الحديثة، كما أنّ نتائج تلاميذ اليوم تفوق مثلاً المعدّلات المضبوطة والمحدّدة بـ20 على 20 وهو ما يستدعي القيام بعدّة مراجعات على الامتحانات".
أمّا متفقد عام التربية والمدير العام السابق للامتحانات المنجي العكروت فرأى أنّ "الامتحانات ما زالت تحافظ على طابعها التقليدي، وهذا في جميع المستويات، وليس فيها تجديد. فالمواضيع نفسها تقريباً حافظت على الصياغة ذاتها، وثمّة جمود رافق الامتحانات طيلة سنوات عدّة وهذا تَصعب مقاومته"، لافتاً إلى أنّه "كلما حصل تجديد، كانت ردود عنيفة من قبل المدرّسين وحتى التلاميذ، وكانت النتائج سلبية".
وبيّن العكروت أنّه "طالما لم يتمّ الحسم في بعض المشكلات، فسوف تبقى السلبيات قائمة. فنحن في كلّ دورة امتحانات نعيش وضعاً متأزماً، وعندما تُطرح مواضيع الباكالوريا والمناظرات، كثيراً ما تأتي أصداء بأنّها خارجة عن البرامج ولا تتطابق مع الكتاب المدرسي". ويسأل: "هل واضعو الامتحانات هم من خارج المنظومة؟"، ليجيب بأنّ "المشكلة تكمن في ضبابية البرامج التي تنقصها الدقّة وتعطي مجالاً واسعاً للتأويل، وثمّة فجوة تخلق قطيعة وتجعل البرامج غير دقيقة". ويشدّد أنّ "ثمّة مشكلة تجعلنا لا نثق في الامتحانات، إذ إنّه ما بين دورة وأخرى تختلف النتائج بشكل كبير".
في الإطار نفسه، أوضحت الأستاذة الجامعية ناهد بوقديدة أنّ "التقييم عملية تقوم على جمع البيانات ووضع الاختبارات وعلى الأعداد، لمعرفة مدى استيعاب التلميذ وحفظه المعلومات"، لافتة إلى أنّ "العملية تتمّ عبر تجميع المعطيات وفهمها واتّخاذ القرارات". أضافت بوقديدة: "لكنّ الامتحانات هي طريقة من الطرق لتحديد القدرات والوصول إلى الهدف، وقد أثبت الواقع أنّ هذه الطرق ناجعة نسبياً. ولا يجب أن يتمّ التقييم كلّ ثلاثة أشهر بل أن يكون تقييماً مستمراً تتغيّر في خلاله صيغة الامتحانات. فالمدرّس يتابع التلميذ طيلة العام ويعرف إذا كان متمكناً أم لا"، مشيرة إلى أنّ "التجارب بيّنت أنّ التلميذ يعمل في الغالب بهدف تحصيل الأعداد".
وفي سياق متصل، تحدّثت المتفقدة في التعليم الإعدادي والثانوي إلهام منصور في مداخلتها عن "الأسباب التي تدفع إلى التفكير في الامتحانات بشكل آخر، من بينها متابعة سلوكنا اليومي الذي لا يخلو من التقييم"، شارحة أنّ "سلوك المدرّس لا يبعد عن المجتمع، فالمدرّسون يقيّمون مباشرة التلميذ في أثناء الدرس، وثمّة طريقة رسمية تكون عن طريق الاختبارات". وأشارت منصور إلى أنّ "الاختبار يكشف عن الجودة وعن التحصيل المعرفي وله أهداف عدّة، من بينها قياس المكتسبات للتلميذ بهدف تشخيص نقاط الضعف وتقييم البرامج وتطويرها لتعديل المنظومات التربوية".
وتابعت منصور أنّ "التقييم في المنظومة التربوية يعاني من مشكلات عدّة ويقتصر على حفظ المعلومات وعلى المستويات المعرفية الدنيا، والاختبارات تستنزف جهد المدرّس وتجعل التدريس موجّهاً للاختبارات، مع برمجة حصص مراجعة تقوم على طرق مباشرة وأخرى توجيهية، وقد تصير مصدر قلق وتؤثّر على تقبّل التلميذ للمعلومات". ولفتت منصور إلى أنّ "كثرة الاختبارات تفرّغ التعلّم من هدفه، وهو ما يؤثّر على جلّ المتدخلين في المنظومة التربوية"، مؤكدة أنّ "المشهد الحالي قائم على التقييم الجزائي في مقابل التكويني الذي يُعَدّ ضعيفاً جداً. والمشكلة ليست في التمارين ولا المشروع الجاهز بل في طريقة تقديمه والعمل عليه، وهذا سبب فشله أو نجاحه".
وأوضحت منصور أنّ "ثمّة طرقاً تقوم على التقييم الإبداعي وتخرج عن المألوف لجهة استخدام الأقراص الصوتية والتقنيات الحديثة والتركيز على المهارات المختلفة للتلميذ، وتدعوه إلى التفكير وبذل جهد وتدفعه نحو التجديد، وهو ما يستوجب إعادة النظر في الامتحانات"، مشدّدة على أنّه "لا بدّ من القطع مع كلّ ما هو أعداد لصالح تطوير التعليم وأن ينسجم ذلك التعليم مع كلّ المستجدات".