في تأكيد على نظرة الدولة للنساء وتكريسها لدى فئات وقطاعات عريضة من المجتمع المصري؛ وقعت حادثة راحت ضحيتها طبيبة، بعدما قرر جيرانها أنها تخل بقيم الأسرة المصرية والمجتمع.
وقررت النيابة المصرية حبس 3 متهمين، وعرض رابع على مستشفى حكومي لتوقيع الكشف الطبي عليه، وإخلاء سبيل متهمة خامسة، في اتهامهم بالتسبب في انتحار طبيبة ألقت بنفسها من شرفة شقتها بالطابق السادس إثر اقتحامهم شقتها بحجة "اختلائها برجل غريب جاء لزيارتها".
وحتى كتابة هذا التقرير، لم يتبين بعد ما إذا كانت الطبيبة البالغة من العمر 34 عاماً هي من ألقت بنفسها من الطابق السادس خوفاً من غضب جيرانها، أم أن أحدهم دفعها.
تلك الواقعة التي حدثت في منطقة دار السلام الشعبية، جنوبي القاهرة، ما كانت لتحدث لو أن النظام المصري نفسه لم يحرّض مراراً وتكراراً على فرض أنماط عقابية مستحدثة للحفاظ على ما يصفه بـ"قيم الأسرة المصرية".
اللافت أن وسائل الإعلام المصرية، التي تناولت الواقعة، لم تسلط الضوء على تفاصيل اقتحام حرمة الحياة الخاصة وحرية الضحية المطلقة في استضافة من ترغب في منزلها، ولم تهتم بتعرض الضحية لضرب مبرح ظهرت آثاره على أنحاء متفرقة من جسدها؛ بل ركزت فقط على أن المجني عليها عثر عليها بملابسها كاملة.
ويُشار إلى أن المادة 58 من الدستور المصري تنص على أن "للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة، لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان والتوقيت والغرض منه، وذلك كله في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من في المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر في هذا الشأن".
فوفق التحقيقات الأولية، فإنه "أثناء وجود المجني عليها في شقتها برفقة صديقها، قام المتهمون بكسر باب المنزل، والتعدي عليها بالضرب المبرح، واتهموها بممارسة الرذيلة، ما تسبب في سقوطها من شرفة شقتها بالدور السادس، فلفظت أنفاسها الأخيرة في الحال".
ما تبين من التحقيقات الأولية أن الصديق جاء لزيارة الطبيبة للاطمئنان عليها، ونظراً لكونها غير متزوجة شك المتهمون بوجود علاقة غير شرعية بينهما.
تهمة "الاعتداء على قيم الأسرة المصرية" أصبحت تدس في أي فعل مخالف لما اعتادت عليه فئات محددة من المجتمع المصري. وهي تهمة ابتدعت قبل عام لمحاكمة تسع نساء على خلفية بلاغات قدمها ضدهن رجال لاتهامهن بـ"إهدار قيم المجتمع والاعتداء على قيم الأسرة المصرية"، فيما عرف بمحاكمة "فتيات تيك توك".
فقد بدأت حملة استهداف النساء على خلفية استخدامهن موقع التواصل الاجتماعي "تيك توك" في 23 إبريل/نيسان 2020، عند القبض على الطالبة بجامعة القاهرة حنين حسام، واتهامها بـ"تهديد قيم الأسرة المصرية وقيم المجتمع المصري والتحريض على الفسق والفجور وممارسة الرذيلة". تلتها بعد ذلك 8 نساء أخريات، واجهن الاتهامات نفسها.
ومن بعدها ازداد عدد النساء اللاتي يواجهن احتمالية العقوبة الجنائية لإهدار قيمة الأسرة المصرية باتهامات ثابتة وهي "الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري. وإنشاء حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية وإدارته بهدف ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام".
وكانت ورقة حقوقية صادرة عن المجموعة المتحدة للقانون، وهي بيت خبرة قانوني عربي يضم عدداً من المحامين والخبراء القانونيين وأساتذة العلوم السياسية والمحللين الماليين، وصفت المادة 25 من القانون 175 لسنة 2018، التي نصّت على "عقاب كل من ينتهك مبادئ وقيم الأسرة المصرية"، بأنها مادة "معيبة دستورياً"، و"نص عقابي غامض" و"مخالفة صريحة لنص المادة العاشرة من الدستور التي تتحدث عن قوام الأسرة المصرية وليس قيم الأسرة المصرية.
وأوضحت الورقة القانونية أن "هناك فرق بين الأمرين، فالقِيَم هي الأمور التي لها قيمة أما القوام فمعناه عِمادُ كل شيء ونظامه؛ وبالتالي لا يمكن الاستناد لنص المادة العاشرة من الدستور لإضفاء صفة دستورية كاذبة على نص المادة".
كما توصلت الورقة القانونية إلى أن "نص المادة 25 يخالف مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، والذي فسرته المحكمة الدستورية العليا بضرورة أن يكون النص القانوني أولاً ضامناً للحرية الشخصية، وثانياً أن يكون النص القانوني واضحاً ومحدداً بما يجعل حدود المباح والتجريم واضحة. وهما أمرين خلا منهما تعبير "مبادئ وقيم الأسرة المصرية"، ما يجعله غير دستوري من هذه الناحية.