في سابقة من نوعها، بادر أعضاء في "نادي قضاة المغرب" (أحد أكبر التنظيمات المدنية التي تضم قضاة المغرب) إلى التصريح بممتلكاتهم بصفة طوعية ونشرها للعموم عبر الإنترنت.
وعمد تسعة قضاة أعضاء في المكتب التنفيذي لـ"نادي قضاة المغرب"، ابتداءً من أمس الاثنين، إلى نشر البيانات الخاصة بممتلكاتهم، مُرفَقة بأجرتهم الشهرية وجميع ما يحوزون من عقارات وأموال منقولة على الموقع الإلكتروني الرسمي للنادي، على أن تتبع هذه الخطوة التي اعتبرت مبادرة لتعزيز الشفافية والنزاهة، عملية تعميم لها على باقي الأجهزة المسيرة للنادي، وفق مصدر مسؤول في النادي، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوَّل له الحديث إلى الصحافة.
ونشر الموقع الإلكتروني الرسمي للنادي تصريحات 9 أعضاء في المكتب التنفيذي لـ"نادي قضاة المغرب"، من ضمنهم رئيس النادي عبد الرزاق الجباري، أظهرت أنها مثقلة بالقروض البنكية ولا يتوافرون على أي أملاك محررة، وجلها مناصفة مع الزوجة، أو أقل من ذلك، وبعضهم لا يتوافرون عليها بصفة مطلقة.
وفي انتظار التحاق قضاة آخرين بالمبادرة، قال "نادي قضاة المغرب"، في بيان له، إن مبادرته تأتي "دعماً لقيم الشفافية والنزاهة"، وتنفيذاً لتوصية المجلس الوطني للنادي الصادرة عنه سنة 2012، والهادفة إلى التصريح العلني بالممتلكات والديون من طرف أعضاء مكتبه التنفيذي كافة. وتأتي المبادرة أيضاً، تنفيذاً لقرار المكتب الوطني للنادي، الصادر بتاريخ 21 يوليو/ تموز 2022، والقاضي بتفعيل هذا الإجراء.
رئيس الرابطة المغربية لحقوق الإنسان، إدريس السدراوي، اعتبر التصريح العلني للقضاة بممتلكاتهم وديونهم "خطوة مهمة وأساسية في تخليق العمل المهني والجمعوي والنقابي بصفة عامة، كذلك فإنها "خطوة شجاعة ومهمة رغم أنها يجب أن تعمَّم على باقي التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية كي لا يفهم منها أن القاضي متهم حتى تثبت براءته".
وشدد السدراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على ضرورة استمرار العطاء الفكري والاجتهاد العلمي والأكاديمي لـ"نادي قضاة المغرب" من أجل إبراز مطالب جديدة وجدية لإصلاح عميق وشامل للمنظومة القضائية بعد الإصلاحات المهمة للعاهل المغربي الملك محمد السادس ما بعد خطاب 6 مارس/ آذار 2011.
واعتبر أن التصريح العلني بممتلكات القضاة "خطوة إيجابية رمزية ومهمة، لكن يبقى الأهم طبيعة الملف المطلبي المتعلق بالأوضاع المادية والمعنوية والمهنية للقضاة، من جهة، ومن جهة أخرى الملف المتعلق بالإصلاحات المطلوبة. وهو ما يقتضي انفتاح النادي على التجارب الأفريقية والدولية".
ويلزم الفصل الـ16 من النظام الأساسي للقضاة في المغرب القضاة بالتصريح عن ممتلكاتهم في أجل أقصاه 3 أشهر الموالية لتاريخ تعيينهم في السلك القضائي، بمجموع أنشطتهم المدرة للدخل، أو الممتلكات التي يملكونها أو يملكها أولادهم القاصرون أو يدبرونها. وكذا المداخيل التي تسلموها بأي صفة من الصفات خلال السنة السابقة للسنة التي عُيِّنوا فيها. ويُجدَّد التصريح بالممتلكات كلّ 3 سنوات في شهر فبراير/ شباط.
وينص النظام الأساسي للقضاة على ضرورة الإدلاء بتصريح تكميلي بخصوص أي تغييرٍ يطرأ على ثروتهم، قبل حلول موعد تجديد التصريح بالممتلكات المحدّدة في 3 سنوات، وعليهم القيام داخل أجل أقصاه 3 أشهر الموالية لتاريخ انتهاء مهمتهم، في حالة انتهائها لسبب آخر غير الوفاة، بالتصريح بالممتلكات.
ويحدد الحد الأدنى لقيمة الأموال المنقولة الواجب التصريح بها، بـ300 ألف درهم (نحو 30 ألف دولار) لكل صنف من أصناف الأموال المنقولة، عند تاريخ اقتنائها من طريق الشراء أو تملكها من طريق الإرث.
وكان المجلس الأعلى في السلطة القضائية قد أكد، في المخطط الاستراتيجي للمجلس خلال الفترة ما بين 2021 – 2026 الصادر في إبريل/ نيسان الماضي، عزمه على التصدي لكل مظاهر الفساد الأخلاقي، من خلال إعمال المقتضيات المنصوص عليها قانوناً، والرفع من مستوى الأخلاق القضائية بما يحفظ شرف القضاء وكرامة ومنسوب وقاره، ويصون الحيادية والاستقلال والتجرد ويعزز الشفافية والنزاهة.
وتعهد المجلس، باعتباره مؤسسة دستورية تدبر شؤون القضاة والسهر على توفير الضمانات الممنوحة لهم في إطار القانون تكريساً لمبدأ استقلال القضاء ولتحقيق عدالة فعالة ونزيهة، بتفعيل مراقبة ثروات القضاة والتصريح بممتلكاتهم والسعي لمراجعة الإطار القانوني لتوقيف القضاة المتورطين في قضايا مخلة بالنزاهة والشرف.