فبعد تخفيف إجراءات التنقل بين المحافظات في قطاع غزة وفتح جميع المحلات التجارية وعودة البسطات في بعض شوارع غزة الرئيسية، بدا مشهد السلع وبعض البضائع التي تتوزّع على مفترقات وشوارع الأسواق مختلفاً عما سبق، بعدما تأثر بأزمة كورونا، فانضمت أدوات الوقاية من الفيروس إلى بضائع الباعة المتجولين الذين باتوا يضعون الكمامات والمعقمات فوق بسطاتهم أو يتجولون بها بين الناس.
في شارع عمر المختار بالتحديد، الذي اعتبرته وزارة الداخلية من المناطق الخضراء الأولى، أي التي لا تشهد إصابات كثيرة، عاد أصحاب المتاجر إلى ممارسة نشاطاتهم نهاراً، حتى الثامنة مساءً. وهناك ينتشر الباعة المتجولون عادة، لكنّهم هذه المرة يبيعون الكمامات الطبية المستوردة أو أشكال محلية أخرى، فيما يبيع آخرون المعقمات بجميع أنواعها، ومن بينها المستورد والمحلي أيضاً.
فهد صيام (18 عاماً) كان يبيع الحلويات على الطريق قبل أزمة كورونا، وعاد لبيعها قبل شهر لكن لم يقبل كثيرون عليها. أصيب بالإحباط وبقي في المنزل أكثر من شهر مع اشتداد أزمة كورونا، فهو بائع متجول للحلويات تلك منذ ثلاثة أعوام. لكنّه بعدها، جرب بيع الكمامات على المفترقات، مستهدفاً المتجولين الذين قد توقفهم الشرطة في حال لم يلتزموا بالكمامة.
وبالفعل، نجحت فكرة صيام في التجول بصندوقه الكرتوني الذي يحمل فيه الكمامات بالقرب من كمائن الشرطة، وعلى المفترقات، ويبيعها للسائقين والمتجولين على حدّ سواء كما يفعل آخرون مثله. يقول صيام لـ"العربي الجديد": "بتنا نطلق على بسطاتنا اسم بسطات الوقاية. كنا من قبل نشاهد بسطات ملابس وأحذية وحلويات وذرة، واليوم كثير من البسطات لبيع أدوات الوقاية، لأنّ الجميع يلتزم بالكمامات. مع ذلك، فإنّني أحياناً أتجول كثيراً حتى أبيع كلّ ما أحمل، وأحرص على بيع الكمامات وهي مغلفة تماماً لعدم تعريضها لأيّ احتمال تلوث".
كذلك، يبيع محمد أشعب (32 عاماً) الكمامات وأدوات التعقيم، في شارع عمر المختار، إذ كان يبيع الذرة على عربة بعد سلقها وتقديمها في أكواب كرتونية. الناس لم يعودوا يرغبون في شراء الذرة كما يقول، بل تهمهم سلامتهم بشكل أساسي قبل شراء المسليات من الباعة المتجولين في هذه الظروف. يتابع لـ"العربي الجديد": "بقيت في المنزل أكثر من شهر ونصف، لكن، لديّ أسرة من أربعة أفراد، وحصلت على تعويض من وزارة العمل لشهر واحد فقط بمبلغ مائة دولار أميركي، وفي الشهر التالي قالوا: لا تعويض لكم. هكذا، اضطررت لبيع العربة وشراء أدوات الوقاية لبيعها ومحاولة مجاراة حاجة الناس في الأسواق". يضيف: "بالفعل، هناك إقبال على البضاعة، لكنّ بعض الناس لا يحبون الشراء من البسطات والباعة المتجولين. أشخاص آخرون يقتربون منّا فيجدون أن لا اختلاف بين ما نبيعه ويباع في المتاجر، إذ نحافظ على النظافة، ويقتنعون بالشراء منا. فمن يرغب في كسب الرزق سيحافظ على النظافة بشكل دائم". يساعد أشعب شقيقه الأصغر عمر (20 عاماً) الذي يتجول بالبضائع بين الناس، لأنّه لا يستطيع التجول في بعض الأيام التي يجد فيها البيع قليلاً، بسبب إصابته في قدمه، وهكذا يتقاسم الربح مع عمر العاطل من العمل بدوره.
وفوجئ الباعة المتجولون بطرد الشرطة لهم وإزالة بسطاتهم. تبرر الشرطة ذلك بالحفاظ على التباعد الاجتماعي وعدم الازدحام في المناطق العامة، لكنّ الباعة يعبرون عن غضبهم إزاء ذلك، ويعتبر وليد طه (22 عاماً) أنّ البلدية تلبي شكوى أصحاب المحلات، وفي المقابل، تغفل عن ظروف الباعة المتجولين الذين يبحثون عن رزقهم قبل حلول وقت حظر التجول عند الثامنة مساءً. يضيف طه: "غالبيتنا كنا أصحاب بسطات في أسواق الجمعة والسبت والأحد، وهي أسواق تشكل رزقاً مؤقتاً لنا. فكنا نتجمع فيها ونبيع كثيراً من البضائع، لكنّنا اليوم نبيع أدوات الوقاية، إذ نتجول في شوارع كثيرة فيها ازدحام لبيع الكمامات بسعر أقل من المحلات حتى نستقطب المشترين. لكنّ الشرطة باتت تمثل عقبة لنا للأسف، إذ جعلت الناس يعتقدون أنّنا متسولون، لكنّنا نخبر الجميع أنّنا بائعون ونعرض عليهم الشراء".
وقبل أسبوع، صادرت الشرطة بسطة أحمد سعد (40 عاماً) لأنّه مخالف لقرارات فتح الأسواق كما يشير، لكنّه توجه إلى مركز شرطة البلديات وحاول إقناعهم، موقعاً تعهداً على نفسه بعدم وضع البسطة في الشارع، فاضطر للعمل هو وابنه سامي (20 عاماً) متجولين في المناطق الشرقية من مدينة غزة.